حوار مع -جمال احمد- سائق حافلة في قطاع النقل والمواصلات في السويد


جمال احمد
2013 / 6 / 29 - 23:54     

حوار موقع الحزب الشيوعي العمالي العراقي مع -جمال احمد- سائق حافلة في قطاع النقل والمواصلات في السويد

سايت الحزب: بدءا نود ان توضح لقراءنا بشكل واضح حول ماهية هذا الاضراب. ماهي الاسباب والعوامل وراء اعلان هذا الاضراب في قطاع النقل والمواصلات في دولة السويد؟ ولاسيما اننا الان امام اضراب مماثل اخر لعمال النقل والمواصلات في البرتغال عن العمل احتجاجاً على الاجراءات التقشفية الاقتصادية الجديدة وتحديداً فيما يتعلق بزيادة عدد ساعات العمل وخفض الأجور التي تبنتها الحكومة البرتغالية للتغلب على أزمتها المالية.

جمال احمد: ان التحول من القطاع العام الى القطاع الخاص الذي بدأ في التسعينيات من القرن الماضي ، قد شمل بشكل واسع قطاع خدمات النقل . ان فترة الازدهارفي بداية التسعينيات قد اودت بنمو هذا القطاع نمواً واسعا ، ولكن مع ذلك لن يصاحبه اي نمو يذكر على الاحوال المعاشية للعاملين في هذا القطاع وذلك بسبب زيادة شدة العمل وطول يوم العمل ومع هذا فالاجور تتحرك بشكل معاكساً نحوالهبوط ، وقد تفاقم تردي اوضاعهم المعاشية وبشكل مستمر مع نشوب الازمة الاقتصادية عام 2008. وقد وضحتها في مقال قد نشر في الحوار المتمدن ((مع بداية عملي كسائق حافلة (عام 2010) ومن خلال ااجتماعي بالنقابة علمت انهم في اتفاقهم بسنة 2008 قد سلموا العاملين في هذا القطاع سلاحهم الوحيد لاصحاب العمل وذلك بالتوقيع على عدم فعل اي اضراب ، وعلمت ايضا قد أهدوا اسبوعا من اجازاتنا السنوية الى صاحب العمل (حيث ان جميع العاملين فوق خمسين سنة من العمر في القطاع العائدة للنقابة يحق لهم اجازة سنوية بستة اسابيع عدا سواق الحافلات بخمسة اسابيع) ، وكذلك اهدوا نسبة 40% - 50% من بدل العمل الليلي وعمل العطلات لهم . و خلال هذه السنوات الثلاث هاجموا على العاملين باشكال مختلفة 1- سحب بطاقة السفر السنوية للعمال (سعرها 8300 كرون) 2- سحب بطاقة مراكز التمرينات الرياضية (سعرها 3000كرون) 3- عدم تقديم الفواكه (والتي كانت يوميا) 4- عدم تقديم الفطور(والتي كانت مرة في الاسبوع) 5- اطالة يوم العمل الى 9-10-11 ساعة (بعدما كانت اقل من 8 ساعات) 6- حذف كثير من اوقات الراحة في اوقات العمل 7- زيادة شدة العمل وذلك بتقصير فترة السياقة (حيث التأخير و ضياع فترات راحة السواق) 8- التاخير في تصليح مشاكل الحافلات في اوقاتها(وتسبب بازعاج السواق) 9-المحاسبات الشديدة في المخالفات الحاصلة .))
هذا من جهة ومن جهة اخرى فان فقدان منظمة نقابات العمال لقاعدتها بين العمال ، قد اجبرت المنظمة لهذه الحركة لايقاف التدهور المستمر (انظر ، كانت اعضاء منظمة نقابات العمال 1.700.000 في عام 2008 واصبح 1.500.000 في عام 2010 ومن ذاك التاريخ يهجر العمال النقابات) . وحتى اصحاب العمل والدولة لايرغبون بذلك ، كي لايحدث ماحدث في 1909 او 1945.

سايت الحزب: شهدت معظم الدول الصناعية سلسلة من الاحتجاجات والاضرابات العمالية الضخمة وخصوصا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008، حيث ما زال الوضع الاقتصادي العالمي يشهد استمرارا لهذه الأزمة، وما زالت الطبقة العاملة في أوروبا تعاني آثارها وتدفع ثمنها من خلال تلك السياسات التي تنتهجها الانظمة الراسمالية. السؤال الذي يطرح نفسه هو اين مكانة وموقع المطالب العمالية العادلة من هذا الصراع الدائر بين الانظمة الرأسمالية والطبقة العاملة ؟ وكيف تقيمون نضالات العمال لهذه السنوات الاخيرة؟
جمال احمد: في هذه الفترات اي في اوقات الازمات ، فان الدفاع عن المكتسبات القديمة لهو اكبر انتصار؛ ومع الاسف فان الطبقة العاملة في حال يرثى لها في ظل توسيع دائرة البطالة وتمديد يوم العمل وتخفيض الاجور. ان مكتسبات كالعقود الجماعية،ودور النقابات في العمل ويوم عمل ثمان ساعات ، لها من العمر بقرن والان يراد مسح كل ذلك!!
ان التقاليد النضالية للعمال السويدين لايجاري التقاليد الثورية لعمال دول اخرى كفرنسا واليونان واسبانيا ،ولذا فان نهج الاشتراكية الديموقراطية السائدة واسلوب عمل منظمة (ئيل او) الانتهازيين قد عقم اية محاولة للدفاع عن العمال ، انهم يطرحون وجهات نظر اصحاب الاعمال ويبررون لافعالهم ويرضون بالقليل .
سايت الحزب: تبرز دائما مع الاضرابات والاحتجاجات العمالية في الدول الاوربية اسم النقابات والاتحادات العمالية. كيف ترون مساعي هذه النقابات؟ هل هي نقابات تدافع عن مصالح العمال وتعمل على تحقيق مطالبهم؟ ام هي تقوم بدور الوسيط المساوم مع الشركات واصحاب العمل؟

جمال احمد: كما يعلم الجميع ان النقابات الفرنسية او اليونانية اوالاسبانية ، منظمات نشطة تتواجه مع اصحاب العمل ، لكن ذلك لايرجع للنقابات نفسها وانما ترجع للتاريخ النضالي للعمال ودور الحركات السياسية المدافعة عن العمال من الشيوعيين واليساريين والفوضويين . لكن الوضع مغاير في السويد . فإن الاغلبية من العمال والجماهير ، المنساقة والمؤمنة بتقاليد بأن اليسار، بالاخص الحزب الديموقراطي الاشتراكي وكذلك حزب اليسار(الحزب الشيوعي سابقا) وحزب البيئة هم من يدافع عنهم في الحياة السياسية وان منظمة (ئيل او) يدافع عنهم في اوضاع عملهم ، ان هذا التفكير جعل منهم خاملين للدفاع عن انفسهم . ان مهمة تلك المنظمات السياسية والمهنية هو ان تنظم هذا المجتمع باحسن شكل ، اي ضمانة استمرار عمل الشركات المربحة وتسيير اعمالهم بسهولة وازالة اية عقبات امامهم وان كانت على حساب الوضع المعيشي للعمال .
ان النقابات في السويد ليس المدافع عن العمال ولا الوسيط بين العمال والشركات وانما هو جزء من الشركات (ان لم تكن هو من الشركات الضخمة. للعلم ان ئيل او تملك امكانية مادية هائلة مستثمرة في السويد وخارجها) . ان ما لمسته شخصيا في مواقع العمل هو، كما هو موجود تقسيم العمل في الادارة فأن النقابة هي قسم منهم للاشراف على العمال وحل مشاكل هذه الالة الحية ، بالضبط كما هو قسم صيانة الحافلات واماكن وقوفهم وقسم المشتريات الخ.
عندما تحس النقابات في السويد بوجود تذمر بين العاملين فانه يتحرك لاحتوائها ، كي لايتوقف تلك الالة المدرة للارباح عن العمل .
سايت الحزب: كيف ترى نتائج هذا الاضراب؟ وهل توجد ارضية ان ينتج عنه اضراب عام وشامل في هذه الفترة؟ ام ستقوم الشركات الكبرى واصحاب العمل باحتواء هذا الاضراب؟
جمال احمد: طالما بقية الحركة بقيادة (ئيل او) فهو بين ايدي امينة وتنتهي بانتصار كاذب للعمال وانتصار واقعي لاصحاب العمل ، او بكسب متواضع في بعض المطالب معلنة وواضحة ومضخمة في الاعلام وتنازل لكثير من المكتسبات التاريخية الغير معلنة للمجتمع وغامضة ومطاطية .
نعم لقد انتهت الاضراب البارحة ليلاً (27/6) وحصلنا على كل المطالب !!!!! هذا ما اعلنه الاعلام . ولكن لا احد في النقابة يعرف تفسير النقطة الثالثة والمرتبطة بضمانة عملنا عندما تتغير الشركات المقاولة !!!!ولكن نعلم حين يتغير متعهدي الادارة كيف يذبح قسم من العمال عقابا وتسلخ البقية . حصلنا على 1.732 كرون على مدى 40 شهراً معلنا في الاعلام ياللسخاء !!! وخسرنا 11.300 كل 12 شهرا ولا احد يعلم به الا العاملين في شركات النقل الداخلية .
سايت الحزب: عندما ياتي الحديث عن الاضرابات ومطالب العمال في القطاعات المختلفة، نسمع دائما تصريحات من ادارة الشركات واصحاب العمل بالتهديد بنقل استثماراتهم ورؤس اموالهم الى خارج البلد. ما هي رؤيتكم لهذه المسألة؟
جمال احمد: هذه البعبع الذي يُشِّهر به دائما ، لهو من اكبر الاكاذيب . ان الربح هو اله اصحاب العمل فانه يحج اليه دونما ورع او خوف من شيء . ان كان المنتوج سلعة ما فباستطاعة اصحاب العمل انتاجها في الخارج واستيرادها للداخل وقد فعلوا ذلك دونما سؤال احد وبداو بذلك في نهاية التسعينيات ومستمرة لحد الان (كما اعلم من عملي السابق فقد نقلوا صناعات الكترونية عديدة الى البرازيل ، لاتفيا ، وبالاخص الصين) ، اما اذا كان المنتوج كان خدمات فانهم لايستطيعون فعل ذلك ، كيف يستطعون انتاج خدمات النقل ورعاية المسننين والمعوقين واستراده الى الداخل؟ . لكن ان هددوا بجلب عمال مهاجرين من الخارج ! فان واقع الحال هو ان العمال المهاجرين الاَن يديرون قطاع الخدمات والعمال السويدين قد هاجروها زمناً .
ان الهجرة عملية طبيعية لراس المال والعمال كلاهما يبحثان عن ربح افضل او اجور افضل، لكن النظام العالمي يسهل للاول ويعيق الثاني . عدا الهجرات السابقة المتداولة للعمال السويدين ، فان ظاهرة هجرة العمال السويدين يفقأ العين بعد ازمة 2008 وبالذات الى النرويج فقد اصبحت كظاهرة عمال المصريين في العراق في ثمانينيات القرن الماضي بكل تبعياتها .

سايت الحزب: كيف تقرأ قيادة الاضراب؟ هل هي قيادة موحدة؟ هل تمتلك افقا سياسيا؟ ام ان حركتها المطلبية محصورة بالجانب الاقتصادي؟ بالرغم من اننا نشهد تجاوبا عماليا وجماهيريا مع قيادة الاضراب.

جمال احمد: كما أشرت سابقا الاضراب اعلنه نقابة البلدية والتي ينضوي تحت قيادتها قسم من عمال شركات النقل ، بدون علم واقرار العمال وكانت النقابة في تفاوض سري مع ممثل اصحاب العمل وتوافقوا ، عندئذ اعلن نقابة البلدية ايضا عن انهاء الاضراب . ان (ئيل او) اي الاتحاد العام للعمال في السويد تشتمل على اربعة عشر منظمة نقابية ، يجب اعتبارها كمكون للدولة ، جهاز بيروقراطي بامتياز ذو امكانية مالية ضخمة ، افقها السياسي واضح جداً وكذلك حركاتها الاقتصادية ايضا وهو الاشتراكية الديموقراطية . اما عن تجاوب العمال والجماهير ودعمهم للاضراب ، لم تكن تأييداً للنقابة وانما تاييدا للحركة ضد اصحاب الاعمال وتاييدا لتحسين اوضاع العمال.

سايت الحزب: هل تستطيع تحديد الظروف التي دعت العمال الى منح الكثير من التنازلات التي ذكرتها والتي قادت بشكل منطقي الى الكثير من التجاوزات التي لم يتوانى اصحاب العمل باستغلالها للحصول على تنازلات اكبر؟
جمال احمد: ليس العمال الذين دعوا الى منح التنازلات لاصحاب العمل ، العمال لاحول لهم ولاقوة ،ولكن ان الظروف الموضوعية اي الازمة الاخيرة والظروف الذاتية اي الوعي والتنظيم هما عاملا الضعف مما جعل العمال يقبلون بكل التطاولات عليهم . طالما الازمة مستمرة فحركة الانتاج تفرض عليهم التراجع وكذلك طالما العمال منتظرين النقابات الحالية بحل مشاكلهم ، فالامور لاتسير في صالحهم .

سايت الحزب: في النهاية، كيف ترى الحركة العمالية هناك؟ قوتها، وحدتها؟ وان كانت لها صدا اجتماعيا فلماذا برأيك تنحصر في الافق النقابي؟
جمال احمد: صحيح ترى هنا وهناك اختلافات في اساليب الحركة العمالية في الدول المختلفة وترجع ذلك لدرجة تطور تلك المجتمعات وتاريخ المواجهات بينهم وبين اصحاب الاعمال وتظهر باشكال مختلفة ، الا ان حركة الانتاج لاتدع اية سلام بينهم .
ان الحركة العمالية في السويد بشكل عام حركة ضعيفة نسبياً ( ليست من الناحية التنظيمه ومن ناحية الامكانيات المتاحة لها ومن ناحية درجة تطور المجتمع) ، انها ضعيفة في الية عملها في وعيها لدورها التاريخي وامكانياتها الفعلية ، ان الضعف الرئيسي لها هي انسياقها لسياسة الديموقراطية الاشتراكية والعمل البيروقراطي لمنظمتها.
اما بالنسبة للافق النقابي ، فليس الافق النقابي بحد ذاته مشكلة للعمال في نضالاتهم الاقتصادية اليومية ولكن باية اسلوب وباية سياسة تناضل بها النقابة؟ ذلك هو البيت القصيد. انظر الى رد فعل النقابات الفرنسية واليونانية وقارنه بالنقابات السويدية ، فترى ان النقابة كمنظمة للعمال لهو اكبر نقطة قوة ، لكن اساليب ادارة الصراع مع اصحاب العمل والهدف من المواجهات والبحث عن المصالح والمكتسبات ، ذلك يحدده دور النقابة .
ان الصراع بين العمال واصحاب العمل يومي ودائم تارة مستتروتارة صراع معلن ، وكذلك دور منظمة (ئيل او) بلجم الحركة العمالية لاوقات طويلة ولكن لااحد يضمن ذلك فان اشتد ذلك الصراع وفشلت النقابات الحالية في لجمها فمن الطبيعي ان يحدث ما حدث في الاضراب العام عام 1909 او في اضراب عمال المعادن عام 1945.