حول الاختيارات التكتيكية لجماعة المناضل ة


التضامن من اجل بديل اشتراكي
2013 / 6 / 22 - 01:38     

ينفرد الرفاق في جماعة المناضل ة بعدم نفيهم للتحالف مع جماعة العدل والإحسان، ويبررون هذا التحالف بالشروط الملموسة للصراع الطبقي بالمغرب. ويماثلون علاقة التحالف هذه، بتكتيك الثوريين مع الأحزاب العمالية الإصلاحية (الضرب سويا لكن مفترقين،حسب تعبير التقاليد الماركسية الثورية) لكنهم يغفلون كون تحالف الثوريين مع الإصلاحيين في القرن الماضي لم يكن تحالفا على قاعدة أرضية سياسية موحدة وإطار تنظيمي موحد، كما هو حال التحالف الذي يدافعون عنه مع الإصلاحيين والرجعيين داخل حركة 20 فبراير.
من رفض كل تحالف إلى التحالف غير المشروط
بماذا يمكن تفسير الانتقال المفاجئ لجماعة المناضل ة من رفض أي تحالف سياسي مع تيارات اليسار الجذري، بدعوى عدم توفر شروطه، إلى التحالف مع التيارات الديمقراطية الإصلاحية والأكثر من ذلك مع جماعة العدل والإحسان السلفية رغم عدم توفر أي من شروط التحالف؟.
ما يهمنا في هذا المقال، ليس هو الاختيارات التكتيكية في حد ذاتها لجماعة المناضل ة، والتي نختلف معها سواء من حيث أساسها النظري أو من حيث تطبيقها العملي، بل ما يهمنا أكثر هو تداعيات هذه الاختيارات على الالتزامات السياسية والمهام التي تشاركنا جماعة المناضل ة مهمة التعبير والدفاع عنها. وعلى رأس هذه المهام، مهمة الدفاع عن الاستقلالية السياسية للطبقة العاملة والجماهير المضطهدة والتعبير عنها على صعيد الممارسة النضالية.
علاقة التكتيك بالمهام الإستراتيجية
إن السؤال الذي نطرحه على الرفاق في جريدة المناضل ة هو التالي :هل يسمح التحالف مع التيارات الديمقراطية الإصلاحية ومع جماعة العدل والإحسان الرجعية، بالتقدم نحو مهمة بناء الاستقلالية السياسية والتنظيمية للجماهير العمالية والشعبية ؟ وما هي علاقة هذا التكتيك بالإستراتيجية السياسية التي يدافع عنها الماركسيون الثوريون في النضالات والمعارك السياسية والاجتماعية؟ هل تسمح هذه هذه التحالفات بتوفير شروط التنظيم الذاتي المستقل للجماهير الشعبية المضطهدة وبتطوير وعيها الطبقي المستقل؟
لا نعتقد أن الرفاق يخالفوننا الرأي في كون هذه التحالفات، ليست فقط عاملا غير مساعد، بل تشكل عائقا أمام تطور الوعي الطبقي والتنظيم الذاتي المستقل للشغيلة والجماهير الشعبية الكادحة. ولا نعتقد أن الرفاق لديهم تفسيرا آخر لمسالة الجبهة الموحدة غير التفسير الماركسي الثوري: "الجبهة هي التنظيم المباشر للنضالات وعندما يتعلق الأمر بالنضال، فان كل عامل يساوي قيمة عشرة برجوازيين" (ليون تروتسكي: الجبهة الشعبية ولجان النضال).
إن مات الفقراء ضحايا التهميش وآلاف المعطلين ضحايا البطالة وعشرات الآلاف من العمال المسرحين تفوق قيمتهم في النضال ما يمثله كل الديمقراطيين الإصلاحيين والسلفيين الرجعيين داخل حركة 20 فبراير. سيقول الرفاق: هذا صحيح، لكن آلاف العمال والمعطلين والمهمشين لا قيمة سياسية لهم ما داموا لم يصعدوا بعد مسرح النضال السياسي، و في انتظار صعودهم ، من الأفضل خوض نضال سياسي مشترك مع الديمقراطيين والسلفيين المعارضين للنظام بدل "العزلة السياسية".
نحن على اتفاق مع الرفاق من حيث الهدف، لكننا نختلف معهم من حيث الوسيلة. فلا شك أن العزلة عن الحركة الجماهيرية تشكل ضررا سياسيا كبيرا بالنسبة لليسار الثوري، لكن الخوف من العزلة، أو حتى النجاح في تجنبها، ليس هو الفباء السياسة ثورية.
إن السؤال المطروح هو: هل يسمح هذا الاختيار التكتيكي الذي يدافع عنه الرفاق، أو على الأقل كما هو معمول به داخل حركة 20 فبراير، بتوسيع النفوذ السياسي لليسار الثوري؟ نحن نشك في ذلك. فكل قنوات هذا التأثير مغلقة، وهامش التأثير محدود بفعل القيود السياسية والتنظيمية المضروبة على الحركة من قبل القوى المهيمنة داخلها. فسواء على مستوى المطالب وأشكال التنظيم والنضال أو على مستوى الأهداف السياسية، لا يتمتع اليسار الثوري بهامش المبادرة وحرية التعريف بأفكاره وتصوراته، بشكل مستقل عن التيارات الليبرالية والرجعية. وهذا التكتيك هو نفسه الذي ينهجه اليسار الثوري داخل المنظمات النقابية، بالتحالف مع البيروقراطية النقابية والتنازل عن استقلاليته، وهو التكتيك الذي ينتقده الرفاق في جريدة المناضل ة عن حق، لكون حصيلته هشة وضعيفة إن لم نقل منعدمة، من زاوية التأثير السياسي وتوسيع نفوذ اليسار وسط الشغيلة وتعديل موازين القوى إزاء البيروقراطية، ولكون حصيلته من زاوية بناء حركة عمالية مستقلة هي حصيلة عكسية.
فعندما تكون المجموعات الثورية في وضع أقلية ولا تتوفر على الوسائل السياسية والمادية للتأثير في الحركة ولا تتمتع بالقدرة على فرض تعاقدات تسمح بتعزيزنفوذها وبتقليص نفوذ الحلفاء على الصعيد العملي والسياسي، عليها في هذه الحالة، رفض هذه التحالفات لكونها لا تسمح في الواقع سوى بتوفير غطاء يساري لتكريس هيمنة القوى الإصلاحية والرجعية على الحركة .
فالتحالفات لا تمثل بالنسبة للثوريين هدفا في حد ذاته، بل هي مرتبطة بالأهداف الإستراتيجية، كما أن نتائجها لا تقاس بمكاسبها التكتيكية، بل بمدى خدمتها للأهداف الإستراتيجية. إن التحالفات متى كانت ممكنة وضرورية، فان أشكالها ومضامينها، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الحلفاء وعلاقتهم بالحركة العمالية وبالتيار الثوري، كما يجب أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة موازين القوى على الصعيد العام وعلى الصعيد الداخلي للحركة العمالية والشعبية.
إن ليون تروتسكي، المدافع الشرس عن سياسة الجبهة الموحدة، والذي يحاول الرفاق تطويع تفسيره لهذه السياسة لتبرير اختيارهم التكتيكي، ربط دوما سياسة الجبهة الموحدة بمضمونها الطبقي (توحيد الطبقة العاملة) وبالأهداف الإستراتيجية( المطالب الانتقالية) وباستقلالية التيار الماركسي الثوري وحقه في خوض معركة سياسية داخل الجبهة الموحدة (استقلالية الحزب الثوري).
إن سياسة الجبهة الموحدة التي يدافع عنها الرفاق ويمارسونها، هي سياسة ذات مضمون برجوازي ولا تختلف عن سياسة الجبهات الشعبية التي تقوم على طمس التناقض بين البرجوازية الديمقراطية والطبقة العاملة والجماهير الكادحة في المعركة الديمقراطية، بينما ترتبط سياسة الجبهة الموحدة بالنسبة لتروتسكي، بهدف تجاوز التناقضات والانقسامات داخل الطبقة العاملة من اجل توحيد فعلها كي تلعب دورا مهيمنا إزاء حلفائها وتتمكن من تجميع قواها تحضيرا للمواجهة الحاسمة مع أعدائها. " لا تتمثل المسالة في توحيد ميكانيكي لكل المنظمات المتبقية من مختلف مراحل الصراع الطبقي، بل تتمثل في تجميع البروليتاريا في النضال ومن اجل النضال" (تروتسكي: كيف نهزم الفاشية؟).
هل يعتقد الرفاق في جماعة المناضل ة، الذين يفسرون تكتيكهم السياسي بالإحالة إلى رصيد ليون تروتسكي السياسي، بإمكانية قيام جبهة موحدة مع حركة سياسية لا تنتسب للحركة العمالية أو تاريخها ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بحركة التحرر الوطني؟
إن تكتيك الجبهة الموحدة، التي يختزلها الرفاق في جماعة المناضل ة في شعار"الضرب سويا لكن مفترقين" تفترض على الأقل، وجود تنظيمات ثورية ذات انغراس وتأثير جماهيري، ولو نسبي، وهذا ليس هو حال جماعة المناضل ة أو اليسار الجذري في مجموعه. أما حين يتعلق الأمر بتنظيمات لا تتمتع بنفوذ سياسي جماهيري، فان سياسة الجبهة الموحدة لا معنى لها، لان مسالة الجبهة تفترض وجود طبقة عاملة منظمة، أي وجود حركة عمالية منظمة في نقابات وأحزاب على قاعدة توجهات واختيارات مختلفة. ودور سياسة الجبهة الموحدة في هذه الحال، هو توحيد فعل الطبقة العاملة كطبقة، باختلاف تياراتها، لمواجهة الطبقات السائدة بمختلف أقسامها. فهل يمكن اعتبار حركة 20 فبراير جبهة طبقية موحدة لمواجهة جبهة الطبقات السائدة؟
ليس ادن من خلال إسقاط شروط سياسية على شروطنا أو استنساخ تجارب تاريخية على واقعنا، يمكن الجواب على التحديات التي نصطدم بها، بل لا بد من تحليل ملموس للحالة الملموسة التي نصطدم بها من اجل بناء تكتيك سياسي سليم .
ما هي الحالة الملموسة التي تواجهنا؟
نحن إزاء حركة، شعبية من حيث قاعدتها الاجتماعية، هجينة من حيث قيادتها ومتناقضة من حيث اختياراتها السياسية، والتيار المهيمن داخلها له جذور طبقية برجوازية ومشروع سياسي رجعي، وقيادته لا تمت بصلة، سواء على المستوى المباشر أو على المستوى الاستراتيجي، إلى معركة المستغلين والمضطهدين.
هذه هي الحالة الملموسة التي يجب الانطلاق منها لبناء تكتيك سياسي يسمح في نفس الآن، بتعبئة الجماهير الشعبية على قاعدة مطالب وأهداف مباشرة وبربط هذه التعبئة بالمعركة التاريخية للمستغلين والمضطهدين.
هل يمكن الدخول في جبهة موحدة مع تيار سياسي برجوازي رجعي؟
غالبا ما يبرر أنصار التحالف والتعاون مع جماعة العدل والإحسان الرجعية، بكون هذه الأخيرة معطى موضوعي في الساحة لا يمكن تجاهله، ويتهمون من يخالفهم الرأي بالقفز على هذا الواقع الموضوعي.
لكن من يتجاهل هذا المعطى الموضوعي ويقفز عليه؟ أنصار التحالف مع جماعة العدل والإحسان أم المدافعون عن استقلال اليسار الثوري عن التيارات البرجوازية الليبرالية والرجعية؟
إن الإقرار بوجود هذه التيارات وعدم القفز عليها كمعطى موضوعي لا يقود إلى التحالف معها، بل يجب أن يقود إلى خوض صراع سياسي ضدها. المسالة ادن لا تطرح من زاوية الاعتراف بوجود هذه التيارات من عدمه، بل تطرح من زاوية شكل التعاطي مع هذه التيارات داخل الحركة الجماهيرية.الصراع ضدها من اجل الحد من نفوذها السياسي أم التحالف معها لتكريس هذا النفوذ؟ التكيف مع هذا المعطى الموضوعي أم العمل على تغييره؟
إن الإقرار بوجود هذه التيارات، كعائق استراتيجي لا يمكن القفز عليه،هو منطلق كل الاختيارات التكتيكية التي تسعى الى توفير شروط قيام جبهة موحدة فعلية، فهذه الأخيرة، لن تكون ثمرة توافق أو تنسيق أو تعاون مع قيادات التيارات الرجعية، بل ثمرة صراع سياسي ضاري ضدها وثمرة جهود جبارة من قبل الثوريين من اجل توحيد النضالات الاجتماعية وإعادة تنظيم الحركة العمالية والشعبية على قاعدة طبقية مستقلة، من اجل قيام جبهة عمالية وشعبية فعلية.
صحيح أن حركة 20 فبراير تضم في نفس الآن ، قاعدة شعبية وشبابية غير منظمة تعطي للمظاهرات بعدا جماهيريا، كما تضم قوى سياسية منظمة "داعمة" للحركة. لكن القسم الأول لا يتمتع بأية استقلالية إزاء القسم الثاني، سواء على مستوى المبادرة أو على مستوى تحديد آفاق الحركة، وهو ما يحد من هامش تأثير اليسار الثوري بالنظر إلى طبيعة موازين القوى داخل الحركة، وبالنظر إلى الاختيارات التكتيكية التي لا تسمح بتعديل موازين القوى لصالح اليسار الثوري.
كيف يمكن تعديل موازين القوى لصالح اليسار الثوري و توسيع نفوذه السياسي، من خلال تكتيك لا يسمح بنقاش جماهيري سواء على صعيد المطالب وأشكال النضال والتنظيم أو على صعيد الأهداف المباشرة والبعيدة للحركة، هذا ناهيك عن نقد الحلفاء؟
إن مشكل الرفاق يكمن في تكيفهم غير النقدي ومن موقع ضعف مع الحركة الجماهيرية وتعاطيهم الدعاوي مع دروس وتجربة الحركة الثورية على حساب بلورة رؤية وخط سياسي ثوري يدمج بين الاختيارات التكتيكية والأهداف الإستراتيجية.
إن وجود حركة جماهيرية وعدو مشترك، لا يجب أن يحجب عن اليسار الثوري مهمة بناء الاستقلالية السياسية للحركة وقيادة سياسية ثورية. فالتواجد داخل الحركة الجماهيرية ليس هدفا في حد ذاته بالنسبة لمنظمة ثورية، بل هو مشروط بمضمون وشكل التدخل، خاصة في شروط تكون فيها الحركة الجماهيرية غير قادرة بعد على التمييز بين مختلف الاختيارات السياسية التي تخترقها وفي شروط لازالت فيها كل المهام موضوع صراع بين تيارات سياسية متناقضة.
هناك مسالة أخرى تفتقر إلى التحليل الملموس. أكيد أن الرفاق في جماعة المناضل ة يقرون بكون التيارات الديمقراطية الليبرالية والتيارات الإسلامية الرجعية عاجزة بسبب طبيعتها الطبقية، عن خوض نضال فعلي وحازم من اجل تحقيق المهام الديمقراطية، لكن هل يمكن الرهان على هذه القوى من اجل التحضير لمواجهة حاسمة مع النظام؟. نحن نعتقد أن هذه التيارات، ليست فقط عاجزة عن تحقيق المهام الديمقراطية، بل هي عاجزة أيضا عن تطوير النضالات وليس من مصلحتها بناء حركة شعبية ثورية تتجاوز سقف مشروعها السياسي.
لن تقف هذه القوى في منتصف الطريق، بل ستسلك طريقا آخر غير طريق النضال الشعبي الجماهيري، وفور تحول نوعي في مسار تطور حركة الجماهير، ستنتصب هذه التيارات عائقا أمام وحدة الحركة وتطورها.
إن الرهان على الوحدة مع هذه التيارات لمواجهة العدو المشترك(المخزن) يبقى في أحسن الأحوال رهانا مبنيا على احتمال، والحال أن التكتيك السياسي لا يتأسس على الاحتمالات، بل يتأسس على المعطيات السياسية الملموسة. وضعف الرؤية التكتيكية للرفاق في جريدة المناضل ة يكمن في انطلاقها من الاحتمالات، بل من احتمال وحديد. ومخاطر هذه الرؤية هو تسليم الحركة الجماهيرية منزوعة السلاح في حال انقلاب هذا الاحتمال إلى ضده.
إن الانعطاف غير المدروس والانفعالي، من رفض كل عمل مشترك مع التيارات الديمقراطية (إصلاحية وجذرية) إلى الاندماج دون شروط مع هذه التيارات على قاعدة أرضية سياسية مشتركة (أرضية حركة 20 فبراير) ومن خلال إطار تنظيمي مشترك(المجالس المغلفة بغلاف دعم الحركة) قاد الرفاق في جماعة المناضل ة إلى التنازل عن مهمة الدفاع عن بناء الحركة على قاعدة خط طبقي مستقل وتفضيل الوحدة مع تيارات هجينة، طبقيا وسياسيا، على حساب مهمة تجميع القوى الضرورية لبناء قيادة سياسية بديلة.
إن التحالف مع الشيطان( شعار الرفاق في جماعة المناضل ة) لمواجهة العدو لا يستقيم إلا إذا كانت الملائكة على راس الحركة، أما أن يكون الشيطان نفسه على رأسها، فان التحالف مع الشيطان يقود إلى جهنم وليس إلى الجنة. وبتعبير آخر إن الثورة ستكون ضد الشيطان وليس مع الشيطان، لان الشيطان سيكون ضد الثورة وليس معها.