في وزارة الثقافة : حرير انموذج لمسرحية تعلن معرفتها بالناس من خلال احذيتهم !!


حسب الله يحيى
2013 / 7 / 9 - 01:04     

في وزارة الثقافة :
حرير
انموذج لمسرحية تعلن معرفتها بالناس من خلال احذيتهم !!
حسب الله يحيى
المسرح .. خطاب انساني راقٍ ، لايطال الا من خبر الحياة ، واكتسب المعرفة ، وارتقى بالواقع الى الابداع .
من هنا كان وجوده في اماكن العبادة ، ومن ثم الملوك .. حتى تحول الى خطاب ثقافي ومعرفي وابداعي ينقل حياة الناس ويؤثر فيهم ويرتقي بوعيهم وحواسهم ويجمل اوقاتهم ..
وحين تتقدم وزارة الثقافة العراقية ومن خلال مشروعها (بغداد عاصمة الثقافة العربية) فأنه – كما هو مفترض - ان يكون الانموذج الارقى والاهم والافضل من بين العروض المسرحية العراقية التي تنتجها في العادة دائرة السينما والمسرح بوصفها المؤسسة المعنية والمتخصصة في شؤون المسرح ، اما وقد جاء انتاج مسرحية (حرير) من قبل وزارة الثقافة مباشرة ، فان هذا يعني ان العمل المسرحي الذي تتولاه ، يعد استثناء جديرا بالانتباه .
ومن هذا المنطلق توجهنا لمشاهدة مسرحية (حرير) في المسرح الوطني ، وامعانا في احترام اصحاب العرض بدءا بالمؤلفة والممثلة د.ليلى محمد وتواصلا مع مخرج له حضوره المقترن بفلاح ابراهيم وخبرات ناقد واكاديمي دؤوب هو د. يوسف رشيد .. مرورا بشبيبة مسرحية تملك الحماس والثقة بالنفس ..
غير اننا وفوجئنا – نحن جمهور المسرح – بان العرض يضيق علينا قاعة العرض التي احيط نصفها بقماش ابيض لا يقبل اجتيازه الا من خلال بوابة ضيقة .. وارتضينا لانفسنا هذا (الازعاج) عله يعكس صورة الواقع الاسمنتي والحواجز المحيطة بنا من كل جانب ..
وضاق بنا المكان ، فيما كانت هناك فسحة كبيرة في اعلى المسرح الوطني لايراد اشغالها .. وانما يراد للمشاهدين ان يكونوا داخل الحدود التي رسمها الاخراج .. فليكن .
ويبدأ العرض الميلودرامي لنتبين اننا امام سبع شخصيات نسوية تجسدها اداءً (المؤلفة) د.ليلى محمد ، في محاولة منها التأكيد على قدراتها في اداء هذه (التنويعات) النسوية .. فليكن كذلك .
المرأة صيادة ، تنقل مشهد كارثة جسر الائمة في بغداد ، والمرأة اللاجئة في بلاد الغربة التي لم تكتسب من هناك الا الامعان في الخمرة ! والمرأة الكادحة التي تبحث عن العمل الشريف ، وتنتقل الى طفولة ترفع العلم ، ومن ثم تصبح امرأة تعمل في حياكة الثياب ، وتنتقل الى دور مذيعة ، لترى حطامها وذكرياتها في مشهد سابع اخير .
هذه التنويعات ما كان يراد منها الا إظهار (براعة) د.ليلى محمد بوصفها ممثلة قادرة على تجسيد جميع هذه الادوار لوحدها .. فليكن للمرة الثالثة .. لكن مالا يمكن قبوله ولا غض النظر عنه ، هو هذا الاستسهال في التأليف المسرحي الذي خاضته ممثلة دؤوبة ، لا تتقن معرفة قيمة وابعاد واهمية ان يكون المرء مؤلفا مسرحيا .. ذلك ان التأليف ، يعني الوقوف عند منطقة معرفية وابداعية مثقلة بالجهد والاجتهاد ، لا ان تكون على وفق هذه المشاهد العابرة للعراقيات اللواتي واجهن المحن وخضن الصعاب وحملن الهموم والدموع والجراح .. من دون ان نجد لهن حضوراً في اي مشهد من المشاهد السبعة التي قدمت في العرض ..
ولو وقفت (المؤلفة) والمخرج والدراما تورك (المستشار الادبي) عند عبارة واحدة وردت على لسان الممثلة ليلى محمد : "اعرف الناس من خلال احذيتهم" لكان امر العرض لاغياً ، والمشاهد السبعة عابرة ، اما وقد حصل وأن عرضت المسرحية امام الجمهور فأنه بات صفرا بوصفه يسيء الى الناس الذين يريد العرض التحدث عن صفحات من حياتهم مابين الواقع المر والحواسم والعمل المضني .
ذلك أنه يصبح بمجموعه ، عبارة عن استغفال وسخرية من المتلقي ومن ثم الاساءة اليه ، من خلال ذاك الوصف الذي لا تعرف ملامحه إلا من خلال (الحذاء الذي يرتديه) .
وامعانا في هذا الاستغفال والاستسهال تقديم جمع من الشبيبة لاداء تعبيري من خلال خيال الظل الذي ظهرت فيه صورة الممثلة باتقان ونباهة استثناءً، في وقت بدا اثقال العرض بهذه الحدود التي رسمها المخرج في محاصرة الجمهور بهدف الاشارة الى ان حياتنا محاصرة العمل يرهق، فيما اهمل العرض معالجة هذا الحصار الذي فرضه المخرج على عرض لا يعنيه ولا يتواصل معه .
وتمضي ساعة مسرحية مفرغة من المحتوى الجاد ، والاخراج العابر والتمثيل الذي لا يرقى الى اعمال سابقة لليلى محمد ، والى خبرة ادبية ومسرحية (دراماتورك) رسم للعرض مصطلحات وجداول ولغة تختزن الاخطاء وتسكت عنها في عرض غاب فيه دور د.يوسف رشيد ولا يليق بوزارة الثقافة وهي تحمل مشروعا ثقافيا كبيراً تحت لافتة واسعة اطلق عليها (بغداد عاصمة الثقافة العربية) فيما بغداد اكبر بكثير من هذا الذي جرى على خشبة المسرح الوطني التي غاب عنها المسرح والوطن معاً .
لماذا حدث هذا ، ومن المسؤول عن كل ماحدث وما مسوغات عمل يعطل (28) عنصرا جند لهذا العرض الذي ما كان له ان يكون في هذا البذخ الانتاجي الذي بدد الاموال والطاقات والزمان والمكان ..؟
هذه اسئلة مخلصة للانسانية الانسان اولا حتى لا يساء إليه ، والى مسرح راقٍ لا يراد له ان ينحدر الى هذا السوء ... في رجاء للحصول عن اجابة .. بدءاً من عنوان المسرحية (حرير) الذي لم يستقر عند هذه المفردة الغائبة في العرض اصلا ، الى توزيع كلمة (حرير) بين (ريم ، ريق ، قصر ، حريق ، حريص ، حريم) الامر الذي يجعلنا ندرك ان العرض بدأ حائراً منذ عنوان المسرحية وصولا الى ختامها .. والى عبادة الشكر التي تقدم بها ملاك العرض الى دائرة (السينما والمسرح) التي ينتسبون اليها !