التوزيع العادل للثروات في صلب المعركة الديمقراطية


التضامن من اجل بديل اشتراكي
2013 / 7 / 4 - 15:59     

خاضت جماهير العاطلين في المدن الفوسفاطية معارك نضالية جريئة وغير مسبوقة، دمجت بين الأشكال الاحتجاجية التقليدية (المسيرات والاعتصامات) وأشكال نضالية جديدة (احتلال المرافق والمنشات ومحطات النقل والموانئ وقطع الطرق والسكك الحديدية). وقد جرى مخاض ولادة هذه الحركة الناشئة داخل رحم حركة 20 فبراير وشكلت تجربة جديدة في نضال الجماهير الشعبية.
كما شكلت تجربة حركة 20 فبراير"نقدا عمليا" لما سبقها من تجارب نضالية، تشكل تجربة حركة العاطلين في "الحوض الفوسفاطي" تقييما نقديا لتجربة حركة 20 فبراير أو على الأقل لبعض مظاهر اختلالاتها. فمن صلب هذه الحركة وتجربتها،استخلص ثلة من الشباب المناضل بعض الدروس من تجربته الذاتية فقرر، بعيدا عن الأضواء والشبكات العنكبوتية، خوض غمار تجربة نضالية سمحت بالجواب عمليا على ثلاثة رهانات ظلت معلقة أو مغيبة داخل تنسيقيات حركة 20 فبراير: رهان تجذير النضال وتوسيعه في صفوف القطاعات الشعبية الأكثر تعطشا للتغيير. ورهان إعادة الوصل بين المعارك الاجتماعية والمعركة الديمقراطية. وثالثا رهان زحزحة موازين القوى لصالح اليسار المناضل بإقحام قاعدته الاجتماعية الموضوعية في النضال الشعبي .
ومن خلال تجربتها كحركة للعاطلين،ساهمت هذه الحركة في الجواب عن كيفية تحقيق تلك الرهانات الثلاث:
1 -التركيز على الشغل(التشغيل، شروط العمل، الأجور...) لكونه يشكل نواة المسالة الاجتماعية وعلى عالم الشغل(عاطلين وشغيلة) لكونه يشكل العمود الفقري لكل حركة شعبية ديمقراطية.
2 -التركيز على القطاعات الشعبية المناضلة ( الشباب والعاطلين والبروليتاريا الهشة في المدن والقرى) لكونها تشكل القاعدة الاجتماعية للحراك الشعبي الذي يعرفه المغرب، مع الاعتماد على التنظيم الذاتي للجماهير الشعبية كإستراتيجية بعيدة المدى لتحصين وتقوية مناعة الحركة الجماهيرية ضد التوظيف الانتهازي للتيارات الإصلاحية والرجعية.
3 - الارتكاز على القاعدة الاجتماعية المباشرة التي يتوفر فيها اليسار المناضل على تجربة ميدانية ونقط ارتكاز تسمح له بتوسيع نفوذه والتعبئة على قاعدة مشروعه السياسي والاجتماعي (الطلبة، المعطلين، النساء،القطاعات النقابية المناضلة).
كما قدمت هذه المعركة درسا عمليا حول المطالب ومنهجية التركيب فيما بينها: مطالب مباشرة(التشغيل المباشر في معامل الفوسفاط) ومطالب انتقالية (إعادة تنمية المدن والقرى الفوسفاطية وجبر الضرر الذي لحق سكانها جراء تدمير الأرض والبيئة) ومطالب إستراتيجية (تأميم الثروات والصناعات الفوسفاطية وتوجيه عائداتها لإعادة تنمية الاقتصاد الوطني بما يلبي حاجيات شعبه).
90 سنة من النهب تسعون سنة من التذمير
تأسس المكتب الشريف للفوسفاط سنة 1920 وشرع في استخراج الفوسفاط منذ سنة 1921 وفي سنة 1998 شرع المكتب الشريف للفوسفاط في استخراج الحامض الفسفوري. 90 سنة من استنزاف باطن الأرض وتدمير البيئة برا وبحرا وجوا، واستغلال اليد العاملة بابخس الأجور.
إن مشكل ثرواتنا الوطنية، لم يعد يختزل في التبذير وسوء التسيير واغتناء العائلات المالكة والبرجوازية المخزنية من نهب عائداتها، بل أصبح يهم مستقبل هذه الثروات في حد ذاته. فبعد استنزاف الثروات البحرية والمنجمية، جاء دور الثروة الفوسفاطية، وهي أهم ثروة وطنية، التي كان يعول عليها كقاطرة لبناء اقتصاد وطني وعلى عائداتها كمورد لتمويل برامج اجتماعية تلبي الحاجيات الضرورية للمواطنين.
بعد تحويل المكتب الشريف للفوسفاط إلى شركة مساهمة، شرعت الإدارة في نهج "سياسة الانفتاح" على المستثمرين الأجانب وهي السياسة التي توفر الغطاء القانوني لسيطرة الشركات الاستعمارية على هذه الثروة وبالتالي حرمان بلدنا من أهم ثروة وطنية يمكن، في حال تأميمها وفرض رقابة شعبية على تدبيرها، أن تساهم في تأمين حاضره ومستقبل أجياله القادمة.
صحيح أن سياسة "الانفتاح" تندرج ضمن سياسة الخوصصة، لكنها في حالة الفوسفاط تأخذ منحى استعماريا واضحا. فأمام الأزمة الغذائية العالمية استعادت الفلاحة مكانتها في الاقتصاد العالمي، وبفعل ارتفاع الطلب العالمي على المواد الفلاحية، ازدادت الحاجة إلى الفوسفاط ، وخاصة الحامض الفسفوري الذي أصبح عنصرا متحكما في الغذائي العالمي. ويمكن تشبيه المكانة التي تحتلها مشتقات الفوسفاط في الفلاحة العالمية اليوم، بالمكانة التي تحتلها مشتقات النفط في الصناعة.
ويكفي الإشارة إلى حجم الأرباح التي حققها المكتب الشريف للفوسفاط في عز سنوات الأزمة المالية العالمية (2008 – 2009 ) لكشف حجم الأطماع التي تتهدد هذه الثروة المنجمية. فقد وصل رقم معاملات المكتب سنة 2009 إلى 25 مليار و300 مليون درهم، قرابة 3,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للمغرب، وبلغت صادرات الفوسفاط 19 مليار درهم، أي 17 بالمائة من إجمالي صادراته .
ضمن هذا السياق وتلبية لإطماع الشركات الامبريالية المسيطرة على الفلاحة العالمية، تندرج ادن البرامج والمخططات المستقبلية للمكتب الشريف للفوسفاط،التي يمكن من خلال الإطلاع عليها، تقدير حجم الخطر المحدق بالثروة الفوسفاطية وعائداتها.
فحسب تقارير المكتب الشريف للفوسفط، سيرتفع حجم الإنتاج من 30 مليون إلى 50 مليون طن سنويا وسيتضاعف حجم إنتاج الحامض الفوسفوري ثلاثة مرات خلال الخمس سنوات القادمة، وهو ما يعني تقليص الاحتياطي الوطني من الفوسفاط بنسبة تفوق النصف، لكون الفوسفاط مادة غير متجددة.
ورغم ارتفاع عائداته، فان المكتب الشريف للفوسفاط لا يلبي حاجيات من يعيش فوق سطح الأرض التي يستغل باطنها. فهو أشبه بشركة استعمارية تستنزف بشكل كثيف المواد الأولية دون أي توظيف لعائداتها في دواليب الاقتصاد الوطني . فحسب تقارير المكتب نفسه،لا تستهلك الفلاحة الوطنية سوى 900 ألف طن سنويا من الأسمدة، بينما تقدر حاجياتها بحوالي 2,5 مليون طن. وتعود أسباب هذا النقص في استعمال الأسمدة في بلد هو المنتج الأول للأسمدة على الصعيد العالمي، إلى ارتفاع أسعار الأسمدة بالنسبة للفلاحين الصغار والمتوسطين والى ضعف مردودية الأراضي الزراعية بسبب نقص التمويل والتأهيل. و مع تحكم المستثمرين الأجانب في المكتب الشريف للفوسفاط. ستصبح أسعار الأسمدة على الصعيد الوطني خاضعة لأسعارها على الصعيد العالمي وهو ما سيعمق من ضعف القدرة التنافسية للفلاحة الوطنية مقارنة مع الفلاحة الأوربية والأمريكية المرتفعة المردودية أصلا. ومقابل تحكم المكتب الشريف للفوسفاط في الأمن الغذائي العالمي، سيفقد المغرب التحكم في أمنه الغذائي الوطني وستزداد تبعيته إلى السوق الفلاحية العالمية.
أرباح طائلة وساكنة تحت عتبة الفقر والثلوت
ورغم كون صادرات الفوسفاط ومشتقاته تمثل حوالي25 بالمائة من صادرات المغرب و 3.5 بالمائة من الناتج الوطني الخام (حوالي 4.5 مليار دولار سنة 2010 ) فان مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لا تشغل أكثر من 18 ألف، وهو عاجز عن تشغيل أبناء عماله المتقاعدين وأبناء المدن والقرى الفوسفاطية التي دمر فلاحتها وصناعاتها وبيئتها.
تنمية المدن الفوسفاطية مخطط لدر الرماد في العيون
هناك ملاحظة: مقابل توسع أنشطة المكتب الشريف للفوسفاط هناك تراجع للنشاط الصناعي والفلاحي في المدن التي يشتغل فيها. وهذا يطرح علاقة الصناعة الفوسفاطية بالنسيج الاقتصادي الوطني، حيث لا تساهم هذه الصناعات في أية تنمية اقتصادية بهذه المدن، بل علي العكس، يساهم المكتب الشريف للفوسفاط في تدمير نشاطها الصناعي والفلاحي (تراجع الصناعات التحويلية باسفي وتراجع النشاط الفلاحي بخريبكة واليوسفية وبنجرير).
ومقارنة مع حجم التذمير الذي خلفته الصناعات الفوسفاطية بهذه المدن، لا يشكل برنامج المكتب الشريف للفوسفاط لتنمية هذه المناطق تعويضا بحجم الأضرار التي تسبب فيها لسكان هذه المناطق، وهي أضرار اقتصادية وبيئية واجتماعية وصحية،بل ونفسية بالنسبة لكثير من العائلات و الأسر.
ويكفي تناول علاقة الفوسفاط بالفلاحة لتوضيح حجم الهوة الفاصلة بين هذه الموارد الوطنية وتنمية الاقتصاد الوطني. فرغم كونه يتحكم في إنتاج وتسويق الأسمدة على الصعيد العالمي، فان المكتب الشريف للفوسفاط لا يلبي حاجيات الزراعة الوطنية من الأسمدة، وهو ما يشكل في حد ذاته إدانة صارخة لسياسة المكتب الشريف للفوسفاط ، وبرهان على زيف وفراغ مخططاته لتنمية هذه المدن. إن الوعد بتشغيل5800 معطل وتكوين 15 ألف في وقت يتوقع فيه المكتب الشريف للفوسفاط مضاعفة قدراته الإنتاجية وزيادة وحداته الصناعية وتوسيع مجالات نشاطه، هو حافز آخر للمطالبة بوقف نهب هذه الثروة الوطنية، والنضال من اجل استعادة الثروات الوطنية لتلبية حاجيات الشعب بدل تلبية أطماع الشركات والسوق الاستعمارية. ولا حاجة إلى التأكيد، على أن تأميم الثروات الوطنية وإعادة توزيع عائداتها على السكان يشكل العمود الفقري للنضال من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. يتعلق الأمر ادن بمطلب ديمقراطي وحدوي وموحد لكل فئات الشعب، عمال وعاطلين وسكان فقراء.
شرعية السلطة أم شرعية المجتمع؟
عل إيقاع تصاعد الحركة النضالية لمعطلي الحوض الفوسفاطي تجندت زمرة من المثقفين ورجال الأعمال و الصحفيين والسياسيين، لاتهام هذه الحركة الاحتجاجية بالفوضى وبانتهاك "شرعية الدولة وهيبتها"،لتوفير غطاء اعلامي وسياسي لقمع هذه الحركة الشعبية الناشئة واعتقال نشطائها والزج بهم في السجن و محاكمتهم بتهم من عيار تهم سنوات الرصاص، الذي قالوا قد تم طي صفحتها (إحراق منشات واليات ومؤسسات وإدارات عمومية وعرقلة حرية النقل والتنقل.... .).
وهناك خلط متعمد أو عن جهل، بين مؤسسات الدولة، التي هي مؤسسات عمومية، يجب أن تكون في خدمة المواطن وحماية حقوقه وتوفير الأمن والرفاهية لعموم المواطنين على قدم المساواة، وبين السلطة السياسية التي تسيطر بالقوة والعنف على مؤسسات الدولة وأجهزتها وتوظفها لخدمة مصالح الطبقة الرأسمالية المسيطرة على اقتصاد البلد. إنهم يقفون في صف واحد مع الأجهزة الأمنية والقضائية ضد الحركات الاحتجاجية.
لكن ما هي هذه الشرعية التي يتباكى هؤلاء حول انتهاكها؟ فالسلطة نفسها لا تتمتع بشرعية قانونية، ناهيك عن شرعية ديمقراطية، تمنحها شرعية شعبية. أما طبيعة علاقتها مع عموم الشعب فهي علاقة قائمة على القمع والإهانة ومؤسساتها وأجهزتها غير خاضعة لأية رقابة ديمقراطية،سواء مباشرة أو غير مباشرة. بل هي مفصولة ومستقلة عن الدولة نفسها، اذا تحدتنا عن الدولة كمؤسات، أما موظفوها ومسئولوها ورجالها فهم يتمتعون بحماية سياسية تجعلهم فوق المساءلة القانونية وحتى الجرائم التي يقترفونها في حق الشعب فهي معفية من المسائلة ناهيك عن العقاب.
إن الدفاع عن شرعية السلطة القمعية ليس شيئا آخر غير الدفاع عن القمع والعنف والإهانة والاصطفاف جنبا إلى جنب مع الأجهزة القمعية (بوليسية وقضائية وإدارية) ضد الشعب.