تعقيب على مقالة للدكتور قاسم حسين صالح


عبد العالي الحراك
2013 / 7 / 14 - 13:19     

وانا اقرأ السطور الاولى في مقالة للاستاذ الدكتور قاسم حسين صالح التي تحمل عنوان(لماذا نجح المصريون في تحقيق ما لم ينجح فيه العراقيون) المنشورة هذا اليوم 14 تموزعلى صفحات الحوار المتمدن استغربت واندهشت لمعرفتي بمستوى كتابات الدكتور العزيز وتحليلاته النفسية خاصة لما يتطرق اليه واسلوبه التدريجي في البحث المعمق والاستنباط والاستنتاج الواضح والمفيد..فالحالة في العراق مختلفة تماما لما هي عليه في مصر ثم ان العامل الزمني له تأثيرة رغم قصره والتداخل السلبي الذاتي والموضوعي في العراق خلط الاوراق وعقد المشهد في عمقه وعلى السطح. يفترض كما ارى ان تكون المقارنة بين مصر والعراق بعد سقوط نظام صدام حسين وليس قبل ذلك لان قبل ذلك كان النظام دكتاتوريا شديد القمعية لا يمكن لاية حركة وطنية او ثورية ان تحرك ساكنا لهذا لجئت الى الخارج بكافة اطيافها..الحالة في العراق بعد السقوط اصبحت اكثر سهولة بأتجاه التغيير الحقيقي نحو الديمقراطية مما كانت عليه في زمن صدام واكثر وضوحا في خطها السياسي المبني على الطائفية السياسية المتحالفة مع القومية الانعزالية لكن غياب الحركة الوطنية الديمقراطية العراقية عقد الموقف وسمح للطائفية السياسية ان تتعمق يساندها ويدعمها الاحتلال الاجنبي المباشروتدخلات دول الجوارالتي كانت تصب الزيت على النارحتى تفسخ الوضع الاجتماعي والسياسي الى درجة كبيرة ادى الى اضمحلال الحركة الوطنية ليس فقط بهيئتها وكيانها السياسي وانما تعدى ذلك الى انعدام الخطاب الوطني واضمحلال الحضور السياسي في المؤؤسسات او في الشارع وتغيرت العبارات والكلمات وانزوت الوطنية جانبا وانتشرت العشائرية والمذهبية والطائفية وتمحورت الكيانات السياسية في هذا الاتجاه ابتداءا من قبول الحزب الشيوعي العراقي بالمشاركة في مجلس الحكم على اساس طائفي واستمرار موقفه البارد ازاء الوطنية والمغزال للطائفية وهذا ليس قليل في توجيه ضربة قاسية لمعنى الوطنية في مداه الاعتباري والسياسي الذي اشارالى انتهاء الوطنية الحقيقية وبدء مرحلة سياسية جديدة في العراق اساسها وقاعدتها القوية هي الطائفية وملحقاتها وما تبعها من هدر وضياع في كل شيء.ليست هناك معارضة للطائفية السياسية في العراق بعد سقوط النظام السابق خاصة بعد غياب الحركة الوطنية وتشرذمها نتيجة موقف الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يقودها .ان جميع القوى السياسية التي عارضت الاحتلال الامريكي والطائفية السياسية التي تلته كانت معارضة طائفية شديدة هي الاخرى جدا في طائفيتها بل كانت وما تزال الحاضنة الكبيرة للقاعدة والارهاب ..يفترض ان تكون المقارنة بين الحالة العراقية والمصرية بعد الاحتلال وسقوط النظام السابق وهي في الحقيقة ليست مقارنة ميكانيكية رقمية حيث ان السقوط في العراق ليس ثورة شعبية بل احتلال اجنبي مدمر, بينما في مصر كان ثورة شعبية عارمة في 25 كانون الثاني 2011 ازدات تنظيما وانضباطا في الشارع واتساعا في افق الوعي السياسي للجماهير وللقادة على اساس وحدة وطنية عريضة جدا قادها شباب واعون ومنظمون جدا وهنا الفرق كبير وكبير جدا مع الحالة المعاكسة في العراق بعد السقوط وسيطرة الطائفية السياسية التي واجهتها وتواجهها طائفية سياسية اخرى ونزعة قومية انعزالية اثرت سلبا في الوعي الوطني العراقي بالاضافة الى التدخلات الخارجية التي كانت تغذي جميع الاطراف الطائفية وامتداداتها...ان فشل الحكومة لايعني فشل جميع المشاركين تلقائيا وانما لكونهم جميعا طائفيون وقوميون لاتهمهم مصلحة الوطن بقدر ما تهمهم مصلحة طوائفهم واحزابهم وقومياتهم وان سكوت الشارع العراقي ليس لهذا السبب وانما لانعدام القيادة الوطنية ولضعف الوعي الوطني بين صفوف الناس. لم يعرف العراق نظاما ديمقراطيا حتى شكليا لا قبل السقوط ولا بعده فليس في مباديء الدكتاتور ديمقراطية وليس في مبدأ الطائفي ايضا والحالة التي وجدت في العراق بعد السقوط هي حالة فوضى اعطت للديمقراطية مجالا استغلته القوى الطائفية وجيرته لصالحها بناءا على اعتبارات عددية فقط ولم تستغله القوى الوطنية ولو تدريجيا لصالحها بل العكس سارت في حاشية الطائفية تجاملها مرات ومرات وتنتقدها خجولة مرات اخرى اما في مصرفالدكتاتورية كانت اقل وطئة والشعب اكثر وحدة والفن والثقافة اكثر اتساعا وتأثيرا والقوى السياسية الوطنية تعيش مع الشعب على ارض الوطن بالاضافة الى عوامل اخرى عديدة ساعدت وتساعد كثيرا في ايجاد ارضية ثقافية علمانية وحياة مدنية مفقودة في الحالة العراقية..ان جيران العراق لعبوا ادورا خبيثة في انتشار الطائفية وترسيخها ابتداءا من ايران وتركيا والاردن والسعودية وحتى الكويت بينما لا توجد هذه الحالة في جيران مصر..بسبب تعمق ظاهرة الطائفية راح العراق يختلف كثيرا حتى عن جيرانه الاقربين من الناحية الثقافية والسياسية والحضارية كسوريا(قبل الاحداث الحالية والتي سببها طائفي ايضا) ومصر التي كانت تعدي بعضها البعض في المجال الثقافي والسياسي اما الان فالبعد والابتعاد يزداد يوما بعد يوم خاصة وان مصر بدأت السير على الطريق الديمقراطي الصحيح وان وجدت صعوبات ولا افق في العراق حيث الطائفية في المناطق الغربية في المرصاد للطائفية في بغداد والمناطق الاخرى وهي تنذر بحرب اهلية مدمرة..لقد استغلت هذه القوى الطائفية معاناة الشعب ونقص الخدمات لتجيرها لصالحها ولصالح زعاماتها التي اخذت تسحب نحوها بعض القيادات التي يمكن اعتبارها من جانب الاقل ضررا وطنية والمثال واضح في انشقاق وتفكك ما يسمى بالقائمة العراقية.. الشعب في العراق بريء مما يحصل من انحدار خطيرنحو الهاوية وهولا يؤيد الحكومة في توجهاتها الطائفية او ما يعارضها من طائفية في الجانب الاخر واحاديث الناس في الشارع دليل على ذلك لكن ينقصه الوعي السياسي والقيادة السياسية الوطنية المتماسكة التي تأخذ بيده الى الطريق الصحيح وقد حصل هذا في مصر فالشعب موحد وقف في طريق طائفية الاخوان المسلمين عندما قاموا بذبح بعض افراد الشيعة اخيرا وخلال سنة واحدة شعروا بخطورةتهم(الاخوان المسلمين ) فعقدوا العزم على اسقاطهم وقد فعلوا..طريقنا طويل ولم نبدا السير فيه بعد حسب ما ارى. ان الشعب في العراق ينتظرشبابه وكوادره النيرة في قواه الوطنية ان تنتبه الى دورها وتتحمل مسؤؤليتها في تنظيم الشعب والوقوف الى جانبه حتى يكسب حقوقه وحريته. ان غياب المعالجة الوطنية للحالة الطائفية في العراق ادت الى تدهور الحالة الاجتماعية والاقتصادية والامنية وهي في تدهور مستمر ما لم تتغيرالاحزاب والشخصيات والسياسات والبرامج مما هي فيه الان من تخلف وطائفية مقيتة الى احزاب وطنية في الفكر والمبدأ والمنهج في البيت وفي الشارع وفي السلطة لا في الكلام والاعلام فقط..يصعب التغيير نحو الافضل يوما بعد يوم في ظل احتدام الصراع الطائفي ونحن الان ابعد ما يكون عن الحالة في مصر..معلوم للجميع وطنية الجيش المصري وقد اثبت ذلك في مراحل وفترات مختلفة واخيرا موقفه الحامي للشعب خلال ثورة 25 كانون الثاني رغم وجود بعض الاخطاء والمساند له خلال مسيرة الثلاثين من حزيران الشعبية العارمة وتحقيق النصر على حكومة الاخوان الطائفية المتخلفة,بينما لم يكن الجيش العراقي هكذا منذ حكم صدام ولحد الان رغم الفارق الكبيرولا يصدق الشعب العراقي الان ان الجيش سقف معه في حالة سعيه للتغيير لا اقل ان يقف معه بل يجب ان لا يقتله كما فعل في ظل حكم صدام. الاستنتاجات هي ان سبقنا الشعب المصري كثيرا في ثورته التي وضعت اقدامه على الطريق الديمقراطي ومبروك له ذلك اما نحن في العراق فالطريق طويل وطويل.