علاقة الإخوان والفاشية


إبراهيم فتحي
2013 / 6 / 13 - 00:17     

يري المؤرخ عبد العظيم رمضان أن الطابع الفاشي للإخوان المسلمين برز بظهور فرقهم شبه العسكرية ذات القميص الأصفر‏,‏ وأن المرحوم حسن البنا أخذ من الفاشية نظامها وطاعتها في بناء الجماعة‏.‏
وكانت البيعة علي السمع والطاعة للمرشد والثقة بالقيادة وتنفيذ القرارات وإن خالفت رأي العضو( قوانين النظام الأساسي للإخوان).وقد أبدي المرشد الأول إعجابه بهتلر وموسوليني عام1933 ووصفهما بأنهما قادة النهضات الحديثة في أوروبا, وأشاد بالاتفاقات التي عقداها مع الفاتيكان. فهما يؤيدان ويثبتان الأديان والعقائد في نفوس الأمة( جريدة الإخوان المسلمون في15 جمادي الأولي1352 ـ1933). وهتفت الفرق شبه العسكرية للإخوان الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم علي كتاب الله وسنة رسوله. ولكن بالرغم من الإعجاب المعلن بهتلر وموسوليني لا توجد أي دلائل علي حدوث اتصال من أي نوع بين الإخوان ودولتي المحور فيما نشر من وثائق عربية أو ألمانية أو إيطالية, فالإعجاب كان نظريا ومن بعيد. وإن يكن موقف الإخوان أثناء الحرب العالمية الثانية متعاطفا إلي حد كبير مع الألمان والإيطاليين ومعاديا للإنجليز والفرنسيين, فهم يحتلون مصر وسوريا وفلسطين والعراق وعدو عدوي صديقي, في المزاج السائد أيامها. ولكن ألمانيا وإيطاليا كانتا دولتين استعماريتين تحتلان ألبانيا وليبيا والصومال وهي بلاد إسلامية لم يثر الإخوان الناس ضدهما أثناء الحرب.
وقد أخذ عباس محمود العقاد ذلك علي الإخوان المسلمين ثم أسرف دون دليل في اتهامهم بالإفادة المالية من دولتي المحور الفاشي. فالواقع أن الإخوان اقتصروا علي الاستقاء من الفاشية شكل تنظيمات شبه عسكرية وأن يتفقوا معها في الدعوة إلي القضاء علي تعددية الأحزاب. وذلك واضح في رسالة البنا نحو النور التي وجهها إلي الملك والزعماء في مصر والبلاد العربية والإسلامية وطالب فيها صراحة بالقضاء علي الأحزاب وتوجيه قوي الأمة السياسية وجهة واحدة. فالإخوان إذن أخذوا من الفاشية أساليبها دون طبيعتها الاقتصادية التي لا يمكنهم اصطناعها. فالنمو الاقتصادي المصري لم يكن قد وصل بعد إلي مرحلة اتحاد الاحتكارات المصرفية والصناعية في رأسمالية مالية, تواجهها مشكلات تصدير رأس المال.
فما هي هذه الفاشية البغيضة التي يتهم اليساريون والليبراليون الإخوان بمحاكاتها؟ إن الكلمة في اللاتينية مشتقة المعني من حزمة عيدان تشير إلي الوحدة الاجتماعية للأمة, ويبرز من رمزها رأس فأس تشير إلي سلطة الدولة الحاكمة في روما تحت القيادة السياسية( الفأس). وهذا الإسم أعطاه موسوليني للحركة التي قام بها في إيطاليا لانتزاع السلطة علم.1922 ولكن الكلمة تستخدم الآن علي نحو شديد الاتساع لتشمل النازية الألمانية والعسكرية اليابانية وكتائبية الجنرال فرانكو أو ما يشبهها. وتتفق الأنظمة الفاشية في إبراز قيم أساسية مشتركة مميزة لأمة أو لحضارة ذات رسالة خاصة بها وحدها. ومن سمات الفاشية التعالي علي فكرة المساواة بين البشر والرفض السافر للديمقراطية وتبني عقيدة الزعيم الذي تجب طاعته. ويذهب المفكر اليساري سمير أمين إلي أن الفوهرر بالألمانية كلقب للزعيم هتلر أخذها الإخوان المسلمون في مصر وترجموها بالعربية إلي المرشد. ولكن ربما يرد علي ذلك بأن للمرشد في العربية والإسلام تاريخا طويلا فله علاقة بالرشد والرشاد أي بالاهتداء والهدي والاستقامة وتبيين الرشد من الغي. ومن أساليب الفاشية المقرة الآن الرموز المرتبطة بالتنظيم مثل الأزياء الخاصة والهتافات الخاصة والمواكب والانضباط وعقيدة الشدة مع الخصوم. وربما لم تعد الفاشية بعد هزيمتها الساحقة في الحرب العالمية الثانية تعني نظاما محددا بدقة بل جماعة كريهة مثل اليمين المتطرف في أوروبا بعنصريته ضد الأجانب وتمجيده للتميز الخاص للأوروبيين والطموح حول مجال حيوي لشعب سيد له حقوق في السيادة. فهي تستخدم الآن بطريقة فضفاضة لتصف الذين يدعون إلي بعث مجد قديم وتقديم التضحيات للأمة ذات التميز الخاص الذي قد يصل النفخ فيه إلي العنصرية.
ويعبر الإسلام عند الإسلام السياسي عن أمة تمتد باتساع العالم وينتمي إليها الفرد المسلم بالإرث كما لو كانت جماعة عرقية وليست اعتقادا شخصيا يختاره ذلك الفرد. فالمسألة في المحل الأول تأكيد هوية لا قومية لجماعة متخيلة تربط المسلم الإفريقي بالمسلم الأسترالي أو الماليزي ولا تعترف بالفصل بين الدين والدولة. كما تتبني فكرة الحاكمية لله التي قد تفرعت عنها ضرورة حكم الذين لهم وحدهم حق التفسير الصحيح لأحكام الله( قد تكون في شكل ولاية الفقيه كما في إيران مثلا). ويرفض الإسلام السياسي مبدأ حق المجتمع في بناء حاضره ومستقبله عن طريق حريته في سن التشريعات الملائمة بل يلتزم بخصوصية جاهزة ناجزة شديدة التجريد والعمومية يدعي اختلافها عن الرأسمالية والاشتراكية فهما تشريعان وضعيان. وقد يجنح بعض الدعاة إلي الالتزام بالإسلام الوهابي الذي يرفض ما أنتجه الإسلام التاريخي أيام ازدهاره من تفاعل مع الحضارات الأخري. ويقول المفكر اليساري سمير أمين إن الإسلام السياسي يهدف إلي قيام أنظمة دينية رجعية صريحة فالإسلام السياسي عنده مجرد تحوير شكلي للوضع التابع للرأسمالية المتشابكة مع الاستعمار.
وتشيع وسط جماهير الإخوان من الطبقة الوسطي الدنيا( البرجوازية الصغيرة) أفكار تقربهم من تبريرات الرأسمالية والفاشية باعتبارهما من سنة الله في الخلق وطبيعة سير العالم الإنساني والطبيعة البشرية--;-- لأنه لابد أن يوجد دائما في كل أمم الأرض هؤلاء الخواص والأغنياء والأعيان ورؤساء الجماعات والعائلات المتمرسون علي القيادة الذين لا يمكن أن يتساووا بسائر الناس في امتيازاتهم واستئثارهم بالثروة أو الجاه والسلطان. إن درجتهم فوق درجة سفلي من البشر ولا حق لها إلا في تكافل الزكاة والإحسان والنصيحة والطاعة. وهذه الإيديولوجية تقترب من الفاشية في إقرارها بمشروعية الفوارق الهائلة بين الشريحة المالكة والطبقات العاملة, وبين القادة والأتباع.
ولكن هناك تساؤلات حول استمرار الإخوان المسلمين أسري لتاريخهم الماضي. فهل تعلمت جماهيرهم الشعبية مما مروا به من تجارب سياسية وبرلمانية ونقابية ليفضلوا ممارسة التعددية الحزبية ويخرجوا علي دعاة انتظار التمكين للانقضاض علي الديمقراطية التي قربتهم من الحكم كما فعل هتلر. والسؤال ما زال مفتوحا عند الليبراليين واليساريين. أما عند أعضاء الإخوان المسلمين قد يبدو السؤال عن أنهم يمالئون رأسمالية تابعة للغرب الاستعماري شديد الغرابة. فقد تربوا وأسسوا جماهيريتهم علي محاربة خضوع بلاد الإسلام لغير المسلمين. وسيذكرون شهداء الكفاح ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية في فلسطين تحت الراية الإسلامية.
ولم يصل الإخوان المسلمون في الماضي إلي ما وصلت إليه مصر الفتاة علي لسان أحمد حسين( تستمر مصر الفتاة في حزب العمل الإسلامي الآن) من وجود تشابه كبير بين الفاشية والإسلام. فالإخوان المسلمون لم يدعوا للفاشية وللأخذ بالشريعة الإسلامية, بل الأخذ بالشريعة وحدها وإن تعاطفوا مع الفاشية. ولكن الطرفين يحيلان إلي عالم مثالي متخيل بعيدا بعدا تعسفيا عن المشكلات الحادة القاسية للواقع بين العمال وأصحاب العمل وبين الحكام والمحكومين. وينبغي ألا يؤدي التركيز علي فاشية ممكنة لدي الإخوان المسلمين إلي حرف النظر عن اتجاه فاشي حقيقي ينمو الآن في قلب الامبراطورية الأمريكية التي تعمل جاهدة للسيطرة علي العالم بكل قواعدها العسكرية المغروسة في كل مكان وبتأييدها لنظم استبدادية تابعة تقهر شعوبها.