رسالة التضامن حول الانتخابات الجماعية


التضامن من اجل بديل اشتراكي
2013 / 6 / 28 - 00:20     

رسالة التضامن
إذا كانت الانتخابات التشريعية في 2007 قد كشفت عن عمق أزمة "المسلسل الديمقراطي" وطبقته السياسية ، فإن الانتخابات الجماعية لسنة 2009 قد أكدت الميولات الكبرى للمرحلة السياسة قيد التشكل و أماطت اللثام عن منظور النظام لتدبير أزمته السياسية خلال المرحلة القادمة. كما أعادت هده الانتخابات التأكيد من جهة أخرى، على فشل إستراتيجية "النضال الديمقراطي" ليس في تحقيق "الإصلاحات" التي وعدت بها فحسب، بل أيضا في تحسين تموقع أحزابها سواء على صعيد المؤسسات أو على المستوى الشعبي.
إعادة هيكلة التحالف الطبقي

1- بعد إدراكه أن المقاطعة الشعبية للانتخابات ليست مجرد سلوك ظرفي بل هي تعبير عن حالة متجدرة في أوساط الطبقات الشعبية. وان هده الحالة غير قابلة للتغيير على المدى المباشر خاصة في المدن، ركز النظام كل جهوده حول العالم القروي كقاعدة خلفية لضمان حد أدنى من المشاركة الشعبية لتجديد مؤسسات الواجهة الديمقراطية. ومن اجل حشد سكان البوادي والقرى ارتكز النظام على شبكات الأعيان وعلى التناقض بين المدينة والبادية وعلى العلاقات الزبونبة والعائلية التي لا زالت تلعب دورا مهيمنا في هيكلة علاقات الولاء والتبعية. وقد جسد التقطيع الانتخابي القائم على سياسة تذويب المدن في القرى أهداف هده المناورة: 1282 جماعة قروية(بنسبة 85 % )مقابل 221 جماعة حضرية(بنسبة15 % ).
2- بفعل تخلي كل القوى السياسية عن مطلب هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات وانخراطها دون شروط في عملية انتخابية تتحكم وزارة الداخلية في كل تفاصيلها، ستعود السلطة الحاكمة إلى الأساليب التي كانت سائدة في عهد الحسن الثاني، حيث السلطة هي الراعي والحامي للفساد. لكن هده المرة تحت يافطة "الحياد" بدل التدخل المباشر لتعيين المرشحين وتحديد الفائزين.
3- وبفعل افتقاد البرامج الانتخابية للثقة والمصداقية، ستعمل السلطة من خلال أحزابها على تمييع الحياة السياسية وإفراغ الانتخابات من كل محتوى سياسي وتحويلها إلى سوق تجارية يتنافس فيها الأعيان ورجال الأعمال تحت رعاية وزارة الداخلية.
4- لمعاقبة الشعب على عدم تلبيته لنداء الملك الداعي إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية في 2007 ، ستعود وزارة الداخلية إلى الأرشيف الانتخابي لتستخرج وصفة وزير الداخلية الماكر أجديرة لإهانة الشعب وإذلاله واحتقار ذكائه: تعديل نسخة جديدة من حزب "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" تتألف من بقايا الأحزاب الإدارية الأكثر تفسخا،والنخب الأكثر انتهازية ولصوصية، تتمحور حول شبكات الأعيان الأكثر رجعية المافيا العقارية الأشد رجعية وولاء للسلطة(الأصالة) ورجال الأعمال من البرجوازية الطفيلية التي أفرزتها سياسة الاندماج في العولمة الرأسمالية (المعاصرة) مع تزويق هدا الخليط الهجين ببعض المرتشين من جمعيات المجتمع المدني، و بعض المعارضين السابقين الطامحين في التقرب من السلطة تعويضا عن فشل مسارهم السياسي لإضفاء صفة "الحداثة والديمقراطية" على هدا التجمع الرجعي.
5- منحت وزارة الداخلية " جرار" عربتها السياسية أغلبية المقاعد والأصوات ووضعته على رأس الأحزاب.
إن حزب " الجرار" هو في نفس الآن، أداة لإعادة هيكلة الأحزاب المخزنية التقليدية وأداة لإعادة هيكلة تحالف طبقي رجعي كقاعدة اجتماعية للنظام خلال المرحلة القادمة. وقد شكلت الانتخابات الجماعية 2009 محطة مفصلية للتقدم نحو نقل مركز تحالفات المخزن، من الطبقات الوسطى والبرجوازية العصرية التي شكلت طليعة الطبقات السائدة المستفيدة من الانفتاح المعمم على السوق الرأسمالية العالمية والخوصصة نحو البرجوازية الزراعية وملاكي العقار والأعيان والبرجوازية الطفيلية . وهي القاعدة الاجتماعية الموضوعية لمشروع "المغرب الأخضر" الذي تحت غطائه سيتم تنظيم اكبر هجوم على الأراضي الفلاحية . ونشير إلى إن الأراضي الجماعية التي سيتم الاستيلاء عليها بتزكية من مجالس انتخابات 2009 تناهز حوالي 20 % من إجمالي الأراضي الفلاحية بالمغرب بالإضافة إلى ما تبقى من أراضي صوديا وسوجيطا والملك الخاص للدولة.
إن الخريطة السياسية الجديدة، المتشكلة من حزب الأصالة والمعاصرة وباقي الأحزاب المخزنية الدينية والإدارية وحزب الاستقلال، هي "الواجهة الديمقراطية" لمشروع " المغرب الأخضر".
وإذا كان النظام قد نجح في بناء تحالف طبقي جديد باستخدام نفوذ السلطة وإمكانيات الدولة ، المالية والإعلامية، والارتكاز على علاقات الزبونية في ارتشاء واستقطاب النخب المحلية، فان طبيعة هدا التحالف تعري عمق أزمة النظام وتكشف عن هشاشة قاعدته الاجتماعية والسياسية.
إن المغرب قد دخل إلى مرحلة جديدة مفتوحة على عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. فادا كانت قاعدة هرم السلطة محدودة وهشة فان قمة هرمها مرشحة للتصدع. وهكذا في غياب قطيعة سياسية واعية ومخرج ديمقراطي من الأزمة السياسية فانه لا يجب استبعاد تكرار أحداث شبيهة أو طبق الأصل لمسلسل الاحداث التي عرفها المغرب بعد فشل تجربة " جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" في توفير غطاء سياسي لازمة النظام .

إفلاس اليسار الإصلاحي

1- الدرس الأخر الذي يجب استخلاصه من انتخابات 2009 يمكن تلخيصه بالإفلاس السياسي لأحزاب اليسار، الحكومي والبرلماني.فقد أكدت الانتخابات الجماعية أن كبوة اليسار في انتخابات 2007 لم تكن مجرد حادثة سير، بل إن فشله الانتخابي هو تعبير عن ميل عام نحو الانحدار.
إن حصول تحالف اليسار الديمقراطي على نسبة 1.7 % من الأصوات المعبر عنها، تؤكد ليس فقط هامشية مكوناته وعزلتها السياسية عن الطبقات الشعبية، بل أيضا مؤشرا على فشل إستراتيجيتها السياسية. إن اكبر دليل على هدا الفشل هو فشل تحالف اليسار الديمقراطي في نيل تعاطف الشغيلة المنضوية داخل نقابة كدش التابعة له سياسيا رغم نداء مكتبها التنفيذي للتصويت على لائحة هدا التحالف. وادا كان تحالف اليسار قد حصل على 475 مقعدا بنسبة1.7% فان هده المقاعد لن تكون قوة داعمة للنضالات الاجتماعية والديمقراطية، بقدر ما ستشكل حافزا إضافيا لتسريع وتعميق سيرورة الاندماج في جهاز الدولة والخضوع للنظام المخزني، نظرا لطبيعة المؤسسات المحلية نفسها التي ستفرض على ممثلي تحالف اليسار الديمقراطي الدخول في تحالفات غير مبدئية ومن موقع أقلية.
2- باستقلال عن النتائج وحصيلتها فقد شكل غياب أي اختلاف جوهري بين البرامج الانتخابية مرآة تعكس تطابق "تعددية حزبية مزيفة" مع "ديمقراطية سياسية مزيفة". فكل الأحزاب تقبل باقتصاد السوق وبالاندماج في السوق العالمية من موقع تبعية، وتقبل بالدستور المكتوب والدستور غير المكتوب ( حزب واحد بلوائح انتخابية متعددة).
3- إن مبررات تحالف اليسار الديمقراطي المشاركة في الانتخابات لم تصمد لمدة طويلة.
فمبرر القيام بحملة سياسية لتعزيز الارتباط بالجماهير الشعبية تحول إلى مجرد حملة للظفر بمقاعد داخل المؤسسات. فقد خلت حملات أحزاب اليسار وبرامجها الانتخابية من تطلعات الجماهير الشعبية ولم تعكس قضاياها الاجتماعية. وبدل تحديد وسائل وسبل تحقيق مطالب وتطلعات الجماهير الشعبية،سقطت أحزاب اليسار هي الأخرى في إعطاء وعود عامة لا احد يثق بإمكانية تحقيقها، مساهمة في تغذية الأوهام حول إمكانية تحقيق التطلعات الشعبية والمطالب الاجتماعية عن طريق المؤسسات، دون حاجة إلى تغيير موازين القوى أو ضرورة لتغيير النظام السياسي بشكل جدري.
المبرر الثاني ،هو المشاركة من اجل محاربة الفساد والمساهمة في تدبير أفضل للشؤون المحلية. يرتكز هدا المبرر على مغالطتين: الأولى هي استقلالية المؤسسات المحلية عن السلطة المركزية والثانية هي إمكانية التأثير في السياسة المحلية دون تغيير السياسة المركزية.إن استقلالية تدبير الشؤون المحلية عن السياسة المركزية هي استقلالية نسبية في دول مثل السويد والدانمارك، أما الحديث عن الاستقلالية في المغرب حيث يتحكم المخزن ويسيطر على كل شيء فهو يكشف بشكل جلي على أن اليسار الديمقراطي ليس له من أفق سياسي سوى أفق الاندماج في مؤسسات وسياسات الطبقة الحاكمة.

ضعف وتشتت اليسار الجدري.

لقد اخترق صفوف اليسار الجدري موقفان:
الموقف الأول عبر عنه النهج الديمقراطي والتضامن من اجل بديل اشتراكي، وهو موقف المقاطعة الصريحة والنشيطة للانتخابات.و رغم القمع والاستفزاز والتضييق والحصار الإعلامي فقد جسدا هادان التياران، كل حسب إمكانياته وقدراته هدا الموقف من خلال حملة سياسية هي الأولى من نوعها . وقد لعب الرفاق في تيار النهج دورا محركا في هده الحملة، وهو ما يشكل في نفس الآن، قطيعة مع تقاليد المقاطعة السلبية والمقاطعة اللفظية وتجربة تأسيسية لنضال سياسي جماهيري.
الموقف الثاني هو " عدم المشاركة" وتجسد هدا الموقف في إصدار بيانات وشعارات عامة ومجردة لا تدعو صراحة إلى مقاطعة الانتخابات ولم يقم أصحابها بأية حملة سياسية نشيطة في صفوف الجماهير. ويعكس هدا الموقف حالة ارتباك سياسي مصدره رؤية ضيقة ونخبوية للنضال السياسي (من داخل المؤسسات وليس من خارجها) وضبابية وأوهام حول مؤسسات رجعية لا تمنح منبرا للساسة الليبراليين فبالأحرى منبرا للثوريين.
لقد غاب عن هؤلاء الرفاق أن النضال ضد الاستبداد وفضح المؤسسات الديمقراطية المزيفة،ليس " عملا منبريا" بل هو "عمل ملموس" في الشارع، لا يتجه نحو مخاطبة الطبقة العليا بل يتجه نحو تعبئة وتنظيم الطبقات السفلى. لقد اخفق دعاة " عدم المشاركة" في إدراك اللحظة المناسبة للتشهير بالاستبداد وفضح واجهته الديمقراطية،أي لحظة سعي الاستبداد لتجديد مؤسسات واجهته الديمقراطية.
لقد شكلت الانتخابات الجماعية فرصة أخرى لانخراط قوى اليسار الجدري في حملة سياسية موحدة للتقدم نحو بناء جبهة سياسية مستقلة عن اليسار التقليدي، ويجب أن تشكل منطلقا لمعارك سياسية موحدة ضد النظام ومؤسساته، تتجاوز الحدود الضيقة للمعارك النقابية والاجتماعية والقطاعية.