أسباب غياب الوعي الطبقي في الأراضي الفلسطينية


أحمد سعيد قاضي
2013 / 7 / 31 - 18:25     

في الأراضي الفلسطينية كما في كل العالم هناك المضطهِد المالِك والمضطهَد المملوك. هناك الأقلية المالكة والأكثرية المملوكة. في فلسطين أكثر من 2 مليون و300 ألف فقير أي أكثر من نصف السكان في الأراضي الفلسطينية يعيشون على أقل من دولارين في اليوم الواحد. يناطحون الحياة في صراعٍ عقيم للحصول على لقمة العيش. فعلاوة على صراعهم مع الاحتلال يصارعون الفقر والبطالة والغلاء. وفي المقابل أقل من 10% وهم الأغنياء يملكون عشرات أضعاف ما يملكه الفقراء، يعيشون في هناء ورغد بعيداً عن معاناة الفقراء وألمهم.
ورغم ذلك إن الفلسطينيين يجهلون وجهتهم الحقيقية في الصراع، ولا يملكون وعي طبقي بسبب ما يعلو هذا الصراع من ضبابية وتقاطعات مع صراعاتٍ أخرى. وهذا شرح موجز لجملة من أهم أسباب غياب الوعي الطبقي للشعب الفلسطيني:
أولاً، هناك الطبقة البرجوازية، كما في كل العالم، تقوم بتشويه صورة الصراع في العالم محولةً إياه إلى انقسامات وصراعات أفقية بين أفراد الطبقة الواحدة في محاولة لوأد أي بذرة صراع طبقي قبل نموها. وبما أن هذه الطبقة المالكة تقوم ثروتها أساساً على اضطهاد العمال والفقراء فإن أي إشارة على بزوغ وعي طبقي للطبقة المضطهدة تشكل خطراً حقيقياً على وجودها. لذلك تقوم الطبقة البرجوازية، بما تملكه من آلة إعلامية وماكينة الدولة والثروات، بتشويه وعي الطبقة العاملة الفقيرة وتوجيه طاقاتها إلى صراعاتٍ جانبية تضعف من قوتها. علاوة على ذلك تقوم الطبقة البرجوازية ببث روح الرجعية والمحافظة في بيوت الشعب الفلسطيني زارعة في عقول الفلسطينيين أن النظام والوضع الحالي هو الوضع المثالي، وإذا كان يحتاج للقليل من الإصلاحات.
أما السبب الثاني فهو وجود بنى اجتماعية تقليدية تتقاطع عرضياً مع مفهوم الطبقات والتراتبية وتسلب تأثير الصراع الطبقي أو تشوهه مثل سلطة القبيلة، والقرية، والأحزاب الدينية الخ. فهذه البنى التقليدية تجمع تحت ظلها أناساً من طبقات مختلفة وبالتالي ذو وعي مختلف، معيدة بذلك تشكيل وعيهم باتجاه الحفاظ على مصالح القبيلة أو الحزب بغض النظر عن التراتبية في داخل القبيلة أو الحزب. وهنا رغم استفادة الطبقة الغنية في الحزب أو القبيلة واستغلال البقية إلا أنهم لا يدركون هذا الاستغلال بل ربما إذا فهموا جوهر الاستغلال لن يخرجوا ضد قيادة القرية أو الحزب لأن تعصبهم يمنعهم من مجرد التفكير في هذا الأمر. وبطبيعة الحل يستغل البرجوازيون هذه البنى القديمة للحفاظ على امتيازاتهم واستمرار الاستغلال برضا الجماهير.
علاوة على ذلك، الاحتلال الصهيوني في فلسطين يساهم بشكل غير مباشر في تحريف مسار الصراع الاجتماعي الأساسي في الأراضي الفلسطينية. فالفلسطينيون يواجهون احتلالاً فظيعاً قاسياً لا يعرف الرحمة، يقتل ويأسر ويصادر ويهدم كل يوم، فمن الطبيعي أن يرى الفلسطينيون أن الاحتلال الصهيوني هو الهدف الأول والأخير لهم لكن ما يجب أن يعلمه ويدركه الفلسطينيون هو أن الطبقة الغنية ترتبط استثماراتها وتتقاطع مصالحها بشكل مباشر مع الاحتلال الصهيوني وبالتالي الصراع مع الاحتلال الصهيوني الذي يجب أن يكون أولوية ويستمر يجب أن يوازيه خطوة بخطوة الصراع مع الطبقة البرجوازية الرجعية في جوهرها.
والفقر أيضاً هو أحد أهم أسباب الجهل بالصراع الطبقي والوعي الطبقي. بما أن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وغالبية النصف الآخر بالكاد توفر احتياجاتها فإن التثقف والتفكر والتأمل عند الشعب الفلسطيني يعد ترفاً ما بعده ترف. فكل هم الفلسطيني هو أن يحصل على قوت يومه لكي يطعم أولاده وبالكاد يستطيع تدريسهم سواء في المدرسة أو في الجامعة، وكنتيجة لذلك يغط الشعب الفلسطيني في جهل مدقع إذا أحسنت التوصيف، فلا يستطيع معظم الفلسطينيون تلمس أدنى درجات الثقافة وبالتالي الوصول لمرحلة الوعي بالصراع الطبقي، وخاصة أن السياسة والثورات شُيطنت في وعي الجماهير، أمر صعب جداً ويحتاج لجهدٍ كبير.
وأخيراً، ضعف القوى الشيوعية في فلسطين يعد من أقوى الأسباب في غياب الوعي الطبقي عند الفلسطينيين. يقع على عاتق القوى اليسارية في هذه المرحلة توعية وتعبئة الشعب وخاصة الطبقة العاملة والفلاحين بدورهم التاريخي وطبيعة الصراع الطبقي، لكن القوى الشيوعية في فل الأراضي الفلسطينية غائبة عن الساحة بشكل كامل ولا تضطلع بأي دور في هذا المجال. بل إن الكثير من أعضاء هذه القوى لا يعي الصراع الطبقي والتراتبية في فلسطين، فكيف لهذه القوى أن تقوم بدورها الفعال وهي في غياب تام عن الساحة العملية والفكرية.
وبناءً على ما سبق، من الواضح أن قدرة الشعب الفلسطيني على إدراك الصراع الطبقي و تحديد الحدود بين الطبقات ووعي كلٍ منها، وقدرتهم على فهم ارتباطات الصراع الطبقي مع الصراع التحرري ضد الكيان الصهيوني أمر بالغ الصعوبة في المدى المنظور على الأقل.