القاعدة وإيران...


عزيز الحاج
2013 / 7 / 18 - 13:20     



عندما احتلت القاعدة الفلوجة واستباحتها عام 2004 ، بادر لتأييد الفتنة الدموية جيشُ المهدي، الإيراني الولاء، وزعيمه. وعندما أشعل جيش المهدي فتنة النجف، حيتها هيئة علماء المسلمين، السنية المتطرفة. وعندما كان الزرقاوي يدير عمليات التفجير وقطع الرؤوس في العراق، كانت الحدود الإيرانية مفتوحة له، ذهابا وإيابا. وهذه معلومة ثابتة لا ملفقة؛ مثلما هي المعلومات المؤكدة عن هروب عائلة بن لادن والعشرات من أهم كوادر القاعدة لإيران، واستقرارهم فيها بعد سقوط دولة طالبان عام 2001. ومن هؤلاء الضابط المصري سيف العدل، المسؤول العسكري لشبكات القاعدة، والذي ثبت أنه هو من أمر من جنوب إيران بتفجيرات الرياض عام2003 . ونسيب بن لادن، الكويتي سليمان أبو الغيث، كان هو الآخر في إيران، وما أن خرج حتى اعتقل، وهو اليوم معتقل في أميركا. وفي شهر ابريل المنصرم، أعلنت كندا عن إحباط عملية إرهابية تستهدف قطارا للمسافرين بين تورينتو الكندية ونيويورك، وأن المتهميْن تلقيا مساندة ودعما من عناصر القاعدة في إيران، ولكن الشرطة الكندية تعففت- طبعا لعدم إغضاب إيران- عن اتهام النظام الإيراني مباشرة!!! والتقرير الأميركي السنوي للإرهاب، الصادر أواخر مايو المنصرم، يذكر ما يلي:" بلغ النشاط الإرهابي لإيران وحزب الله مستوى لم يشهده منذ التسعينات، وزادت العمليات الإرهابية من جانبهما في جنوب شرقي آسيا وأوروبا وأفريقيا، ومن ذلك في بلغاريا وقبرص وتايلاند. وفي ابريل 2007 ضبطت كميات من الأسلحة الإيرانية التي كانت سترسل لطالبان.

القاعدة هي وليدة إخوانية سيد قطب " الجهادية"، وأفكار المودوي، المتطرف الهندي المسلم. وكتب سيد قطب كانت من مصادر إلهام خميني وخامنئي. وكانت تدرس لعناصر فيلق القدس. وخامنئي ترجم بعض كتب سيد قطب الداعية لنشر الإسلام بالعنف، والتي تعتبر معظم مجتمعات العالم "كافرة"، ويجب قلبها بالقوة وصولا لدولة الخلافة. وقد تأثر خميني في كتبه وأفكاره بنظرية " حاكمية الله" للمودودي وسيد قطب، ومنها استقى نظرية ولاية الفقيه، ولكن بالمذهب الشيعي.

كل من إيران الفقيه والقاعدة تسيرهما حسابات سياسية ومصالح قد تتضارب وقد تلتقي. وقد التقت مرارا، ولاسيما في العراق، لعرقلة استتباب أمنه ووضع العقبات أمام تطوره السلمي والسليم. ولم يحدث أن قامت القاعدة بتنفيذ أية عملية قتل وتفجير في إيران، أو بما يضر بالمصالح لإيرانية خارجها. وإيواء قيادات القاعدة وحمايتها داخل إيران لم يكونا لوجه الإحسان، مع العلم بأن القاعديين يكفّرون الشيعة. ولكن هذه ليست هي القضية لدى الطرفين، فإيران الخمينية لا تكترث حتى بمصالح شيعتها، ناهيكم عن مصالح شيعة المنطقة، وإنما تتاجر باسم الشيعة لمد نفوذها على نطاق المنطقة، والقاعدة لا يهمها إن احترق في عملياتها مواطنون أبرياء من السنة.

أما عن دعم المليشيات الشيعية الإرهابية في العراق وحزب الله اللبناني ، فلا نحتاج لتكرار المعلومات المتوفرة والمعروفة دوليا. وكان الجنرال أوديرنو، الذي أعقب الجنرال كيسي في العراق، قد صرح علنا عام 2010 بان إيران تدعم وتمول وتسلح عددا من التنظيمات الإرهابية الشيعية المسلحة، كعصابات " أهل الحق" وكتائب حزب الله ولواء اليوم الموعود. ولا ننسى طبعا لواء بدر الذي ضمه المالكي تحت أبطه باسم الانخراط في العملية السياسية. وقبل أوديرنو، وفي 2009 ، صرح وزير الدفاع العراقي الأسبق العبيدي، بان الأسلحة التي استخدمت في تفجيرات الأربعاء الدامي من العام نفسه كانت إيرانية الصنع. وقد طمست الحكومة تلك المعلومة لكي يطمرها النسيان بينما وجهت التهمة لسوريا وحدها، وهي الحليفة الأولى لإيران في المنطقة، ومن حدودها كان المجرمون القاعديون يتسللون للعراق.

النظام الإيراني تسيره المصالح السياسية في التوسع والتمدد والهيمنة، وليس معنيا لا بشيعة العراق ولا ببقية سكانه، وإن الخلافات المذهبية الحادة لا تمنع النظام الإيراني من دعم وتسليح القاعدة في العراق وطالبان في أفغانستان. وإذا اعتادت حكومة المالكي أن تنسب كل التفجيرات وجريان الدم في العراق، سابقا واليوم، للقاعدة وحدها، فأنه منطق لا يقنع بوجود مئات الآلاف من القوات الأمنية والجيش ومحطات الرقابة والتفتيش.

ولقد أثيرت مؤخرا ضجة داخل العراق وخارجه حول تصريحات الجنرال الأميركي جورج كيسي في22 المنصرم بباريس حول الدور الإيراني في تفجيرات سامراء، التي أعلنت القاعدة- في حينه- المسؤولية عنها. وعلى ضوء كل ما مر، هل يمكن أن نستغرب التعاون بين القاعدة وفيلق القدس لتخريب الأمن والاستقرار في العراق بإشعال حرب طائفية فيه؟؟ وكيسي أضاف بأنه أعلم المالكي بالأمر في وقته. المالكي سارع للإنكار، مستهزئا، ومستنكرا، وطالب الإدارة الأميركية بأن يضبط المسؤولون الأميركيون كلامهم. ومعنى ذلك انه كان متأكدا بأن تلك التصريحات قد صدرت فعلا عن كيسي، وإلا لما بادر للغضب وتوبيخ الإدارة الأميركية. أما لو كان يشك في صدور تلك التصريحات عن كيسي، فإنه ما كان قد كلف نفسه عناء الرد ولطلب من كيسي وحكومته مهمة التكذيب. ولحد يومنا، ورغم الضجة الكبيرة وانتشار خبر التصريحات دوليا، وفي غوغول، فإن الجنرال لم يكذّب ما نسب إليه. ولا يعقل أنه لم يسمع بالضجة وردة فعل المالكي، ولكننا لا نعرف موقف الإدارة الأميركية من الموضوع، علما بأنها لا تزال تؤيد المالكي، كما تؤيده بقوة إيران. ومهما يكن، فلم نكن نحتاج لتصريحات كيسي، برغم أهمتها وخطورتها، لنعرف عن العلاقات المصلحية الشريرة بين نظام الفقيه وبين القاعدة.