رسالة مفتوحة الى الرئيس الامريكى براك أوباما: حول النزاع العربي- الأسرائيلي


بهاءالدين نوري
2013 / 6 / 10 - 12:04     

اوجه اليك هذه الرسالة المفتوحة، أيها الرئيس أوباما، وانا عراقي كردي عاصرت كسياسي النزاع العربي- الاسرائيلي منذ ان اصدر UN قرار تقسيم فلسطين في 1947. وخلال السنوات الست والستين المنصرمة تعاقب عدد كبير من الرؤساء المنتخبين، واخرهم أنت، الى البيت الابيض دون ان يسعى أي منهم سعيا جديا موفقا لحل هذا النزاع، الذي أصبح بؤرة للتوتر الدائم في هذه المنطقة الحساسة من العالم، بل أصبح عبئا على دول عديدة، من بينها و.م.أ. (الولايات المتحدة الأمريكية) نفسها، التي اضطلعت بالدور الرئيسي منذ منتصف القرن الماضي في الدفاع عن اسرائيل بالحق والباطل. فاضافة الى الدعم السخي المستمر ماليا وعسكريا حظيت اسرائيل دوما بدعمكم السياسي والدبلوماسي والمعنوي لدرجة زادت من عزور حكامها وتصلبهم في أية مفاوضة لأنهم غدوا على قناعة راسخة بأن الادارة الامريكية تقف الى جانبهم ولوكانوا على باطل. ولم يكن من قبيل الصدف أن استخدمت امريكا حق الفيتو في مجلس ألأمن لمنع امرار قرارات لم ترق لاسرائل اضعاف ما استخدمت لكانة الامور الاخرى. وأظن ان بعض الفيتوات الامريكية اضرت بالشعب اليهودي نفس لأنها لم تأت استجابة لمتطلبات حل عادل للنزاع، بل جاءت مسايرة لمزاج حاكم يميني عنصري مثل نتنياهو أو ليبرمان.
أنا انسان ديمقراطي وأممي ولا أضمر أي حقد على أحد بسبب الاختلاف في القومية أو الدين والمذهب ولون البشرة. وقد تزوجت فتاة يهودية في 1952ولي منها ثلاثة أولاد. وارفض التوجهات القومية- العنصرية عربية كانت ام يهودية
وأومن بميثاق UN في الاعتراف بالمساواة وحق تقرير المصير لكافة الشعوب. لكن ما لا أفهمه يا أوباما هو سبب انحياز الادارة الامريكية اللاشرطي الاعمى الى اسرائيل. ان تعترفوا بحق الشعب اليهودي في العيش والحرية والسيادة الوطنية فهذا شيئ مفهوم ومقبول. لكنني لا أفهم لماذا تتبعون هذه السياسة غير المتوازنة تجاه اسرائيل وفلسطين؟ لماذا هذا التمييز الصارخ بين الطرفين؟ لماذا هذا التدليل لحكام اسرائيل أيا كانوا وكيفما كانت سياستهم؟ أن ترحبوا بحاكم من قبيل اسحق رابين، الذي استجاب لدعوة السلام وبدل الجهد من اجله فان ذلك أمر مفهوم. أما تدللوا وتدعموا حاكما معاديا للسلام وللمصالحة ولاقامة دولة فلسطينة ومصرا على تحدى العالم، بمافيه الادارة الامريكية، مواصلا سياسة الاستيطان في القدس وفي الضفة الغربية، فأن ذلك مايثير لدى الكثيرين الاستغراب!! لا أدري، ايها الرئيس أوباما، لماذا تناقشون علنا جميع الدول والجماعات في العالم على سياساتها ومواقفها التي لا تستسيغونها باستثناء اسرائيل التي لم تناقشوها علنا ولا مرة على سياساتها و مواقفها اللامنطقية.لقد دأبتم على الدوام على التاكيد من ان الالتزام بحماية أمن اسرائيل احد الثوابت في سياسة و.م.أ. على أن أمن اسرائيل ليس مهددا لأن الجيش الاسرائيلي يملك التفوق العسكري، فضلا عن حيازتها الاسلحة النووية، والادارة الامريكية تهدد ايران بالتدخل العسكري ضدها اذا ما حاولت صنع السلاح النووي مما يشكل خطرا محتملا على اسرائيل، في حين دعمت نفسها الدولة العربية لحيازة الاسلحة النووية وترفض كل مسعى هادف الى اخلاء الشرق الاوسط من السلاح النووي لأنها ترفض نزع السلاح النووي الاسرائيلي.
ليس في مقدوركم، أيها الرئيس أوباما، تقديم أي مبرر منطقي لهذا الانحياز الاعمى الى جانب اسرائيل، ولا مصلحة للشعب الامريكي في استمرار هذا الانحياز، بل العكس هو الصحيح والحياة ستثبت ذلك ولا اعتقد ان الشعب الامريكي يريد هذا الانحياز الاعمى، بل يؤيد سياسة متوازنة تتعامل بمكيال واحد بين اليهود وبين الفلسطينين وتعترف بحقوق متساوية للطرفين. واذا اخذنا المسألة من وجهة نظر المصالح القومية الأمريكية فأن انحيازكم الاعمى، الذي يشبه لونا من التبعية لاسرائيل، يلحق ضررا بالغا بمصالحكم على المدى البعيد وفي مجرى المتطورات القادمة التي لامناص عن حدوثها مستقبلا في هذه المنطقة وفي العالم. اذا كنتم تحسبون الحساب في علاقاتكم الخارجية لمصالح امريكا الاقتصادية فأن عليكم أن تأخذوا بنظر الاعتبار أن اسرائيل ليست اكثر من دويلة صغيرة في مساحتها وتقطنها بضعة ملاين يقابلها عالم عربي تزيد مساحتها عن ملايين الكيلومترات المربعة ويقطنها 300 مليون انسان، وهي غنية بثرواتها البترولية وخاماتها المختلفة وتشكل أسواقا شاسعة لتصريف السلع الأجنبية. فاين هي العلاقات التي تنسجم مع المصالح القومية لامريكا؟ الاتراهن الادارة الامريكية على حصان خاسر عند تخاذ كل هذا الانحياز الى نظام يميني متطرف يحكمه رجل متعجرف من أمثال نتنياهو، الذي يدفع اسرائيل الى العزلة حتى بين أصدقائها الغربيين القدامى؟ وماذا يجمع بين المصالح القومية للشعب الامريكي وبين خضوع الادارة الامريكية لما تمليه رغبات رجل معاد للسلام وللمصالحة العربية-الاسرائيلية من قبيل نتنياهو في املاء الموقف السياسي على للدولة الامريكية من الثورة السورية الديمقراطية ضد الدكتاتورية والظلم الذي يمارسه النظام البعثي، بل يمارسه آل الاسد في سوريا منذ عشرات السنين؟ أليست تبغية الادارة الأمريكية لحكومة نتنياهو السبب الحقيقي لسياستكم غير المتوازنة تجاه سوريا اليوم، سياسة لاتختلف كثيرا من حيث الجوهر عن سياسة حكام الكرملين إزاء تلك الثورة؟ وأي جامع يجمع بين ادعاءكم بالدفاع عن حقوق الانسان وبين موقفكم المتخاذل إزاء سوريا، مسايرة لرغبات نتنياهو في بقاء حكومة سورية هزيلة ومعزولة كحكومة الاسد؟
ان خير ضمان لحماية اسرائيل وتوفير الأمن و الأستقرار لها على المدى البعيد هو تحقيق حل سلمي ديمقراطي عادل للنزاع، قائم على مبدأ احلال الدولتين، كل على أرض ماقبل الخامس من حزيران 1967. أما اذا زعمت الادارة الامريكية أو السلطات الاسرائيلية بانها ستحقق الأمن والاستقرار الدائم عن طريق حيازة التفوق العسكري فان ذلك وهم وخطأ اكيد في الحسابات السياسية وغير السياسية اذ ليس بمقدور الحكومة الاسرائيلية ولا الادارة الامريكية ان تتحكما كما تشاءان
الآن والى الأبد باتجاه التطور في البلدان العربية كلها وفي ايران وتركيا وباكستان واندنوسيا وغيرها من الدول الاسلامية، التي تشعر اليوم بالغبن والمرارة وتبحث عن أي سبيل لتغيير المعادلة. وبفضل ثرواتها البترولية الهائلة سيبحث البعض من حكام هذه الدول، عاجلا أم آجلا، عمن يساعدهم في تأسيس صناعات متطورة للطائرات والاسلحة المتقدمة، بل حتى لانشاء صناعات نووية أو شراء قنابل نووية جاهزة بصورة سرية. وعندئذ ستنقلب الآية ضد اسرائيل.
وحتى اذا لم يحدث شيئ من كل ذلك فان الاتفاق بين الدول العربية وبعض الدول الاسلامية على مقاطعة و.م.آ. بترولياو تجاريا سوف يرغم البيت الأبيض على تغيير نهجها السياسي تغييرا جوهر باتجاه اسرائيل، التي تتحول الى عبء لايطيقه الشعب الامريكي. ولم يحدث مثل هذا الاتفاق للآن ولكن اصراركم على السياسة الخاطئة، التي اتبعتموها حتى الآن قد يورطكم، انتم مع اسرائيل، في خطأ مشابه لخطأ العرب حين رفضوا اقرار التقسيم عام 947، فتدفعون- عاجلا أم آجلا- ثمنا غاليا عنه.واستطيع التاكيد لكم، أيها الرئيس أوباما، بأنه خطأ كبير أن تتصوروا بأن الخارطة السياسية- الاقتصادية- العسكرية لعالمنا ستبقى على مرالسنين كما هي اليوم، بل هي في تغيرات مستمرة. وقد يأتي يوم تجدون فيه انفسكم في موقف حرج جراء هذه التغيرات مستقبلا، حيث قد تتغير موازين القوى، فلا تستطيعون آنئذ ان تفعلوا مايمكن لكم عمله اليوم ببساطة. ولم يفت الأوان حتى الآن للتراجع عن سياستكم الخاطئة والعودة الى مسار العدل واتخاذ سياسة متوازنة تقر بحقوق الانسان الفلسطيني المحروم منها منذ 66عاما، وتساوي بين اليهود و العرب الفلسطيني وتفرض على حكام اسرائيل الرضوخ لقرا UN القاضي باثامة دولتين مسالمتين لليهود والعرب على اراضي ماقبل الخامس من حزيران 1967.
ان الادارة الامريكية اصبحت، مع شديد الاسف، شريكة بهذه الصورة او تلك في التجاوزات غير المقبولة التي ترتكبها السلطات الاسرائيلية بحق الشعب العربي الفلسطيني. ويؤدي مثل هذه المواقف منكم الى تقوية الحركة الاسلامية والى تشجيع شتى اشكال المتطرفين الذين يطرحون الافكار والشعارات المتطرفة ويروق لهم ان يعرقلوا كل حل للنزاع. وهناك دول خليجية ثرية، وبالاخص الدولة القطرية، التي تقدم بسخاء الاموال لدعم حركات الاخوان المسلمين في البلدان العربية، لكي تثبت أقدامها في الحكم حيثما وصلت الى الحكم في بعض البلدان العربية، ولدعم الاسلاميين للوصول الى السلطة حيثما باتوا اقرباء . ولايفهم نتنياهو ومن على شاكلته في الدولة العبرية، كما لم يفهم للآن مسؤولو الادارة الامريكية، المخاطر التي تترتب على ذلك بالنسبة للمنطقة وللنزاع العربي- الاسرائيلي.
انكم مدعوون، أيها الرئيس أوباما، الى التخلي عن الثمن البخس الذي تقبضونه من انحيازكم الاعمى لاسرائيل- اصوات الناخبين اليهود الامريكيين، التي قد تنفع المرشح للرئاسة ولكنها تضربالمصالح العامة لامريكا.. لقد حان الوقت لتكفوا عن سياسة لا آفاق لها والتي تسيئ الى سمعتكم بين اكثر من مليار مسلم في العالم.. حان الوقت لتقولوا صراحة لامثال نتنياهو الذي لايستمع الى ما تطلبون ويطلبه العالم من وقف الاستيطان في القدس الشريفة والضفة:
- لايانتنياهو!لن نضعف لسياستكم ولن نقبل منكم هذا التفطرس! نريد حل النزاع.
في الختام اقول لمسؤولي امريكا، الذين يجعلون من امثال نتنياهو دليلا لانفسهم: اذا كان الغراب دليل قوم سيهديهم طريق الهالكينا.
ملحوظة: أردت نشرهذه الرسالة أثناء زيار أوباما الى اسرائيل، ولكن وضعي الصحي لم يسمح لي بذلك في حينه.