ثورة 23 يوليو وعمال مصر


عبد الغفار شكر
2007 / 5 / 1 - 13:04     

نال عمال مصر اهتماما خاصا من ثورة 23 يوليو، ليس فقط لأن الثورة كانت ترى أن مراعاة العدالة الاجتماعية هى المدخل الحقيقى لاستقرار المجتمع المصرى، بل لأنها كانت ترى أيضاً أن تصنيع مصر هو المدخل الحقيقى لتقدم المجتمع وزيادة قدرته على الوفاء بالاحتياجات المتزايدة للمواطنين. ولعب التوسع فى التصنيع دوراً بالغ الأهمية فى تعزيز مكانة الطبقة العاملة الصناعية الحديثة فى مصر وتحسين أحوال العمال عموما ونتيجة لبرنامج التصنيع الأول 57-1960 والخطة الخمسية الأولى 60/1961- 1964/1965 زاد نصيب الصناعة فى الدخل القومى الاجمالى سنة 1970 إلى 18% بعد أن كان 8% لسنة 1954، وترتب على هذا التوسع وعلى التوسع فى الخدمات أيضاً ارتفاع اجمالى العمالة فى مصر من 6.511.900 عامل سنة 1960 إلى 8.247.700 عامل سنة 1969، بينما ارتفع عدد العاملين فى قطاع الصناعة من 625.600 سنة 1960 إلى 916.100 عامل سنة 1969 ومن هذه الأرقام يتضح أن نسبة النمو فى العمال بالقطاع العام الصناعى كانت أسرع من غيرها حيث بلغت حوالى 50% تقريباً.
لم يكن النمو الكمى للعمال هو النتيجة الايجابية الوحيدة للتوسع فى التصنيع، بل كان هناك أيضاً تطور هام فى بنية الطبقة العاملة ساهم فى تعزيز مكانتها فى المجتمع فقد زاد عدد عمال القطاع العام بالمقارنة بالشرائح العمالية الأخرى، ولأنهم يعملون فى مجالات صناعية متطورة كالحديد والصلب والصناعات الهندسية والبتروكيماوية فقد زادت نسبة العمال المهرة فى صفوفهم وكذلك الفنيين وهم جميعاً من خريجى المدارس الثانوية الفنية والمعاهد الفنية المتوسطة ومراكز التدريب المهنى بعد الاعدادية والثانوية العامة. أى نمو الطبقة العاملة المصرية كان يسير بمعدلات أسرع بالنسبة للعمال المتعلمين الذين لعبوا دورا هاما وقياديا بالنسبة لمجمل عمال مصر وخاصة فى النشاط النقابى العمالى. وظهر جيل جديد من القادة النقابيين متميز فنيا ومؤهل علميا يثق فى قدراته ويفهم حقوقه فلعبوا دوراً جديداً بالنسبة للنشاط النقابى جوهرة التفاعل مع إدارة القطاع العام لحل المشاكل العمالية وتحسين الخدمات الطبية والثقافية والاجتماعية المقدمة لهم.
وتعززت مكانة العمال فى العملية الانتاجية من خلال تمتعهم بحق جديد هو حق المشاركة فى الإدارة والارباح، ونجح العمال فى أن يكونوا طرفا أساسيا فى العملية الانتاجية من خلال هذه المشاركة وقيامهم بدورهم كأعضاء منتجين فى مجالس إدارات شركات القطاع العام وكذلك كأعضاء فى اللجان النقابية التى منحتها التشريعات دوراً مكملا للإدارة، وقد ساعد على نجاح العمال فى البروز كطرف أساسى فى العملية الانتاجية من خلال هذه التنظيمات هذا التطور فى بنية العمال الصناعيين وزيادة نسبة العمال المهرة والفنيين فى صفوفهم فضلا عن اتساع مفهوم العاملين ليشمل شرائح أخرى تعمل بالإدارة والأقسام الخدمية والهندسية بالشركات.
لم تتوقف مكاسب العمال فى ظل ثورة 23 يوليو على تعزيز مكانتهم فى العملية الانتاجية بل أضيف إلى ذلك تحسين أحوالهم المادية بتقرير الحد الأدنى للأجور ابتداء من تحديد الحد الأدنى لعمال الزراعة فى أواخر عام 1952، إلى تحديد الحد الأدنى لكل الشرائح العمالية بعد ذلك، وإقرار مبدأ العلاوة الدورية، وضم الحوافز إلى الأجور، وتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية والمعاشات على كل الشرائح العمالية، والاستفادة من نظم التأمين ضد المرض والشيخوخة واصابات العمل مما ضمن لأسرهم المعاش المناسب فى حالة وفاتهم وضمن لهم المعاش المناسب فى حالة عجزهم عن العمل، وقد الزمت قوانين المعاشات والتأمينات الاجتماعية أصحاب الأعمال أن يسددوا نسبة من الاشتراكات وأصبح هذا النظام بذلك اجباريا يشمل كل الشرائح العمالية.
وهناك جانب هام فى هذه التطورات الايجابية بالنسبة للعمال وتمتعهم بحقوق متزايدة، يتمثل فى التشريعات العمالية التى قننت هذه الحقوق باعتبارها حقوق مكتسبة لا يجوز التراجع عنها. وقد بدأ هذا التطور التشريعى بمبدأ كان بمثابة تحول تاريخى فى الوضع القانونى للعمال طالما ناضلوا من أجله وهو منع الفصل التعسفى الذى صدر به قانون فى الأيام الأولى للثورة، وتبعه الإقرار لأول مرة فى مصر يحق عمال الزراعة فى تكوين نقاباتهم. وقوانين الحد الأدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل وتخفيضها من 50 ساعة اسبوعيا سنة 1957 إلى 48 ساعة اسبوعيا سنة 1958 إلى 42 ساعة اسبوعيا فى بداية الستينيات، أى ما يعادل سبع ساعات يوميا دون مساس بالأجر. وكذلك قوانين التأمينات الاجتماعية والنقابات العمالية التى اكتمل بنياتها بتشكيل الاتحاد العام لعمال مصر، وقوانين العمل التى نظمت علاقات العمل كقانون العمل الفردى وقانون العاملين بالقطاع العام وقانون العاملين بالحكومة.
وهكذا ومن جملة هذه التطورات التى شملت وضع العمال فى منشئات العمل وعلاقتهم بأرباب العمل ونظم الأجور والمعاشات.. الخ تبلورت علاقات عمل جديدة أكثر عدلا بالنسبة للعمال وأكثر انصافا لدورهم فى العملية الانتاجية وقد ساهمت علاقات العمل الجديدة فى استقرار الأوضاع بمنشئات الانتاج ووحدات الخدمات. أى أن التحسن الذى حدث للطبقة العاملة المصرية حقق الهدف الذى أشرنا اليه فى البداية وهو المساهمة فى استقرار المجتمع وضمان تقدمه وتطوره. وبذلك لم تكن مكاسب العمال من ثورة يوليو شأنا خاصا بهم بل عاد على المجتمع كله بنتائج ايجابية.
وعلى أرضية هذا التطور فى الأوضاع المعيشية والاجتماعية والانتاجية تحقق للعمال أهم مكسب وهو الاعتراف بدور سياسى خاص لهم فقد قرر الدستور أن يكون للعمال والفلاحين نصف المقاعد فى المجالس الشعبية المنتجة مثل مجلس الشعب والمجالس المحلية. وكذلك المستويات القيادية للاتحاد الاشتراكى العربى، وأصبح العمال إحدى القوى الاجتماعية الخمس التى تشكل تحالف قوى الشعب العاملة باعتباره القاعدة الاجتماعية للسلطة السياسية البديل عن تحالف الاقطاع ورأس المال. وكان للعمال دور سياسى بارز طوال سنوات الثورة فى معارك التحرر الوطنى ومواجهة الهيمنة الأجنبية وإزالة آثار عدوان يونيو 1967 وزيادة الانتاج، فأثبتوا بذلك أن ما حصلوا عليه من مكاسب كان عن جدارة واستحقاق لدورهم الوطنى والانتاجى.