حوار مع المناضل المعتقل محمد بوكرين


التضامن من اجل بديل اشتراكي
2013 / 7 / 6 - 11:35     

في شهر يوليوز، وفي خضم التحضير للحملة الدولية لاطلاق سراح معتقلي فاتح ماي ، التي اطلقها تيار التضامن بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للتضامن مع المعتقلين والشبكة الاوربية للتضامن بلا حدود، قام احد رفاق التضامن المعتقلين، باجراء حوار مع المناضل محمد بوكرين من خلف القضبان.
" لن تنزل الحرية إلى الناس، بل يجب، كما قال فيكتور هيغو، أن يرفعوا أنفسهم إليها، فهي نعمة يجب أن نشقى من اجلها قبل أن نتمتع بها." بهذه الكلمات ختم المناضل بوكرين كلمته الاخيرة في حواره مع التضامن.
التضامن: لقد اتارت اعتقالات فاتح ماي والمحاكمات والقمع المباشر للوقفات التضامنية التي تلتها موجة غضب واستنكار في صفوف القوى المناضلة، كما اعادت التقاش من جديد حول الملكية وافاق هامش الانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب خلال العشر السنوات الاخيرة. أي مغزى سياسي لهذه الاعتقالات الاخيرة،خاصة وان السلطات السياسية قد عادت مرة اخرى لاستعمال تهم "المس بمقدسات المملكة" وهي التهم التي تذكرنا بتهم "المس بسلامة وامن المملكة" خلال حكم الحسن الثاني؟
م.بوكرين: فعلا لقد خلق شطط القضاء في محاكمات فاتح ماي 2007 تدمرا كبيرا واصبح الان يتحول إلى استنكار واحتجاج وتنديد. مما جعل الصحافة تعيد النقاش حول الملكية وشعار "المغرب الجديد" و"المفهوم الجديد للسلطة" و"الانفتاح السياسي" و"المقدسات".
في الحقيقة، المغرب هو دولة بوليسية، خطابها اصلاحي وممارستها قمعية. والملكية عندنا هي ملكية تنفيذية ذات حق الهي، وليست ملكية دستورية برلمانية حتى يمكن الحديث عن الديمقراطية. اما الانفتاح المتحدث عنه، فهو ليس الا شعارا تضليليا. فالامور مازالت كما هي في عهد الحسن التاني، الفرق البسيط هو ان النظام الحالي عبارة عن يد حديدية في قفاز مخلمي، والان تتحدث الصحاقة والتلفزة عن انتخابات نزيهة في 7 شتنبر 2007 في ظل الدستور الذي وضعه الحسن التاني المستبد. يكفي القاء نظرة على خريطة التقطيع الانتخابي واستعمال طريقة التصويت باللائحة بدلا من دورتين، ليقتنع الانسان ان الانتخابات ستكون مزورة قبل تصويت الناخبين.
اما الرجوع إلى استعمال تهمة المقدسات لتصفية الحساب مع جنود الحرية والتحرير والتحرر فسببه انه لا يمكن استعمال مرة اخرى ظهير "المقيم العام الفرنسي هانري بانصو (henri pansot) الصادر في عام 1935 والمعروف عندنا "بظهير كل ما من شانه" والذي افتضح امره عند المواطنين. لهذا تستعمل الان "تهمة المس بالمقدسات" لتقوم بالوظيفة التي كان ظهير بانصو يقوم بها.
التضامن :منذ تنصيب محمد السادس على راس السلطة بدات مؤشرات استمرار نفس طريقة الحكم الموروثة عن عهد الحسن التاني: اعلانه عدم تخليه عن أي من السلطات التي "يمنحها" اياه الدستور الموروث عن ملكية الحسن التاني، استبدال بعض رجالات الحرس القديم بحرس جديد خارج كـل المساطر السياسية، الادارية اوالقانونية، تشكيل مؤسسات استشارية موازية لمؤسسات الدولة خاضعة لسلطاته ...هل يمكن الحديث عن نهاية "الانفتاح السياسي" من فوق الذي دشنه الحسن التاني مع صعود محمد السادس مباشرة ؟
م.بوكرين: قبل الاجابة عن سؤالكم لا بد من توضيح بعض الاشياء. ففي تاريخ المغرب كلما مات سلطان وجاء سلطان جديد الا ويتظاهر باللطف وعزمه على اصلاح الاوضاع الفاسدة وذلك من اجل ارساء سلطته. وبمجرد ما يتيقن من بسط يد من حديد على الشعب، يشرع في الاستبداد والانفراد بالسلطة بعد تنحية الحرس القديم والاتيان بحرس جديد للملعب. فمحمد الخامس مثلا رجع من المنفى ولم يجد لا جيشا ولا شرطة تحميه ولا جريدة تنطق باسم نظامه ولا حزبا يسانده، فاعلن عن "الانفتاح السياسي" والعفو على الخونة، وزرع الوهم بالانفتاح الذي هو مجرد سراب، حتى تمكن من انشاء شرطته وجيشه ثم بدا بقمع الذين ارجعوه إلى الحكم .ونفس الشيء يتكرر اليوم مع محمد السادس. فالنظام يستعمل شعار "المفهوم الجديد للسلطة" و"الديمقراطية" و"التنمية البشرية" من اجل تضليل الشعب، وفي نفس الوقت يقوم بسحب هامش السلطة من الحكومة بواسطة مؤسسات استشارية انشاها بشكل موازي للحكومة، خارج الاعراف والقوانين تتميما لما اسسه الحسن التاني: مجلس الشباب والمستقبل، المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، المجلس الاستشاري الملكي للصحراء(corcas)... والان تجري الاتصالات من اجل تاسيس المجلس الاعلى للجالية المغربية. وهذه المؤسسات هدفها تخريبي. إلى جانب ما ذكر هناك الصناديق السوداء التي يصعب مراقبتها، وتستعمل لشراء الذمم، مثل صندوق الحسن الثاني صندوق محمد السادس الخ. وخلاصة القول ان "الانفتاح" الذي يتحدثون عنه لا وجود له اصلا لكي نتحدث عن نهايته.
التضامن : كيف توضحون هذه المفارقة، فمن جهة هناك خطاب، تشترك فيه السلطة الحاكمة والنخب السياسية، حول تحديث النظام السياسي ولو بشكل تدريجي، وهناك من جهة اخرى تشديد للتدابير القمعية والقوانين المقيدة للحريات: هل يتعلق الامر بتحديات داخل هرم السلطة بين دعاة التحديث ودعاة الاستمرارية، بين "الاصلاحيين" و"جيوب المقاومة" داخل الطبقة الحاكمة ام هناك تردد وتخبط داخل النخبة الحاكمة بين ضغط اصلاح النظام لضمان استمرارية على مدى طويل وبين اكراهات الشروط المحلية والاقليمية ؟
م.بوكرين: هناك فعلا مفارقة، فاغلب النخب كقيادات داخل الاحزاب قد انسلخت عن قواعدها، لان الفرز الطبقي هو الذي اوصلها إلى ذلك للمحافظة على امتيازاتها ولان النظام المهيمن هو من يصنع الطبقات السائدة خلافا لما هو عليه الوضع في اوروبا، حيث يتم الفرز الطبقي بشكل طبيعي. اما ما جعل الخطاب مشتركا بين السلطة الحاكمة والنخب، فهو خوفها من اجتياح الحركات الاسلامية للمواقع في السلطة، عبر الانتخابات او عبرالضغط الجماهيري.
الملك هو الفاعل الاساسي في اللعبة السياسية، ولم يتجرا احد لقول العكس. فالتيار المحافظ يريد امتصاص دماء الشعب وتاييد الاستغلال والمحافظة على امتيازاته. اما التيار الاخر فيتحاشى عواقب الاستمرار في نفس النهج ويقترح نوعا من التنازل، مع اقامة ديمقراطية الواجهة والتحديث البطيء.
اما تشديد التدابير الامنية ووضع قوانين فضفاضة ومقيدة للحريات، فالهذف من وراء ذلك، هو وضع الفراميل امام اندفاع الشعب نحو غد افضل. و بما ان النظام يتعرض للاكراهات الدولية والاقليمية والمحلية وثقل الارث السلبي لعهد الحسن التاني، فانه يعيش حالة من التردد والتخبط ولا يدري ما يقدم ولا ما يؤخر، رغم انه يعمل من اجل التحكم والاستمرار في الاستبداد.
التضامن: لقد كشفت النضالات الاجتماعية خلال هذه السنوات الاخيرة عن اصطفاف الاحزاب والنقابات بشكل عام إلى جانب النظام.بالمقابل تنهج التيارات الاسلامية سياسة الصمت. وحدها القوى المنتسبة إلى اليسار الجذري تصطف إلى جانب النضالات الاجتماعية لكن في ظل وضع وموازين قوى لا تسمح بتحقيق انتصارات وانتزاع مكتسبات لفائدة الجماهير الشعبية وهجوم قمعي لا يسمح باعادة تتظيم القوى الشعبية وارساء تنظيمات اجتماعية قادرة على الصمود. الا يؤدي هذا على المدى المتوسط والبعيد إلى خطر استفادة القوى الاسلامية من انهيار شرعية النظام والاحزاب التي تدور في فلكه، ومن انهاك قوى اليسار في معارك اجتماعية غير مفتوحة على افق بديل سياسي واجتماعي؟
م.بوكرين: الاصطفافات السياسية الجديدة فرضتها الاكراهات وارادة النظام المهيمن. فالاحزاب والنقابات التقليدية تحولت إلى برجوازية، ومن مصلحتها ان تتحالف مع النظام لمواجهة القوى الاسلامية الفاشستية التي تتحين الفرصة لللانقضاض على السلطة. وهذا ما يجعل الاسلاميين يلتزمون الصمت حتى يتم اضعاف حلف الطبقة المهيمنة مع الطبقة المسيطرة.
النظام وجد صعوبة جمة فيما يخص الكوطا الانتخابية، لان توزيع المقاعد على 33 حزب تعترضه مشاكل، فهو يفضل "التكتلات الحزبية" لكي ياخد كل تكتل نصيبه ويتفق الجميع على الاعلان ان الانتخابات كانت نزيهة.
أما اليسار الجذري، فهو رغم عواقب العولمة وانهيار المعسكر الشرقي، فانه يتقدم ببطء، سواء في صراعه الداخلي أو الخارجي مع الإمبريالية والقوى المحا فظة. أما الحركة الإسلامية التي تبدو في الظاهر زاحفة لكن في العمق هي يائسة، والانتحارات دليل على ضعفها لان الأتباع بدؤا ينسحبون منها. ان ما نراه اليوم، هو نتيجة لسلوكات الأنظمة المستبدة التي خلقت مجتمعا متخلفا تسود فيه البطالة والأمية والفقر، وهذا ما جعل الحركات الإسلامية تستقطب المعوزين والسدج من الشعوب. إلا أن التدابير التي اتخذها الغرب من ملاحقة الإرهاب وتجميد الأموال في البنوك بدأ يخلق لها صعوبات من التحرك والاستقطاب.
التضامن: في ظل موازين القوى الحالية، تعمل النخبة الحاكمة على تعزيز تحالفاتها الخارجية مع القوى الإمبريالية وهي تستفيد من التحولات السياسية في الغرب وتراجع القوى التقدمية هناك. وهذا يستدعي من القوى الديمقراطية والجذرية في الداخل خوض معركة سياسية ضد السلطة الحاكمة على المستوى الخارجي، ما هي سبل بناء حركة تضامن أممي مع النضالات الاجتماعية والسياسية ببلادنا ؟
م.بوكرين: الملكية في المغرب يتهمها الشعب بكونها تابعة للمصالح الإمبريالية التي تحتمي بها. مما جعل السواد الأعظم يبتعد عن المشاركة في الانتخابات التي يرى أنها عبث، ما دامت لا تؤدي إلى بناء أسس الديمقراطية. الخوف كذلك بدا يقل والجلادون من عهد الحسن الثاني يرتعدون، خصوصا بعد أن طالب منتدى الحقيقة والإنصاف المغربي بمتابعتهم. الكل اصبح لديه إحساس أن البلاد تتجه نحو المجهول!
اليسار ينمي معاركه السياسية والاجتماعية تدريجيا ويخرج من تقوقعه في الداخل ويتحرك كذلك في الخارج خصوصا في الغرب ليضغط على النظام من اجل الانتقال الديمقراطي، أما سبل بناء حركة تضامن أممي فهي متعددة، ومن ضمنها ربط علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف سياسيا وثقافيا واجتماعيا، وخوض نضالات مشتركة حول مواضيع مشتركة. وهناك وعاء لهذه الحركة الاحتجاجية، التي هي اطاك والتعاون النقابي الدولي. والأمم المتحدة كذلك ستعرف تعديلا في مؤسساتها والمجلس الأمني سيطعم بقوى أخرى من قبل الهند والبرازيل وألمانيا لخلق التوازن وروسيا تسترجع مواقعها تدريجيا وستقوم بردع الولايات المتحدة من اجل وقف شططها، ولا ننس وزن أمريكا اللاتينية.
التضامن: كلمة أخيرة
م.بوكرين:>. وكما قال كذلك:>.