ازمة الحركة النقابية: أي دور لليسار؟


التضامن من اجل بديل اشتراكي
2013 / 6 / 23 - 13:39     

بمناسبة المؤتمر الاخير لنقابة ا.م.ش الذي اعقب وفاة زعيم البيروقراطية، بعثنا برسالة الى النقابيين الديمقراطيين داخل هذه النقابة نحثهم فيها على نهج سياسية نقابية مستقلة عن البيروقراطية معتبرين ان المؤتمر هو مؤامرة لانقاد البيروقراطية المنهارة وليس مؤتمرا لاستعاد الديمقراطية وربط النقابة بهموم ومصالح الشغيلة. الرسالة تم تعميمها من خلال اللوائح وبعض المواقع الالكترونية.
مباشرة بعد اندلاع الازمة داخل أ.م.ش قمنا بنشر عدد من المقالات عبر المواقع الالكترونية بهدف توسيع وتعميق النقاش حول هذه الازمة وسبل تجاوزها. بطلب من الرفاق في جريدة النهج الديمقراطي وبمناسبة فاتح ماي قمنا بإعداد مقالة تركيبية لمضامين هذه المقالات تعميما للفائدة وتوخيا لتعميق النقاش في صفوف مناضلي اليسار النقابي.
بنية الطبقة العاملة المعاصرة: المقصود بالطبقة العاملة التي نتحدث عنها هم كل من هم مضطرون لبيع قوة عملهم، اليدوية أو الفكرية، لتلبية حاجياتهم الاجتماعية الضرورية. أي كل الذين لا تسمح حصتهم من القيمة المضافة التي ينتجونها بمراكمة ثروات تعفيهم من بيع قوة عملهم لتلبية حاجياتهم الاجتماعية. ويدخل ضمن هذه الطبقة كل الذين واللواتي لا تختلف شروط وجودهم وحياتهم الاجتماعية عن وضع الاجراء، أي الذين لا تتعدى قيمة حصتهم من التوزيع الاجتماعي قيمة حصة العمال من فائض القيمة بغض النظر عن شكل الحصول على هذه الحصة.
ضمن هذا التصنيف يدخل المهندس والعاطل والعامل في وسائل الاتصال الحديثة وعامل النظافة والموظف والممرض وعمال المناجم والبناء والنقل والفلاحة ومستخدمي البنوك والشركات العمومية والخاصة... المعيار الحاسم هو العلاقة بوسائل الإنتاج والتوزيع الرئيسية في المجتمع (المالكين وغير المالكين) وقيمة الحصة من التوزيع الاجتماعي لفائض الانتاج. ونتيجة هذه العلاقة نفسها وشكل اشتغال النظام الرأسمالي لا توجد طبقة عاملة متجانسة مهنيا واجتماعيا، وتبدو حالات الانقسام الفئوي صفة ملازمة لتطور الرأسمالية، فقد عمقت اعادة الهيكلة الاقتصادية وخوصصة الخدمات العمومية وتفكيك علاقات الشغل والقوانين الاساسية المنظمة للشركات والقطاعات العمومية من حالة الانقسام. فعلاوة على الانقسام القطاعي ازداد النسيج الاجتماعي للطبقة العاملة تمزقا مع ظهور فئات وأوضاع مهنية جديدة (العمل المؤقت والعرضي والجزئي والعمل من الباطن...) كما غير تزايد عدد النساء في سوق الشغل طبيعة الطبقة العاملة.
شروط عمل هشة ووضع اجتماعي مفكك: حسب احصائيات مندوبية التخطيط هناك اكثر من 40٪-;- من النشاط الاقتصادي غير المهيكل في المدن الكبرى (الدار البيضاء) والعالم القروي. وهناك اكثر من 1,2 مليون وحدة انتاجية تشغل حوالي 2 مليون شخص في شروط عمل غير رسمية. وتمتص تجارة الشارع والباعة المتجولين فئات واسعة من العمال العاطلين عن العمل (حوالي 5.6 من العمال، حسب مندوبية التخطيط).
اما التمييز في العمل والأجور فهو ظاهرة عامة. فالتصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يتوقف على رغبة ارباب العمل. ولا يتجاوز عدد المصرح بهم 2345000 أجير، بينما 15,5 % من الشركات لا تصرح الاب اجير واحد (رب العمل او احد اقاربه) اما عدد المستفيدين بشكل كامل فلا يتعدى 18 %. وأكثر من 43 الف شركة لا تؤدي الحد الادنى للأجر لعمالها (حوالي 37 % من الاجراء) هذا دون احتساب 7 ملايين من المتقاعدين الذي لا يتعدى تعويضهم الشهري 600 درهم. بينما لا يتمتع 7,4 مليون باي تعويض عن الشيخوخة.
نستخلص من كل هذه العناصر القاعدة المادية لأزمة العمل النقابي:
ازمة العمل النقابي: ان ابلغ دلالة على عمق ازمة الحركة النقابية هو تدني تمثليية النقابات للعمال. ففي الوقت الذى كانت فيه نقابة الاتحاد المغربي للشغل تنضم 600000 عامل من اصل ساكنة لا تتعدى خمسة ملايين نسمة! يقل بكثير عدد المنتسبين الى النقابات اليوم (أكثر من 20 نقابة) عن 5٪-;-. صحيح ان الحرب التي يشنها ارباب العمل على العمل النقابي والنقابيين ودعم تشكيل نقابات صفراء موالية وارشاء القيادات قد ساهم تقليص القاعدة الاجتماعية للنقابات، لكن هذه العوامل غير كافية لتفسير ازمة العمل النقابي.
ومن بين تجليات هذه الازمة انفصال النقابات وخاصة المركزيات النقابية عن الواقع الجديد للطبقة العاملة. فإذا ما سلطنا الضوء على بنية الطبقة العاملة الحالية وشروط العمل سنجد ان الغالبية العظمى من الشغيلة ليست في وضع النضال من اجل الدفاع عن مكتسبات (غير موجودة اصلا) بل في وضع النضال من اجل انتزاع حقوق وهذا لا يتطابق مع الواقع الحالي للحركة النقابية.
كما ان دينامية الأزمة الرأسمالية ونظام تراكم ليبرالي استعماري لا يتوافقان مع الحفاظ على المكاسب الاجتماعية بالنسبة لغالبية القطاعات العمالية. فالمعاقل العمالية التي كانت تتمتع باستقرار العمل وتشكل العمود الفقري للحركة النقابية (المناجم والوظيفة العمومية والقطاع العام) قد تم تفكيكها بعد عقود من اعادة الهيكلة. وكون النقابات لا تنظر الى العمال والموظفين إلا كزبناء مهنيين ولا يهمها، وفي احسن الأحوال سوى حياتهم المهنية كما لو ان العامل والموظف الة ميكانيكية لا حياة لها خارج العمل، فقد وجدت النقابات نفسها تبعا لهذه النظرة منفصلة عن المسالة الاجتماعية ومجرد وسيط مهني لا شرعية اجتماعية لها في منظور الغالبية الساحقة من العمال والموظفين. وقد تقلص افق الحركة النقابية نتيجة لهذه العلاقة المصلحية والزبونية المتبادلة، حتى اصبحت بدون افق سياسي واجتماعي وكأن العمل النقابي والحركة النقابية ليس لديهما ما يقولانه حول القضايا السياسية العامة والمشاكل الاجتماعية الرئيسية في المجتمع. يشكل هذا الانفصال عن المجتمع وقضاياه احد اسباب ضعف الحركة النقابية وتقلص شرعيتها الاجتماعية.
ان أزمة الحركة النقابية ليست مجرد أزمة تنظيمية أو يمكن اختزالها في الطبيعة البيروقراطية لقياداتها. فغياب الديمقراطية وتسلط القيادات البيروقراطية على الاجهزة النقابية هو واحد من جوانب الازمة فقط. اما الازمة الحقيقية وقاعدتها المادية فجذورها متشابكة مع العولمة الرأسمالية وأزمتها ومع التحولات التي عرفها الصراع الطبقي خلال هذه المرحلة من تطور الرأسمالية.
وعلى عكس مرحلة الازمة الكبرى التي عرفتها الرأسمالية خلال القرن الماضي وانتصار الثورة الاشتراكية والتي سمحت بتحسين شروط العمل والحياة والنضال بالنسبة للطبقة العاملة العالمية، فان تحصين المكتسبات الاجتماعية والديمقراطية في ظل الازمة الحالية لم يعد يتوقف على قيام وماسسة تعاون وتوافق طبقيين، بل يتطلب احداث تغيير جذري في العلاقات الطبقية. من هذه الزاوية تبدو الحركة النقابية التاريخية عاجزة، ليس فقط عن تعديل موازين القوى لصالح الطبقة العاملة، بل عاجزة عن تنظيم المقاومة لصد الهجوم وتارة تمثل طرفا وشريكا رئيسيا في هذا الهجوم.
هذه هي الخلفية التي تدفعنا الى تطوير النقاش حول ازمة العمل النقابي ونقله من مظاهر الازمة وتداعياتها الى عمق القاعدة المادية والطبقية التي نعتقد انها تشكل الاسباب الفعلية والحقيقية لهذه الازمة. ان هدفنا طبعا، ليس هو السجال او قراءة مسارات الصراع الطبقي، بل ان هدفنا وحافزنا هو فتح نقاش جماعي مع كل النقابيين المدافعين عن مشروع نقابي بديل حول الخطوات والمبادرات والتحالفات والتكتيكات الممكنة لبلوغ هذا الهدف. لقد سبق ان اطلقنا هذا النقاش مع نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي تحت رفض ولامبالاة بل واستخفاف من قبل كثير من النقابيين، وتمت مقاطعة الملتقيات النقابية الديمقراطية التي كانت تحتضن هذا النقاش والهجوم وتشويه المبادرات التي كان هدفها تعبئة وتجميع القوى النقابية المناهضة للخط البيروقراطي بهدف تشكيل وبناء توجه نقابي طبقي ديمقراطي يكون العمود الفقري لإعادة تنظيم الشغيلة وبناء حركتها النقابية.
وها نحن اليوم على بعد عقدين من انطلاق هذا النقاش فهل يمكن تجاهل الاسئلة التي طرحتها الملتقيات النقابية الديمقراطية: ما هو دور اليسار داخل النقابات تدبير المشروع النقابي البيروقراطي ام بناء مشروع نقابي بديل؟ وهل يتوفر اليسار على مشروع نقابي؟ كيف يرى اليسار علاقة النضال النقابي بإستراتيجية النضال الشامل من اجل التغيير؟ ما هي رؤية اليسار لإعادة توحيد الحركة النقابية ودمقرطة منظماتها وتحريرها من الفساد والاستبداد البيروقراطيين؟ اية علاقة بين النضال النقابي والنضال الشعبي العام؟.