دستور الاستبداد، برلمان المديونية وحكومة التقشف


التضامن من اجل بديل اشتراكي
2013 / 7 / 8 - 12:21     

كل المؤشرات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تقود إلى حالة عدم استقرار في المغرب في السنوات القادمة، فالأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بدول الاتحاد الأوربي ستمتد إلى دول المحيط. وإذا كانت دول المركز عاجزة عن تطويق الأزمة، فان دول المحيط ستكون عاجزة عن تطويق انعكاساتها. أما بالنسبة للمغرب وبحكم تبعيته المطلقة للسوق الرأسمالية العالمية وارتباطه البنيوي بأوربا، فهو مرشح لاحتضان الأزمة فهناك أكثر من منفذ مفتوح لعبورها. وإذا كان من السابق لأوانه تقدير حجم الكارثة وآثارها، فانه السهل تفنيد الوعود الانتخابية الكاذبة حول إمكانية تحقيق معدل نمو يسمح بامتصاص نتائجها.
التداعيات المحتملة للازمة الاقتصادية والمالية العالمية
يعيش النظام الرأسمالي العالمي ازمة بنيوية طويلة المدى، وحيثما انفجرت وجدت الحكومات نفسها عاجزة على مواجهة الأزمة، فيتم اللجوء إلى الديون وبرامج التقشف لتطويق حريقها.وتجد هذه البرامج ترجمتها الواقعية في تقليص الأجور والنفقات الاجتماعية والزيادة في التكاليف الضريبية باسم أولوية تسديد الديون والحفاظ على التوازنات المالية. وأول نتائج هذه السياسات التقشفية تتجلى في المزيد من تدمير المكتسبات والحقوق الاجتماعية وتوسع البطالة وإفقار قطاعات شعبية واسعة.
كغيره من البلدان الرأسمالية التابعة، المغرب مرشح لاحتضان تداعيات هذه الأزمة العالمية. وخلافا لسنة 2008 لن تقف الأزمة هذه المرة عند حدود القطاعات الأكثر هشاشة و عرضة لتقلبات السوق العالمية، بل من المحتمل أن تطال النسيج الاقتصادي برمته. فالركود الاقتصادي والأزمة المالية التي تعرفها منطقة الاورو، الشريك التجاري الرئيسي للمغرب، سينعكس على قطاعات النسيج والفلاحة والسيارات والفوسفاط بسبب تراجع الطلب الخارجي. ومن المحتمل أن تستمر أسعار المواد الأولية والغذائية في الارتفاع نتيجة المضاربات، وهو ما سيعمق عجز الميزان التجاري المختل بشكل بنيوي. لكن تداعيات الأزمة لن تقف عن هذا الحد، بل ستنتقل عبر عدة منافذ، إلى المالية العمومية. فكل المؤشرات الاقتصادية والمالية تقود إلى تراجع خطير لموارد الدولة بسبب تراجع عائدات الصادرات والسياحة والخوصصة وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج. ونفس التراجع سيعرفه الطلب الداخلي بسبب تآكل القوة الشرائية للأجور تحت ضغط الديون وارتفاع الأسعار والتسريحات وتقليص النفقات الاجتماعية.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك، تراجع حجم الاستثمارات (تراجع الاستثمارات الخارجية المباشرة وهروب الرساميل الخارجية، وخفوت بريق الأوراش الكبرى) فسنكون أمام شبح ازمة مالية عمومية. وليس دون دلالة اقتراب عجز ميزانية الدولة هذه السنة من نسبة العجز لسنوات 90 التي أعلن فيها الحسن الثاني عن خطر"السكتة القلبية".

نتائج الانتخابات: برلمان المديونية وحكومة التقشف
خلافا للخطاب الديماغوجي الذي تروجه الدولة وخلافا للوعود الكاذبة التي تسوقها الأحزاب بمناسبة الانتخابات، حول إمكانية تحقيق نمو تفوق نسبته عند البعض 6 بالمائة وخلق ما بين 150 و 200 ألف منصب شغل، فان الحقيقة تقتضي الاعتراف بان لا احد يستطيع اليوم التحكم في المؤشرات الاقتصادية أو ادعاء تحقيق معدلات نمو مستقرة تسمح بمواجهة انعكاسات الأزمة في ظل الركود العالمي وعدم استقرار الأسواق. فالتبعية المالية والاقتصادية للسوق الرأسمالية العالمية وطبيعة النمط الاقتصادي الليبرالي المعولم بالإضافة إلى خصوصية الاقتصاد المغربي المتمحور حول نظام تراكم ريعي وتحكم العائلات الرأسمالية الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات في معظم الموارد الاقتصادية ومأسسة التوزيع اللامتساوي للثروات والعائدات الاقتصادية... هي عوامل بنيوية لا تسمح بمواجهة الأزمة العالمية وانعكاساتها .
ففي غياب إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية، تقطع مع النظام الاقتصادي الليبرالي ومع نظام التراكم الريعي وتعيد النظر في التوزيع اللامتساوي للثروات، فان الدولة ستكون عاجزة عن مواجهة الأزمة ولا يمكنها غير اللجوء إلى برامج التقشف والمديونية لتطويق تداعياتها.
لكن اللجوء إلى المديونية في ظرفية يخيم عليها شبح الركود والأزمة المالية، والى سياسات التقشف في سياق غليان اجتماعي وسياسي، يجعل هذا الخيار،علاوة على فاتورته الباهظة، محفوف المخاطر بالنسبة للطبقات السائدة. إن الأزمة العالمية لا تقلص فقط هامش المناورة لدى النظام فحسب ، بل أيضا هامش الاختيارات السياسية لتفادي مرة أخرى خطر" السكتة القلبية".
ولا تتضمن قائمة الاختيارات سوى وصفات تدمج بين "التقشف والقمع " وبين "المديونية والتفقير" بعد انتهاء مدة صلاحية وصفات " التحرير الليبرالي والانفتاح السياسي"، "الخوصصة والحوار الاجتماعي".
إن تشكيلة "مجلس النواب " و"حكومة الواجهة" لن تقررها صناديق الاقتراع، بل ستتحكم في تشكيلهما طبيعة الاختيارات السياسية والتدابير التي يخطط لها النظام وحكومة الظل بتنسيق وتشاور مع المؤسسات المالية الدولية. واقرب وصفة لطبخ نمودج على مقاس هذه السياسات هو عجنة برلمانية من كل الألوان وحكومة "ورطة وطنية" تشترك فيها كل الأحزاب البرلمانية الرئيسية ومعارضة صورية لإضفاء الشرعية على املاءات المؤسسات المالية الدولية.
فالنظام في حاجة إلى "برلمان" يفوض له مهمة المصادقة على القروض الخارجية وإقرار التدابير التقشفية كما هو في حاجة إلى حكومة يمسح فيها نتائج المديونية وبرامج التقشف، ليبقى الملك ومستشاريه المسؤلين الفعليين عن المديونية والتقشف بمنأى عن المحاسبة.