لماذا تتعارض العروبة مع الاسلام


جورج حزبون
2013 / 6 / 24 - 15:16     


كتب طه حسين في جريدة السياسية عدد 19 تاريخ 17 تموز 1926 ، العلم من اختصاص القوة العاقلة ، والدين من اختصاص القوة الشاعرة ، وكتب صمويل هنجنتون ، مع زوال الايدلوجيا كمصدر للهوية يعود الدين للواجهة ، الاول قبل قرن ، والثاني مع اطلالة عصر العولمة في التسعينيات ،وكانه كان تشخيص او تحذير لما هو مقبل ،لقد اوصل الصراع بين القومية العربية والاممية الاسلامية ، الى تدمير الوطن العربي ، ولم تعد الامور تحتاج الى تفاصيل وعناوين ، فقد دمرت بغداد ولا زالت تعاني وسحقت الشام ولا زالت تأن ، والقاهرة تتمزق ، ونزعات الانفصالات الاثنية والقومية والمذهبية تتنامى ، فكيف حصل كل هذا ؟، لا يجوز ان نستمر في تحميل الامبريالية والاحتلال ازماتنا ، فان نجح هؤلاء فيما وصلنا اليه ، فهو بسبب استعدادنا للاختراق وعدم قدرتنا على اقامة نظام عربي وحدودي وقومي ، صارعنا من اجله طيلة القرن العشرين ، واليوم نستقبل القرن الحادي والعشرين ونحن طوائف ؟!
لا شك ان البحث فيما حصل يحتاج الى حلقة بحث ودراسات معمقة ، وللمساهمة الابتدائية لا بد ان يكون لكل مواطن تصور عما حصل وما هو حاصل ، والسؤال المفصلي هنا ، لماذا لم يستطيع العرب ان يقيموا دولة ولم يستطيعوا ان يتوحدوا ، خلال الحكم العثماني توحدت العروبة امام حملات التتريك ، واستندت الى تراثها ، ولم تظهر للشعية والسنة والمسيحية والعلوية والكردية والدروز وغيرها اي حضور او نزوع نحو الانفصال بل احيانا قادوا نضال العروبة مثل الدروز وحتى الكرد .
الاطماع الاستعمارية كانت دائماً موجودة واحتلالها لاجزاء من الوطن العربي فجر ثورات شهد لها العالم ، وفي ظل النضال من اجل انهاء الاستعمار في الوطن العربي الذي ورث السلطة العثمانية ، توحدت قوى العروبة ، بل وتشكلت احزاب وتنظيمات لتعميق الفكر القومي ، وتأكيد العروبة كحالة لاستمرار المقاومة ، والدفع باتجاه الوحدة العربية .
الا ان هذا المناخ العروبي والذي اخرج بريطانيا من عدن واجلاها عن مصر ، وهزم فرنسا في الجزائر وفجر ثورة اليمن وثورة طفار والثورة الفلسطينية ، لم يكن مريحا للمستعمرين ويشكل خطراً على زرعهم الاثم في فلسطين ، وقد اصبحت اسرائيل قاعدة متقدمة لهم ولااعداء التقدم العربي كافة سواء بالتأمر او بالحروب ، واخطرها اوهمها وما يبرز خلالها ذلك التحالف الاستعماري حرب السويس ، وتحريك عملية الانفصال في سوريا ، ثم حرب 67 ، ثم ما تلى من حروب محدودة وغير محدودة .
فاذا كانت العروبة مستهدفة ، والدولة العربية موحدة مستهدفة ، منذ تجربة محمد علي 1830 وتجربة الحسين بن علي عام 1916 ، وتجربة عبد الناصر ، فلماذا !؟ لم يعد ممكناً توحيد الجهد العربي لاخذ المبادراة ومواصلة طريقه التي كان اطلقها بالالاف الشهداء منذ الحرب العالمية الاولى واثناء مقاومة التتريك ؟؟ .
الامر هنا واضح وبسيط ، فحين ادخل الدين للمعركة ، بايدلوجيا الاممية الاسلامية والتي ترى العروبة دعوة معادية للاسلام ، بدأت الشروخ في الجسم العروبي ، وهنا نعود الى قول طه حسين ن وهنتجنون ، والتي تؤكد ان القوة العاقلة ، هزمتها القوة الشاعرة ، المعززة بالبترودولار والاف رجال من وعاظ السلاطين واصحاب الفتاوى التي اوصلت الوعي الديني الى ان يصبح ارهاب فكري ، وعنصر قهر للحركات الوطنية ، وحولت الدين بشكل رومانسي الى خيال خصب ساهم في اطلاق عنان عناصر شابة محرومة منغلقة بالتربية والانكفاء الاجتماعي ، وتم دحر القوة العاقلة ، التي وجدت ان الوطن الحر الامن المستقل ، هو فقط حاضنة الايمان والدين وحرية التعبير والعبادة ، فلا اكراه في الدين ، ولكنه اليوم قهراً دينياً باسلحة اطلسية وتوجيه الناتو.
كان جمال الدين الافعاني وبالاشتراك مع الشيخ المستنير محمد عبدو ، معاً اطلقا من باريس صحيفة ( العروة الوثقى ) الداعية الى الوحدة العربية ورفض التتريك ، ويعد جمال من مؤسسي الفكر الديني العصبوي ، فكان عروبياً مع محمد عبدو ، وكان عضو من الحركة الماسونية في فرنسا ، وابو الاعلى المودودي ( باكستان )صاحب المقدمات الايدلوجية الاسلاموية التي امتدت الى رشيد رخا وحسن البنا ومصطفى شكري وكافة الحركات المتطرفة الداعية الى سلفية عصبوية دعيب حركة الاسلام السياسي ، فابو الاعلى هذا كان يدعو الى عصبية دينية ذات فكر متخلف ، يحكم دعوته الى تحريض مسلمي الهند لمحاربة الهندوس واقامة دولة باكستان، التي ورثت ذلك الفكر حتى وصل طالبان ،وجمال الافغاني كان يدعو حين اقام في استنبول الى الاممية الاسلامية ويرفض الدعوات الوطنية خاصة العروبية منها .
فكان من السهل لاعداء الوحدة العربية استخدام الدين كاداة تستطيع العمل على تفتيت القومية العربية باستدعاء المقدس ،وقد استنتجوا ذلك من تارب الهند وتركيا ومصر وغيرها التي اشتملت فيها الدعوات على رفض الوطني والقومي واتجهت بعيداً الى دعوة للخلافة والى اقامة الدولة الاسلامية ، بحيث تمت محاصرة الفكر القومي دينياً بالاسلحة ، وعسكرياً عبر اسرائيل والدور الاميركي المحاصر لاية فرص وامكانيات نجاح حركة وحدة عربية او تنموية ،كما حصل في السد العالي الى الانقلابات المتتالية في سوريا ومن ثم فض الوحدة مع مصر وا فتعال حرب اليمن والحروب المركزية المتتابعة حتى انهكت الحركة الوطنية ، التي انهضتها مرحلياً الثورة الفلسطينية والتي عالجوها بذات الاسلوب ، وهو تحريك اسلاموي سلفي .
ودون حاجة لدراسة اية تفاصيل فان الدولة الدينية غير ممكنة في الحاضر ، كما لم تنجح في السابق وعلى نطاق العالم باسلامه ومسيحيه وهندوسه ، والدولة المدنية هي القادرة على اطلاق مبادرات الناس عبر حريتهم ، واخذ او مواصلة مسيرتهم نحو دولة عربية وحركة قومية ووقف اهدار مقدرات الامة العربية من طرف المشيخيات الغارقة في عالم ضبابي ، حتى اصبحت خنجر في خاصرة الامة .
فطريق الحرية والاستقلال يمر عبر التحرر الداخلي واقامة دولة ديمقراطية، وان الدولة المدنية ليست خصما للدين ، كما وان العروبة هي حاضنة الاسلام !!ولا ضرر من ان يكون العرب اسلام والفرس اسلام والترك اسلام وغيرهم، فماذا التركيز على ان الوطنية العربية عداء لللاسلام ، الم يكون الحضور التركي الاسلامي احتلالا ، الم يعلن الخميني عن حق الفرس في قيادة الاسلام ومنهم العرب طبعا.