عمال وكادحوا مصر يقررون مستقبل الثورة


جمال احمد
2013 / 7 / 11 - 15:46     

اصبحت مصر مركز العالم ، العالم كله يتحدث عنها ، الكل بانتظار ما يتمخض عنها . والكل يتمنى ان يؤول الى ما تهدف اليه ، كل الانظار متجه نحوها. مصر دولة ككل دول عالم ، لكن الدول ليس بوحدات منفردة معزولة ، فكل منهن جزء في الاَلة الكبيرة (الاقتصاد العالمي) ، فأي خلل في الجزء سيؤثر على كل الاَلة، تأثيره لايكون بان يخلخل الالة فقط ، بل ربما سيغير من عمل الالة . ان فتح باب الحرية امام الراسمال بان يعدوا وان يزيل جميع العقبات امامه، وان الدول تلجم شعوبها لتتيح للراسمال ان يركض ما يشاء، تَلخَصَت في سياسة النيوليبرالية. انهم نجحوا في الدول المتطورة في تطبيقها ولكن هل يتقبل العالم كله ذلك؟ هذا ما لا تتقبله مصر الان وتريد ان تجيب عليه .
ان المجتمع المصري في المصر هو اللاعب الاساسي في هذا الصراع وان العوامل الخارجية هي عوامل مساعدة، ولاتستطيع ان تقرر ما تؤول اليه الاوضاع .
ما هي عناصر الصراع المصري؟
في ثورة 25 يناير 2011 كانت الحكومة والشعب!! طرفا الصراع، والجيش في وضع المراقب و تنظيم الاخوان يتنقل بينهم، هذه كانت العناصر الاربعة. لكن بازاحة مبارك، تغيرت الاطراف: الجيش اخذ السلطة مؤقتا ليسلمها لاحد النيوليبراليين (الاسلامية او العلمانية)، وكانت الاسلامية حاضرة ومنظمة ومدعومة ، ولذا استسلمها. وفشلت في مهامها ، فالشعب!! العريض لن يرضى بها، في 30 يوينو 2013 ، تكابلت عليه النيوليبرالية العلمانية والجيش والسلفيين بوجود الشعب العريض وقيادتهم له، فأبطلوا شرعية صناديق الاخوان بشرعية الشارع الثورية، وعن طريق الجيش . فهل كانت 30 يوليو انقلاباً أم ثورة؟ فبالنسبة للاخوان وجبهته والمتوهمين بهم، ستكون انقلاباً عسكريا على الثورة وشرعية الصندوق؛ اما بالنسبة للليبراليين العلمانيين والجيش والمتوهمين معهم، ستكون ثورة الشعب المظلوم ضد المستبد وضد من خان الثورة. اما بالنسبة للعمال والكادحين، فلا هذا ولا ذاك، فكان فقط ان ازاحوا عقبة امام الثورة التي لم تكتمل ولم تبلغ اهدافها.
عند النظر الى ثورات مصر المتكررة 1919 ،2011،2013 فإن العمال والكادحين كانوا الاكثرية المطلقة المشاركة فيها. انهم تظاهروا واضربوا عن العمل واعتصموا في الميادين وقاتلوا، وقتل منهم وضُرِبوا. انهم كانوا موجودين جسدياً بلحمهم ودمهم وعَرَقِهم ؛ لكن وعيهم وحزبهم ومطالبهم واستراتيجتهم كانت غائبة أو ضائعة بين وعي واحزاب ومطالب الطبقات الاخرى .
ان نظرنا الى تاريخ الدولة المصرية المعاصرة (اسوة بفرنسا والتي وصلت الى ماعليه الان بخمس جمهوريات واربع ثورات)، فان المرحلة الاولى بدأت بثورة 1919 وتشكيل دولة ملكية، والثانية انقلاب عسكري ودولة جمهورية عسكرية، اما الثالث فلم يقر بعد، ان تكون جمهورية برجوازية بشكل جديد ام اي شكل اخر، فهذا ما يقرره الصراع الطبقي بين الاطراف المتنازعة . ان اهم عامل للثورة الحالية هم العاطلون عن العمل (وسارجع لهذا العامل). فمثلما يظهر حتى الان في عدم تهيأ الطبقة العاملة واستعدادها لقيادة المجتمع في الثورة الحالية ، ستكون المرحلة الثالثة من الدولة البرجوازية المصرية بشكل جديد ولكن ستقررالطبقة العاملة هذا الشكل الجديد وذلك بمدى اشتراكها في الثورة وفرض شروطها على المجتمع المصري والتحالف مع الكادحين . ان من علامات عدم التهيء والاستعداد هذه ؛ اولاً انقسام الجيل الجديد من العاطلين من الطبقة العاملة وتحركهم المستقل تحت اسم حركة الشباب ، ثانياً عدم اشتراك عمال المشاريع العسكرية في الثورة والذين يكوّنون قسم ضخم من الطبقة العاملة المصرية، ثالثاً عدم طرح اية مطالب لتحسين اوضاع الكادحين والتفافهم حولها ، رابعاً عدم وصول حمى الثورة للجيش بحيث يفصل المكونات الطبقية هناك ، خامساً غياب التنظيم السياسي العمالي في قيادة الطبقة العاملة والدخول الى معترك الساحة السياسية ، سادساً رضا الطبقة العاملة بالنضال النقابي المحدود بالنضال الاقتصادي . هذه العوامل الستة تجعل من الثورة الحالية ان تكون ثورة برجوازية . وان ارادت الثورة الحالية ان تذهب ابعد من ثورة برجوازية ، فعليها ان تغير من مسارات تلك النقاط الست ؛ اي تنظيم المفصولين في النقابات الحالية وتنظيم العاطلين من الجيل الجديد في الاتحاد العام للنقابات او اي شكل اخر بحيث يكون جزء من حركة كل الطبقة العاملة ، وان يلتحق العمال في المشاريع العسكرية بالطبقة العاملة في هذه الثورة ، وطرح اشكال تنظيم الاقتصاد الصغير للكادحين ومطالبة الدولة لدعمهم ومساعدتهم في ان تؤمن لهم مستوى معيشي لائق، وان يشمل الجيش هذا التحرك الثوري بان يغير شكله العبودي والتبعي وان يسيس وينتخب الجنود ضباطه وان يكون طرفا في الصراع الجاري ، وان تبادر التنظيمات الشيوعية متحالفة مع اليساريين في قيادة العمال والكادحين سياسياً وان تطرح بدائلها للمجتمع ، وان يرتقى العمال المنظمين في النقابات الى النضال السياسي وعدم الاكتفاء بالنضال المحدود النقابي في مكان العمل وطرح مطالب اقتصادية بوجه اصحاب الاعمال.
إن لم نفكر بثورة اشتراكية ؛ فلأجل الوصول لديموقرطية ثورية ، فنحن نحتاج للعمل على تلك النقاط الست. يجب ان تنظم الجيل الجديد من العاطلين في منظمتهم الخاصة بهم كجزء من الطبقة العاملة لتلبية مطاليبهم بتهيئة عمل مناسب اوتعويض حق البطالة لهم (ولجميع العاطلين عن العمل). يجب ان تشمل الثورة جميع العمال بما فيها عمال المشاريع العسكرية (اي تنظيمهم في منظماتهم وطرح مطاليبهم وتحسين شروط عملهم أسوة بباقي العمال) ، تنظيم الانتاج الصغير(من الفلاحين والصيادين واصحاب المحلات وسائقي النقل والباعة ...) في اشكال متعددة منها انشاء التعاونيات ومساعدة الدولة لتهيئة وسائل انتاجهم باسعار مناسبة داعمة وتضمين اسواق لهم ، كما ويجب تثوير جهاز الجيش بان يكون جهازاً ديموقراطياً ينتخب الجنود جميع مسؤوليهم ويشترك في القرارات الحاسمة للحرب والسلم وان يعي المسائل السياسية ويكون طرفاً فيها ويدافع عن الثورة ومكتسباتها ، وعلى المنظمات السياسية الشيوعية ان تستقل بنفسها عن الحركات السياسية للطبقات الغير العمالية وان تلف حولها جميع الحركات السياسية اليسارية والمعاصرة ، وان ترقى الى المطالبة بالسلطة وتنظيم مجتمع جديد ، كما على العمال المنظمين في النقابات عدم الاكتفاء بالمطالب الاقتصادية المحدودة باماكن العمل الضيقة والتحرك كمعارض لاصحاب الاعمال، بل بالمطالبة بالاشتراك في ادارة المشاريع وتشغيل المشاريع الحكومية المغلقة والاستيلاء على المشاريع المغلقة تعجيزياً من قبل اصحابها والاشراف على كافة ميادين العمل .
اين وصلت الثورة المصرية المعاصرة ؟
انها لم تصل الى نهاية ما وان جميع عناصرها في صراع لم يحسم بعد . ان النظام الراسمالي العالمي ، وبضمنه المصري يعيش في ازمة خانقة حالية ولا مخرج له حالياً وان الاقتصاد المصري لأبعد من أن يستوعب هذا العدد الهائل من العاطلين وكذلك الدول الاخرى لا تستطيع استقبال العاطلين المصرين ( كونها هم في ازمة اقتصادية ولهم مشاكل مع عاطليهم) . ان جوهر سياسة الليبرالية الجديدة هو الهجوم على المكتسبات القديمة وتحررها من كل القيود وقوانين العمل لاستغلال العمال بشروط قاسية للحاق بمنافسة راسماليي الدول الاخرى لضمان مستوى عالي لارباحهم. فبذلك يريد الراسماليين المصريين من تردي اوضاع العمل اكثر من الوضع الحالي ، أما العمال والكادحين لايرضون بالوضع الحالي ويريدون تحسين اوضاعهم . اجلاً ام عاجلاً، سيلتحق عمال المصانع العسكرية بمد التذمر من اوضاعهم والمطالبة بتحسينها ، وان عدوى الثورة (إن استمر) سيصاب بها الجيش كذلك . وكذلك على الحركات السياسية المحسوبة على الطبقة العاملة، اما ان ترتقي بنفسها لمواكبة حركة التاريخ وتقود الطبقة العاملة وحلفاءها او ان تشغل حيزاً بجانب الحركات السياسية البرجوازية وتمشي في اذيالهم . ان الثورة لم تحسم امرها بعد، فمحصلة صراع عناصرها تحدد مصير مجتمع مصر.