يا لروعة الأمل


أحمد الناصري
2013 / 6 / 23 - 21:35     


حروف الأيام والكلمات تطير بيننا وفوقنا، تعصف بنا، تمزح معنا، تطاردنا، تشاكسنا وتعاندنا، تمزق الصمت الثقيل، وأحياناً تمجد الخراب العظيم. لكنها تسقط محطمة ومقتولة بين المدى والردى، على أكف الناس ووجوههم، حيث يتراكم سخام وغبار الحزن والرعب فوق أرواحنا وشوارعنا وحدائقنا ومدننا وعلى بقايا الأمل البعيد والمراوغ، حيث يحاصرك الدم والأنين أنّا اتجهت ويممت وجهك، وأنت تدور تائهاً بين الناس، في البلدان والمدن والتاريخ، تتمسك بالصداقات وبحجر الذاكرة والأمل وبالمقاومة وحب الحياة والعلاقة بالأرض وبالمعاني الجميلة للحياة والتجربة، رغم كل أهوال الدروب والهروب والملاحقات والزنازين والحروب (الأولى والثانية والثالثة وال...)، ولم تسترح إلا لماما، وقد استرحت على صخرة تحت نخلة أو سنديانة، بعد طول مسير وسط أوحال السنوات، ونظرت حولك ملياً لترى ما ترى من خراب مريع أنتشر وغطى وجه الأرض والسماء والأفق...
بعد ملاحقات عام 79 الرهيبة والشاملة، بدأ يعشش ويتراكم الحزن والخوف وينمو تحت جلودنا وفي دمنا ويأكل من جرف السعادة ووقتها، بينما الفرح والضحك ينحسر ويتراجع. وفجأةً وبسرعة خاطفة، كما في الكوابيس الثقيلة، لكن بتخطيط وتدبير اشتعلت الحرب العراقية الإيرانية التي حطمت الملايين بين قتيل وجريح ومعوق وأسير وهارب ومطارد ومصدوم ومصاب بهلع الحرب وكوابيسها. يومها كنت أنتظر من يتدخل لإيقافها وإنهاء دورة الموت، وأن أسمع البيان الأخير يعلن وقف أطلاق النار وموت الحرب، لكنها استمرت لثمان سنوات مرعبة، دمرت ونخرت كل شيء وأسست لخراب قادم وجروح وشروخ لا شفاء منها إلى الآن على الأقل، وستبقى إلى مدى آخر غير معلوم. بعدها زحفت علينا أزمة الكويت وأمسكت بتلابيب الوطن والناس، وطبقوا الحصار القاسي والمطبق، ثم قاموا باجتياح الوطن وانهزمت الفاشية المتخلفة، وأسسوا نظاماً طائفياً، لتقوم أكبر وأقذر حرب مفخخات في التاريخ لم تزل قائمة، بل هي في أوجها، وشلالات الدم تسيل في الشوارع من دون حل قريب...
تابعنا بقلوب يعتصرها الألم والخوف حرب المدن (العراقية الإيرانية) الطويلة، ثم جاءت حرب تدمير المدن وإعادتها إلى العصر الحجري على يد الأمريكان بواسطة صواريخ توما هوك التي انطلقت من المياه العربية، والطائرات الحديثة التي انطلقت من السعودية وقطر والبحرين والأردن وسيناء، لتثير الترويع والصدمة والرعب في قلوب الناس أثناء الاجتياح والاحتلال وسط حفلات ماجنة ترحيباً بالموت.
كل هذه العواصف الدموية التي ضربت الوطن، كانت جرعات دموية زائدة، وكان لها أن لا تقع على الناس وتقتلهم بهذه الطرق الوحشية وبهذا التكرار العجيب والمتواتر! كل ذلك قد ترك آثاره وندوبه وانتهى تقريباً، بمعنى أنه نفذ مهامه القذرة. لكن من جديد، وكاستمرار لمشروع تدميري كبير ومتواصل، عادوا وأطلقوا حرب من داخل المدن، هي حرب المفخخات وتفجير كل جسد نافق يستعجل الذهاب الى الجحيم واللعنة والخروج من التاريخ الإنساني بواسطة الطائفية والموقع الطائفي الكريه، حيث أن العقل الإرهابي المنحط والدموي، العقل العدواني الناقم على الحياة والوجود الإنساني الطبيعي، يعتمد في سلوكه ومنطلقاته على خليط من نصوص وطقوس دينية ووثنية قديمة وفتاوى غامضة، كانت تتعلق بالأضحية والقتل الجماعي والتعامل مع الخطأ المفترض والآخر (المغاير) وقضية الخير والشر (التطهير بالدم) المفترض أيضاً، وجملة الطقوس القديمة اللادينية والدينية البدائية، رغم محدوديتها في تاريخ العقل البشري على مستوى التنظير، ووجودها الواسع في مجال التطبيق الفردي والجماعي، من خلال الغزوات والفتوحات والحروب الداخلية الدينية والاقتصادية الأهلية، والحروب الخارجية الطويلة والطاحنة، وصولاً إلى القمع والاستبداد الحديث والمنظم (بواسطة الدولة كأداة للقمع) بأبشع وأعنف صوره، مع خصائص جديدة طرحتها حركات الإسلام السياسي التكفيرية والفاشية، من خلال جرعة عنف دموية زائدة، وهي تتباهى بمنظر الأشلاء المتناثرة وكمية الدم المسفوك، بصخب إعلامي، على شاشات التلفزيون وبرامج الانترنيت. والمطلوب والمهم أولاً وقبل كل شيء أن يتوقف القتل الجماعي فوراً!
بعد كل هذا وذاك، ومع كل القادم الأسود الحالك، في بلدنا وعموم المنطقة، وحيثما يتأهب ويحتشد (الأسد) أو العدو، في كل المياه والأرض والسماء العربية، فأننا نجنح للأمل وللمقاومة، ونتمسك بهما ونتطلع للمستقبل، رغم كل الخراب المريع، ورغم الردة العامة، فثمة وردة في نهاية النفق الطويل، ما دامت الحياة سائرة في طريقها وعلى طريقتها الحياتية البسيطة والسهلة والمباشرة.
الحياة للناس وهي سيرتهم ويومياتهم وأملهم...
فيا لروعة الأمل!