أزمة مصر..عقبة من عقبات المسار الثوري


أحمد سعيد قاضي
2013 / 7 / 29 - 16:16     

تشهد مصر اليوم صراعاً مريراً واستقطاباً حاداً بين الداعمين للإطاحة بالرئيس مرسي بحجة أنها ثورة شعبية ضده وأنه فقد الشرعية، ومن يقف ضد الإطاحة به بحجة أنه الرئيس الشرعي المنتخب ديموقراطياً. ونتيجة لهذا الاستقطاب يقتل المصري أخاه المصري بدمٍ بارد، ويسحل المصري أخاه المصري وكأنه عدو جاءَ من خلف الحدود. ولكن الأزمة الحقيقية أكبر من الشكل الظاهر، فليس الاستقطاب في ذاته أو الخروج في مظاهرات واصطدام الفرق المصري مع بعضها البعض. فإذا قرأنا قراءة سريعة للثورات في العالم نرى أن الصراع الحالي هو صراع صحي، حيث أنه في كل الثورات تجتمع الفرق الثورية في صفٍ واحد وتكون بينها المودة والمحبة والتعاون إلى حين إسقاط النظام أو جزء منه، هنا تبدأ الفرق الثورية في الاختلاف. تختلف الفرق الثورية فيما بينها تبعاً لمصالحها ومفهومها للثورة ورؤيتها للدولة الجديدة، والبرامج السياسية، وتتعمق وتتشعب هذه الانقسامات كلما كثرت الأحزاب والأطراف. وما يزيد الأمر حدة هو دخول فلول النظام المطاح به بكل ثقلهم الإعلامي والمالي في ثورة مضادة وفي محاولة لإجهاض الثورة التي ستلغي امتيازاتهم. ومن الأمور التي تحدث بالعادة هي اتحاد بعض الفرق مع الفلول لالتقائهم على هدف مرحلي معين وهذا أمر خطير.
هذه تفاصيل ما يحدث والتي من منظار الثورة هي أمور صحية طبيعية تحدث في كل الثورات. لكن أزمة مصر الحقيقية لها أربعة أعمدة:
1. غياب قيادات ثورية فعلية لها تأثير على الجماهير أو تملك شخصية كاريزماتية، وتحيز على ثقة الشعب. ففي الثورة التي لها قيادة يجمع عليها الشعب أو على الأقل جزء كافي من الشعب يخول هذه القيادة للمسير قدماً في الثورة يسهل كثيراً الأمور ويوضح الصراع بشكل أكبر، فعلى سبيل المثال الثورة الفلسطينية الحديثة كان لها قائد واحد حاصل على شبه إجماع من الشعب الفلسطيني وهو القائد أبو عمار وبالتالي حصل أبو عمار على تخويل من الشعب الفلسطيني للمقاومة والتنازل أيضاً!. لكن الإجماع على أبو عمار أعطاه القوة في اتخاذ القرارات وضرب المعارضين لسياسته بدون التأثير في مسيرة الثورة أو استقطاب الشعب الفلسطيني.
2. غياب الحزب القوي الضارب بجذوره في المجتمع المصري والحاصل على ثقة فئة مؤثرة من الشعب، بحيث يستطيع الوصول إلى السلطة وإكمال مسير الثورة على أرضية صلبة وأعمدة دعم شعبية. فالشعب المصري مقسم بين عشرات الأحزاب التي اتخذت مظهر صراع ثنائي بين الأحزاب الإسلامية والأحزاب العلمانية الممثلة في جبهة الإنقاذ. وفي حال انتصار أي طرف فإن الطرف المنتصر سوف ينقسم على نفسه ويتفتت ليدخل الصراع من جديد وهذا ما رأيناه عند وصول الإخوان المسلمين للسلطة لأول مرة وشعورهم بالأمان الكاذب، حيث دخل الإخوان المسلمون مثلاً في صراع مع الأحزاب السلفية لان رؤاهم مختلفة تماماً.
3. غياب برامج سياسية شاملة وواقعية لدى الأحزاب المصرية بحيث تكون واضحة المعالم وتحمل حلولاً جذرية للمشاكل اليومية على الأقل مثل مشكلة الطاقة والكهرباء، والأزمة المرورية، وتوفير الخبز. فوصولهم إلى عقول المصريين وجذبهم للشعب تم بالتحريض والترهيب والديماجوجية، وليس بما يجب أن يكون، أي بالبرامج السياسية، لذلك واجه الإخوان المسلمون أزمات كبيرة في الحكم ولم يتمكنوا من حل أي منها أو طرح إستراتيجية للنهوض بمصر. والظاهر أن جبهة الإنقاذ في حال وصولها إلى السلطة ستواجه نفس المشاكل.
4. الأحزاب القوية ذات الحضور في الشارع المصري تتصارع على السلطة غير آخذة في عين الاعتبار مصالح الشعب والدولة المصرية، وهذا ما ظهر جلياً في عدم تعاون الإخوان المسلمين وجبهة الإنقاذ في حكم مصر وإيجاد الحلول لمشاكلها. فأحدهما تحالف مع العسكر ضد الشعب بعد ثورة 25 يونيو في سبيل الوصول إلى السلطة والتمكين والآن انقلب الوضع بالنسبة لهم، والطرف الآخر تحالف مع الفلول ويرفض حتى فكرة التحالف مع الطرف الآخر.
هذا إن يدل فيدل على أن الثورة المصرية في بداياتها وأن الشعب سوف يعاني الأمرين قبل استقرار الصراع ومجيء المنقذ لمصر لتحقيق أهداف الثورة. وهناك افتراض ثانٍ وهو فشل الثورة ونجاح الثورة المضادة، لكن هذا مستبعد لأن الشعب المصري بدو انه مصر على إكمال ثورته وأسقط عدة حكومات بعد سقوط مبارك، في حركات جماهيرية لتصحيح مسار الثورة.
اخيراً، لا يغرنكم أن جبهة الإنقاذ متماسكة وثابتة في موقفها ففور هدوء الأوضاع ورمي حركة الإخوان المسلمين خلف الظهور، سوف تحكم جبهة الإنقاذ مصر ولن تستطيع تحقيق أهداف الثورة المتمثلة في شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، لأن جبهة الإنقاذ حبلى بالأحزاب ذات المشاريع والرؤى السياسية والمصالح المختلفة، والتي سرعان ما ستتفكك في حال الشعور بالأمان وعدم وجود تهديد خارجي من الأحزاب الإسلامية. وجبهة الإنقاذ تحمل أيضاً قوى سياسية محافظة ومحسوبة على الفلول وبالتالي هناك تيار الثورة المضادة في هذه الجبهة وستظهر قوته على السطح بعد التخلص من الند الإسلامي.
الإخوان المسلمون فشلوا في إدارة مصر وسعوا إلى أخونة الدولة وتحالفوا مع العسكر ولم يلتفتوا إلى المشاكل التي تهدد الأمن القومي المصري مثل سد النهضة، وسعوا إلى الاستئثار بالسلطة ولم يلغوا أو حتى يعدلوا اتفاقية كامب ديفيد المذلة، وخلطوا الحابل بالنابل في تحويلهم الصراع إلى صراع بين الإيمان والكفر، وقد انتهى دورهم للأبد وسينتهي أيضاً دور جبهة الإنقاذ فور حصولهم الكامل على السلطة لأنهم سوف يفشلون في إدارتها كما أوضحت قبل قليل.
ومن بين حطام الأحزاب والقيادات السياسية سوف يخرج الشعب المصري الثائر الحزب والشخصية التي ستقوده إلى بر الأمان وإنجاز أماني وتطلعات الشعب المصري العظيم، فهكذا هي الثورة تصنع قياداتها بنفسها ولو بعد تضحيات جسيمة.