تأملات سوداء في أمعاء بشرية


عماد البابلي
2013 / 7 / 2 - 02:36     

عندما نتحدثُ مع بعضنا : تكونُ الكلماتُ قاسية ، يمرُّ المرءُ عليها كما لو أنه يسيرُ على بلاطِ شارعٍ مرصوفٍ بصورةٍ سيئة . الأشياءُ الأكثر رقة تصبحُ أقداماً ثقيلة الحركة ، ولا نستطيعُ فعلَ شيءٍ لها. إننا مثبتون ببعضٍ في الطرق ، أصطدمُ بك وأنتَ تصطدم بي - لا أجرؤ على الحركة ، وأنتَ أيضاً . وعندما نصلُ إلى بعض الأشياء ، التي هي ليست بالضرورةِ أحجارَ طريقٍ ، نرى فجأةً ، بأننا نملكُ ألبسةً مُقنعةً وأقنعةَ وُجُوه ، نعملُ بحركاتٍ مدورة .. لنصبح فجأةً حزينين ومنهكين . هل كنت ذات يوم متعباً مع أحدٍ كما أنت معي ؟ ....
فرانز كافكا


الأمعاء بقسميها الدقيق والغليظ تبلغ أكثر من عشرة أمتار ، مسيرة طويلة جدا تقطعها اللقمة حتى تصل لمستقرها الأخير كنفايات ليس إلا ، تتناول هذه المقالة التشابه الكبير بين النفاية وبين البشر ، التفاعل والصرع بين ما هو علوي وبين ماهوسفلي قائم على مفهوم النفاية ، الرجل يعتبر المرأة نفاية والحاكم يعتبر شعبه نفاية والمعلم في الصف يعتبر تلاميذه نفايات وغيره ، تلك الشفرات تنطبق على الشرق ، الشرق العفن المنافق الحاقد حتى على نفسه .. قبل يومين حدث عند جارنا حفلة زفاف وطبعا يجب أن أحضر لتقديم التهنئة في كرنفال بائس للتكاثر ، الناس هنا في هذه المنطقة من المجرة لا يتزوجون إلا للتكاثر ، ولا يتزوجون لغرض الجنس ( الجنس بمفهومه المقدس البعيد عن الاحتقان الهورموني ) ، مادام هناك حالة فصام بين الجنس والحب والتكاثر نبقى ديدان في قناة معوية، قناة معوية عراقية عاشت في فترة الحصار لا يأتيها إلا الحجر المطحون مع الطحين ( !!! ) .. تأخر العشاء قليلا ، الجالسون يتملكهم الشحوب ، العشاء تأخر والجالسون قلقون ، كنت أراقبهم بتركيز ، كنت أراقب الوجوه المصفرة ، بدأت المواضيع والمناقشات تصبح غاضبة أكثر ، سئلت الجالس بجانبي : هل سيبقى الرئيس مرسي في الحكم ؟؟ أجابني : من هو مرسي ؟ ... عذرته حينها الأفكار عنده ليس في الدماغ بل في الأمعاء ، أنه جائع الآن .. جاء العشاء أخيرا ، وبعده أجتمع الناس عند الشاي ، كانت وجوههم محمرة من اللحم ، والبطون منفوخة ليس شبعا ولكن مرضا ، أعدت السؤال لصاحبي عن مرسي .. أجابني حينها بالأتي : لقد قتل الشيعة لهذا لن يبقى !!. الشعب العراقي حزين على مقتل شحاته ولا يهمه من يموت كل يوم بالعشرات ، من هو شحاته ؟؟ هل هو ثيمة لخيبتنا وزيفنا التاريخي ؟؟
المهم هنا تأملت جدا كيف تغير الجواب عند الرجل ، ونفسيا أدعوكم سادتي للتجربة الآتية : أسئل أي شخص سؤال ، واعده بعد فترة معينة ، نلاحظ بأن نسبة 30 % من الجواب ثابتة ( جوهر الخبر ) وألــ 70 % تتغير بالكامل ، تلك مشكلتنا التاريخية في كتابة الواقع وكتابة المهزلة الكبرى الممتدة من العباءة المثقوبة لرجل دين ورقم رصيده يساوي عدد شعرات لحيته المباركة إلى مبنى المخابرات التي يحاك فيها السؤال اليومي : كيف حال الخرفان هذا اليوم ، وتأتي الإجابة ، أنها كثيرة والبرسيم لا يكفي ، تقتل بعضها بكلب مفخخ ، والكلب يقتل ، ومدرب الكلب يقتل ولا يبقى إلا الرئيس في النهاية ( !!!! ) .. ابتعدنا عن موضوع الوليمة ، نرجع أليها ولكن من زاوية أخرى أنثربولوجية ، مصطلح ( العظّام ) / فتحة على العين الهبلة وشدة على الظاء التافهة / كلمة في اللغة العراقية الدارجة ، تعني من تشغله أمعائه أكثر من شيء أخر ، يهتم باللحم كثيرا كأي مفترس تافه ، هناك مقاربة لهذا المصطلح وتعود للقرنين السادس عشر والسابع عشر ، كان الناس متخمون ، سمنة مفرطة جدا ، لوحات القرنين تبين هذا ، له علاقة بالمجاعات التي اجتاحت العالم في تلك الفترة ، كانوا يسمنون خوفا من مجاعة قد تأتي في أي لحظة ، ومحايثة مع السيد ( عظّام ) تعود لفجر التكوين الأول ، قابيل وهابيل ، وقصة الاختبار الشهيرة ، طلب الله منهما تقديم قربانين ، هابيل قدم خروف مشوي / كما يحدثنا التلمود / وقابيل قدم بعض المزروعات ، تقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل !!!! ، هل كانت السماء ( عظّامة ) هي الأخرى ؟؟؟
الحياة كما أفهمها (و ياليتني لم أفهمها ) ليست مجموع صفري بالغالب ، الصفر وهم ، والرمادي حيث يتماهى الأبيض والأسود معا في نفس المكان ، دائما يقيم الكذب والصدق معا في نفس البيت ، الكل يدعي البياض وينكر سواده وظلمته ، من هذه النقطة ولدت تعقيدات ( شتراوس ) حيث يقول : ) الحقيقة ينبغي أن تكون سرا ، لايعلمها الناس ، أما الجهلاء والغوغاء إذا عرفوها لا يجدون فيها إلا الخرافات ، فينبغي أن تبقى محل معرفة الحكماء فقط ) ، نفس جوهر فلسفة أخوان الصفاء والماسونية ، العالم خراب والجرذان ترثه ، العاقل يشعر بالوحدة ويرتجف طوال الوقت ( حسب نيتشه ) ، هل توجد إجابة ؟؟؟؟؟
لا أعرف .... وليس المهم تقديم الإجابات في زماننا الأغبر ، زمن الخيانة وزمن أنصاف البشر ...
أكتفي بهذا المكتوب وشكرا لكم ...
كتبها لكم نصف تافه ونصف بشري