(الصلات الثقافية والأدبية والعلمية بين مدينة الحلة وقضاء الهندية)


محمد علي محيي الدين
2013 / 6 / 16 - 00:10     

كثيرة هي الاماسي والمهرجانات والندوات التي تعقد في محافظات العراق، ومحافظة بابل قلب الفرات الاوسط، وقطب الرحى في النشاط الفكري والعلمي لها حضورها المميز بين تلك المحافظات، وترتبط بوشائج قوية مع جاراتها بحكم الصلات الاجتماعية والثقافية التي امتدت لقرون، ولانماء هذه الوشائج واضطرادها تعقد الندوات والاماسي المشتركة بين هذه المحافظة او تلك، وكثيرا ما استضيف شعراء وأدباء في الاماسي الاسبوعية للمنتديات الثقافية والادبية لهذه المحافظات.
وطويريج أو الهندية لازالت تعد من مدن الحلة وتوابعها رغم ارتباطها الاداري بمحافظة كربلاء، ولا زال الكثير من ابنائها يحملون المستمسكات الشخصية الصادرة من الحلة، ولا زال كثيرون منهم يتشبثون بهذه العلاقة ويفخرون بها لذلك ليس غريبا ان يقوم البيت الثقافي باستضافة باحث حلي عرف ببحوثه الرصينة عن المدينة ورجالاتها والبحث في كافة النواحي المتعلقة بها واصدر كتب كثيرة تعد من المراجع المهمة في تاريخ المدينة وخططها وهو الدكتور عبد الرضا عوض الذي القى محاضرة في البيت الثقافي لقضاء الهندية يوم الاربعاء 12 حزيران 2013م ، وحضرها جمهور نوعي متميز غصت به القاعة من ابناء مدينة الهندية (طويريج) ، وفي بداية المحاضرة رحب عريف الحفل الاستاذ عبد الزهرة نعمان الذرب بالاساتذة الذين حضروا من الحلة ،وهم: الاستاذ الشاعر جبار الكواز رئيس اتحاد ادباء وكتاب بابل عضو المجلس المركزي لاتحاد ادباء وكتاب العراق، والاستاذ الشاعر صلاح اللبان رئيس جمعية الرواد الثقافية المستقلة، والأستاذ الباحث محمد علي محيي الدين عضو اتحاد الادباء 0
بعدها بدأ المحاضر بإلقاء محاضرته، وتطرق الى قضايا كثيرة منها أن طويريج بمثابة (القضاء السليب) إذ فُصل عن محافظة بابل سنة 1976م والحق بمحافظة كربلاء، وتطرق الى قوة ومكانة قرية (جناجة) جنوب الحلة وإنجابها لكثير من الأسر العلمية، مثل : آل كاشف الغطاء ، وآل الخضري ، وابو المحاسن، وان الشيخ اليعقوبي ولد فيها وعلاقتها بقرية جناجة الطويرجاوية، وذكر ان كبار الساسة خرجوا من هذه المدينة منذ العهد التركي ولحد الآن، منهم صالح الهنداوي وولده خيري الهنداوي ومحمد حسن ابو المحاسن وحميد خلخال وراضي حسن سلمان ونوري المالكي وثامر الغضبان الذي شغل وزارة النفط، لكنهم لم يقدموا شيئاً لهذه المدينة الطيبة، واستطرد الدكتور عوض بقوله: ان مدينة الهندية لم يكن لها شبيه بين اقضية العراق من شماله الى جنوبه ، فقد ولدت قبل قرنيين في رحم مدينة الحلة، وكبار تجار الحلة كانت جذورهم من الهندية أمثال أنور محمد حسن الجوهر الجليحاوي مؤسس غرفة تجارة الحلة سنة 1949م،وشارك التربويون في بناء جزء من مسيرة التعليم في الحلة مثل شناوي الوزير وعبد المعطي عبادة ، وكانت تنظيمات الحزبيين الجماهيريين الكبيرين (الشيوعي والبعث) مرتبطة بتنظيمات الحلة وخرج منها عشرات السياسيين والصحفيين مثل غني الظاهر ورضا الظاهر، واشار الى العديد من رجال العلم الذين عملوا في طويريج في مجال التدريس والطب والهندسة ، والى علاقة الأستاذ محمد حسن الكتبي برجال العلم والادب والتجارة في الحلة ثم ولده الدكتور علاء الكتبي ، وفي نهاية المحاضرة كانت هناك مداخلات كثيرة بين الجمهور والمحاضر، واشاد الجميع بهذه الالتفاتة اللطيفة التي اعادت الى الاذهان ما كانت عليه المدينة من رقي وتقدم في كافة المجالات سيما ان اكثر الحضور عاصروا تلك الاحداث ، وقدمت للدكتور عبد الرضا عوض شهادة تقديرية من قبل الاستاذ الشاعر عبد الرزاق الياسري باسم وزارة الثقافة لمشاركته في ترسيخ الثقافة العامة0
وألقى الأستاذ الناقد عبد الهادي الزعر عضو اتحاد الادباء العراقيين في هذه الامسية شهادة بحق الدكتور عبد الرضا عوض هذا نصها:
الدكتور عبد الرضا عوض
السادة الحضور الكرام
أسمحوا لي بإدلاء شهادتي مشكورين :
ما من موضوع وله شأن بحياة الناس إلا وكتب عنه عبد الرضا عوض فأجاد وأحسن ، وما من شاردة وواردة لأي بحث كان إلا وذكرها فالرجل موسوعي أينما يخط قلمه .
فألاحداث بنات يومها كما يقال ، فلا فرق عنده بين مقتل الحلاق موفق وإعدام سائق الوزير في بدايات ثمانينيات القرن الماضي ، وبحثه الرصين عن الحوزة العلمية وكيفية انتقالها من النجف الأشراف إلى مدينة الحلة وكم مكثت في أرض بابل ؟ ومن هم رجالها وما هي أثارهم ؟ وكيف عادت لأرض الغري ؟
كل تلك الأسئلة يجيب عليها بتؤدة وإتقان وبأسلوب لا لبس فيه ولا التواء .
فقد يخضع كل شيء لديه للمحاكمة ، فلا زيف ولا تدليس بل حقائق دافعة ومن يخال الشك فتلك المصادر على كثرتها فليتصفحها .
وهو واحد في بحثه أن كان البحث طريفاً أو تالداً ، ما نشر شيئاً ألا وقتله بحثاً وتنقيباً وتمحيصاً ، فالأمانة العلمية تستوجب عليه أن يكون موضوعياً وغير منحازاً وشفافاً .
دونك كتبه رغم كثرتها وسعتها ، وتنوع أبوابها فقد ألبسها جلابيب من الصدق ووشحها بحلل قشيبة من الأمانة العلمية خوفاً على قراءه من السأم والضجر .
فلو صحبته وهو يؤرخ عن الحلة المزيدية فسترى بأم عينيك حكامها وشعرائها ونموها من أيام عزهم حتى لحظات ضعفهم وانحطاطهم وكأنه معهم يسجل بأمانة تاريخية كان ما بطن وظهر .
فمؤلفاته أربت على العشرين تناول فيها كل ما يمت للحلة بصلة ( فهو عاشق الحلة بلا منازع ) تكلم عن شعراؤها الأقدمين من صفي الدين الحلي حتى موفق محمد .
وأظهر مزايا صنعة الطب من البابليين حتى آخر طبيبة أسنان تخرجت عام 2006 تعمل في مستوصف القاسم . كذلك كتابه الأنيس ( أوراق حلية ) .
عرج بعدها على صناع الحلة ومهارتهم وأنتقل إلى المدحتية كيف مصرت ؟ وما سبب تسميتها .
ثم ذهب لمزارات الحلة واحداً واحداً ناهيك عن كتاب الرائد عن الانتفاضة الشعبانية الخالدة .
حتى الحب له نصيب مما كتب .
كذلك كتابه المهم الموسوم الحلة في عهدها الجمهوري 1958 – 1968 ومتصرفيها ومحافظيها ؟ ماذا عملوا ؟ كيف كانوا ؟ كما أرخ لأدباء الحلة المعاصرون بكتاب ( ذو أربعة أجزاء ) .
وكتاب رائع تحت أسم ( هؤلاء تركوا بصماتهم في الحلة ثم عادوا ) . ثم لا أنسى أن للشوملي نصيب في جعبة الباحث نشأتها ومراحل تطورها .
بعد هذه الإطلالة المستعجلة عن انجازات هذا المبدع لي ملاحظتين .
أولهما : هناك مثل قديم يقول أسئل عن المرء وأسأل عن قرينه .
وقرناء هذا الرجل الجهبذ ليس بعدين عن العلم والشعر والتاريخ وهم د0 عباس هاني الجراخ / الأستاذ الباحث جواد كاظم عبد محسن / الأستاذ محمد علي محيي الدين / د. أسعد النجار / د. سلمان هادي آل طعمة / د. علاء ألكتبي / الأستاذ الشاعر محمد علي النجار / والأستاذ جبار الكواز /الاستاذ صلاح اللبان / والاستاذ شكر حاجم. وعذراً لعدم تذكري الأسماء فهم كثر .
الثانية : أن مدينتنا الرائعة الهندية لا زال لها نصيب من حب الباحث . فقد أخرج العدد الأول من مجلته ( أوراق فراتية ) الغراء وزين صدرها بمنظر جسرها الأثير ، كما أحتضن ثلة من مثقفيها وشعرائها وكتابها على صفحات تلك المجلة المتألقة .
ربما لا ينسى مبدعنا أن دفاتر نفوسنا تحمل كلمة بابل / الهندية لا زالت وستبقى .
أتمنى لمشغلك الخير والنجاح .
وهذه المحاضرة كانت محركا في بعث الكثير من احداث الماضي وحجارة القيت في ماء راكد فخلفت دوائر اخذت بالاتساع من خلال المداخلات القيمة التي اغنت البحث وربما ستدفع ادباء المدينة للاستزادة والبحث للكتابة عن تاريخ هذه المدينة التي لها اثر كبير في الثقافة العراقية، وهي أمنية تمناها الباحث لاستجلاء التاريخ وقراءته قراءة حديثة تجلو ما فيه من مواطن جميلة حرية بالكشف والتنقيب