المفاوضات الفلسطينية والبعد العربي


جورج حزبون
2013 / 7 / 26 - 00:54     


في منزل مارتن اندك عام 1996 كانت جلسة حول الخليل في المساء حضرها محمود عباس ومحمد دحلان عن الفلسطينين، واسحاق مردخاي ومعه وفد قاموا لصلاة تدعى ( كادش ) عن روح والدة ميللر وتستوجب عشرة اشخاص لاداء تلك الصلاة ، فلم يبقى الا الفلسطينين حيث الجميع كانوا يهوداً . ( من كتاب الوعد الرابع ) ( لارون ميللر ) .
أعلن جون كيري وزير خارجية اميركا في نهاية زيارته السادسة للمنطقة عن موافقة الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي على التفاوض وعن تسمية مندوب فلسطين ومندوبة اسرائيل ، ثم اعلن ان مارتن انديك سيكون الممثل الاميركي والمندوب عن كيري في تلك المفاوضات ، رغم ان الجانب الفلسطيني ابدى بعض التحفظات بعنوان وجود بعض الغموض بالنسبة لعدد من البنود في اعلان قاعدة واسس التفاوض .
والنتيجة ان الطرفان استعدا للتفاوض وانها المجال المتاح، وان الجانب الاميركي وحده المفوض لادارة تلك العملية ، وانه لا توجد اية امكانية لتحدي الموقف الاميركي في ظل الحالة العربية الراهنة ، والحصار المتعدد الذي يتعرض له الفلسطينيون ، سواء في مناطق السلطة او في مناطق اللجوء ، تلك الحالة التي افرزها ( ربيع العرب ) كما ارادت اميركا ان تسميه وتناقله الاخرون ، وهو حراك اريد له ان يفجر الوطن العربي ويمزقه ، لتستقيم الامور امام المصالح الامريكية المتحالفة بالتوافق مع الاسلام السياسي بالرعاية السعودية والقطرية ، رغماً عن ان انطلاق الشعوب العربية لاسقاط حكامها ، كان انفجاراً رافضاً لنهج الحكم القائم ، وتصويباً له ، في السياسية الخارجية والداخلية ومع حرية الرأي والفكر ، واقامة مجتمعات ديمقراطية منفتحة على العالم ومحاربة التخلف المعيب ، خاصة حين لا نجد جامعة عربية ضمن المائة الاولى في العالم ، وحين نقرأ ان اسرائيل تنفق على الابحاث والتطوير 4.8 من اجمالي الناتج المحلي ، وفرنسا 5.1 مثلاً، واسرائيل مركزها السادس في براءات الاختراع نسبة لعدد السكان ، وفي العالم العربي لا زال الاهتمام على تقديم صورة الماضي والسلف بدل المستقبل ، والذي خافت منه الانظمة العربية ، ودفعت الفكر الديني السلفي والعصبوي ، لقمع الجماهير واصحاب الفكر والابداع ، وهذه هي الاسباب الكامنة وراء التحرك الجماهيري العريض في الوطن العربي ، الذي تخلف الاسلام السياسي عن اللحاق به ، الا عندما ظهر له انه حقق تقدماً ، فلتحق به مدعوماً بالبتردولار والتحالف الاميركي لاجهاض حراك الشعوب العربية ، وتدمير الوطن العربي ، والاهم لتمرير فكر ( قروسطي ) متخلف ، وهكذا دمرت العراق ثم سوريا ، واليوم يتعرضون لمصر والذي يبدو انها عصية عليهم ولن يتحقق فيها لهم مأرب .
ان هذا المناخ العربي ، دفع الاسرائيلين الى التشدد ، وادى الى تازم الموقف الفلسطيني ، الذي عمقه موقف حركة حماس الانفصالي ، ولا يعني هذا ان هناك مبررا لقبول الفلسطينين بما يراد ان يعرض عليهم من تسوية ، وان كانت القضية الفلسطينية تتعرض الى صعوبات ، وضعف في الاسناد العربي والاقليمي ، لكنه يتمتع في الوضع العالمي بتقدير وتضامن وتفهم ، وليس اقله ما عبر عنه موقف الاتحاد الاوروبي من مقاطعة لمنتجات المستوطنات المقامة على اراض محتلة ، وايضا نذكر ان القضية الفيتنامية والجنوب افريقية تلقت اسنادها السياسي من الراي العام العالمي ، صحيح انه كان هناك الاتحاد السوفيتي ، الا ان هذا لا يعني ان الموقف الروسي اليوم والصين الشعبية لا يشكلان دعما مهما لقضايا شعبنا ، ويكونان عاملا مهما للقضية الفلسطينية ، خاصة في افشال محاولات تفكيك الوطن العربي ، عبر تسليح القوى الاسلاموية الهادفة الى انشاء دويلات تكون على طريقة امراء بني الاحمر كمقدمة لسقوط الاندلس .
ان القبول الراهن بالالتقاء مع الاسرائيلين سواء كان تفاوضا او كان مواجهة او مناظرة سياسية ، امر مهم اليوم كونه يمثل حراكا سياسيا يحظى بمراقبة عالمية وقد يؤثر بغض النظر عن نسبة التاثير في عملية الاحتراب العربي الداخلي ويساهم في ادراك الاخوة الاعداء ان الحوار ممكن دائما ، ومع الاعداء وليس فقط مع الخصوم ، لتعود هناك امكانية انقاذ للوطن العربي من محاولات عزله وتمزيقه، ليعود المردود على بلدان البترودولار التي تحكم شعوبها بالحديد والنار والفكر الماضوي ، لتحدث حراكا سياسيا شعبيا يؤدي الى اعادة قيام نهضة عربية مطلوبة .
مع التجربة التفاوضية الطويلة بالوساطة القدرية الامريكية ، فان افاق عريضة ليست متوقعة ، وبغض النظر عن اسلوب التفاوض ، فان العبرة في توازن القوى ، فقد حاور الفيتنام والحرب مستمرة والامريكيون مهتمين انهائها ! والامر هنا ليس فهلوة ولا براعة خطاب فكل فلسطيني يدرك ان المطالب الاسرائيلية المدعومة امريكيا في ظل مناخ عربي متفكك ليست مواتية ، ومع كل ذلك فان القبول بالحضور السياسي امام العالم يقدم مجالا اوسع لادراك متزايد عن مواقف الاطراف ويحرج الموقف الاميركي امام حلفائها الاوربين ، وقد يعطي نبضة وعي عربي مطلوبة ضمن سياق التفاعل الجاري في البلدان العربية .