الرسالة الشيوعية الأخيرة


عماد البابلي
2013 / 6 / 10 - 01:00     

رســــــــــــــــــــــالة إلى من يهمه الأمر ..
سأتكلم في هذه الوريقات عن الحزب كونه بيت لي ، كونه عقيدة وطريق أمنت به منذ الطفولة ..
سأتكلم عن الأخطاء التي دمرت الحزب من عام 2003 وكلنا نعرف أن الكثير من المحن والمآسي مرت على حزبنا الرائع ، النقد من روح طيبة وليس البحث في المخلفات لغرض إقصاء الأخر ، وكل ما ورد هنا هو أسئلة تطرح بقوة في الشارع العراقي من أصدقاء الحزب وكل محبيه ..
لابد لنا سادتي أن نعرف ماهية الحزب أولا ، تتفق أغلب الأدبيات السياسية بأن أبسط تعريف للحزب هو أنها مجموعة من الناس اجتمعت تحت سقف ثلاث شروط : مجموعة من المبادئ ومجموعة من الأهداف وبرنامج معين لتحقيق تلك الأهداف ، وهناك شرط رابع لتأسيس الحزب هو الدفاع عن مصالح طبقة أو فئة معينة ضد محاولات مجموعات أخرى تهميش تلك الفئة من الناس التي اجتمعت لتأسيس الحزب ، وتختلف وسائل تحقيق تلك الأهداف من حزب إلى أخر ومن زمن إلى أخر ، بعضها يؤمن بالكفاح المسلح وأخرى تؤمن بالوسائل السلمية سبيلا لتحقيق الأهداف التي قامت عليها فكرة الحزب ، نشأت الأحزاب عموما كإفراز حالة من المدنية يعيشها المجتمع ، المجتمع المدني الحقيقي هو المجتمع الذي تعدد فيه الأحزاب والمؤسسات بغية الوصول لمجتمع المؤسسات وهو أعلى حالة للمجتمعات الديمقراطية الحديثة ، وعلى العكس من المجتمعات الغير متمدنة نجد فكرة الحزب الواحد أو الفردية في كافة مؤسسات الدولة ، وهذا ما نجده هنا في المجتمعات الشرق أوسطية وبشكل مختزل أكثر في العراق نجد دولة الفرد أو حكومة الفرد واضحة في كل زوايا المجتمع ، الفردية مرض اجتماعي متفشي عند أب الأسرة العراقية ، الفردية بكل صورها من مركزية وعبادة الأنا والنرجسية والتقديس والعصمة ، تقفز تلك الصور نحو باقي زوايا المجتمع .. نجد مما سبق إننا مجتمع غير متمدن وهذا إفراز بعثي قائم على نظام بلتو قراطي وعلى مدى عشرون عاما من حكم المقبور ، عاد الحزب بعد عام 2003 حالما بمجد الخمسينات والستينات حين كانت المنجل والمطرقة ثيمة رائعة وجميلة لكل مفاصل المجتمع ، بالبرنامج القديم والمبادئ القديمة عاد الحزب لقيادة الجماهير نحو أحلامها ، المجتمع العراقي الذي خرج من سباته بعد عام 2003 مجتمع غريب وقادم من عصور الماضي ، لا يوجد فرق واضح بين سمات المجتمع العراقي في العصور الوسطى أو الآن ، هنا يتحرج سؤال : هل يمكن لوجود فكر علمي متقدم مثل الماركسية تصلح للظهور أصلا في مثل هذه المجتمعات ؟؟؟؟؟ ... المجتمع الآن قابع في انتظار الغائب وتفسير ما يجري في سوريا على أنها مرجل تاريخي لولادة السفياني ، ويعتبر بأن حصة رجل الدين من المال العام هي حكم من الله لا يمكن النقاش به ، وأن الاقتصاد الإسلامي ( صورة مفزعة من الاقتصاد الرأسمالي ) هو النهج الحقيقي للحياة السعيدة ... هل وعى قادة الحزب لهذا الفصام التاريخي المعاش ؟؟؟؟ النتائج والمحصلات تعطينا أدلة واضحة على فشل الحزب على كونه حزب جماهيري ، فهو الآن حزب أفراد ليس إلا وأي نكران لتلك الحقيقة المرعبة يعتبر حالة عدم الصحو من تخدير ممتد من زمن فهد الذهبي ، الحزب يقبع في قلعته بعيدا عن الجماهير ، يحاول البقاء حيا فقط مهما كانت الأثمان ، بقى يتنفس فقط دون الوصول لكيان متفاعل ومتأثر ومؤثر في البنية أو النسيج الاجتماعي ، قادة الحزب طبعا غير مذنبين أساسا لأن الموجة أعلى من كل التصورات ، موجة التخلف الاجتماعي فاقت كل المقاييس العلمية ، الشيوعيون ( وأنا منهم ) مثلهم مثل المستكشفون الأوائل حين تجولوا في إفريقيا مثلا ، كهنة القبائل حرموا مصافحتهم أصلا لأنهم شياطين مرسلون من الجحيم .. في هذا الوقت من التعقيدات لكل مفردات الواقع الجديد مازالت قيادة الحزب الشيوعي تعتمد على كون المنتج الفكري السابق ( المتكلس والمصاب بالصدأ ) أهم من الفعل الثوري العملي الذي مهمته مواكبة متغيرات الواقع ، وإدراك طبيعة التطورات الواقعية الراهنة واستكشاف ملامح المجتمع ، ومركب التاريخ العائد نحو الوراء ، نحو الماضي الذي ذهب ولم يعود والتاريخ لايعود مرة ثانية وإذا عاد فيعود بشكل كوميدي ساخر كما يقول أنجلز ، المواطن العراقي الحالي وبما يملك من وعي مضحك لا يقبل ولا يتقبل بالشيوعية في حالة شرط وحيدة هو أن يسافر بالزمن لينين أو تروتسكي أو جيفارا أو تيتو نحو القرن الهجري الأول ليشارك في واقعة الطف مع الحسين في مأساته الأبدية حتى تدخل في بيانات المواطن العراقي فكرة الشيوعية ، حقيقة مضحكة مبكية ونحن في زمن تماهي المضحك مع المبكي في جبة رثة واحدة ، زمن لافتة معلقة في أحدى شوارع بغداد : ( هل يرضى الأمام المهدي بمشروع تقسيم العراق ) !!!!!! .. المنتج الفكري السابق هو طريقة فهم لينين للماركسية ، تلك الطريقة التي طغت على الحزب الشيوعي العراقي الذي لم يتخلص من مصيدة التبعية لموسكو ، موسكو التي لا يهمها سوى عقد صفقات تسليح مع النظام البعثي وحتى على حساب المجازر التي أكلت الآلاف الشيوعيون مع عوائلهم ، لينين خرج لنا بطبعة ماركسية مشوهة ولنا في وريقات أخرى إثباتات صحة هذه الفكرة ، حاول الحزب جادا التخلص من كل هذا الصدأ كما جاء في التحديث الحالم في المؤتمر التاسع ولكن انتخاب الرفيق حميد مجيد موسى مرة أخرى وعلى أربع مؤتمرات من عام 1993 من المؤتمر الخامس ، كانت الخنجر التي شطرت الحزب لنصفين ولا يخرج من دائرة تناسخ للسلوك الشمولي وتكريس ظاهرة التأليه والشخصنة وما يرافقهما من نوازع وطموح غير سوي .. قيادة الحزب بعد عام 2003 دخلت في مصيدة أخرى ( رغم عنها أو بإرادتها لا يهم هنا ) هو الدخول في الحفلة التنكرية التي أقامها برايمر في مناسبة تحرير العراق ( هدم العراق ) ، تحالفات غير متوازنة ومخجلة مع أعداء الأمس بأسم المشروع الوطني وإقامة عراق تعددي ديموقراطي ، لكن جرذان الخضراء من جميع ملل ونحل الإسلام السياسي والجبهة العلمانية التي قادها علاوي والأكراد المنظمين جيدا نخرت هذا المشروع بعد أشهر تحت شعار ذهبي ( كلمن يحرز النار لكرصته ) ، جلس قادة الحزب في مجلس الحكم والدورة البرلمانية الأولى ( الوحيدة !! ) ولا ينكر طبعا أي عراقي أي علاقة مودة من تحت الكواليس جمعت قادة الحزب مع قادة الأحزاب الكردستانية ، وطبعا ( لأسباب موضوعية حكيمة أو أسباب ذاتية انتهازية لايهم هنا ) ، وهناك موافقة غريبة من قبل قادة الحزب على مشروع أقامة عراق فيدرالي مقسم على أساس عرقي ديني وفي النهاية ثلاث دول عراقية وليس عراق واحد ( لعل عقول قادة الحزب ترى ما لا نرى !! ) ، كل تلك القرارات ساهمت في تراجع الحزب نحو الخلف ، وكانت نتائج الانتخابات الخاصة بالبرلمان او مجالس المحافظات أو المجالس البلدية مخيبة جدا وبالتالي فقد الحزب كل أدوات اتصاله مع الجماهير والجلوس مع مراكز القوى ، المواطن العراقي يريد من الحزب الدفاع عن حقوقه المسلوبة ، هل يملك الحزب الأدوات اللازمة للدفاع عن تلك الحقوق ؟؟؟!!!! .. الاغتراب عن الواقع هو الحتمية القسرية لكل شيوعيو الحزب المنتمين او غير المنتمين ، الاغتراب الشيوعي يقع تحت مفهوم الانفصال الفكري والنفسي حسب مصنفات أميل دوركهايم الذي أكد على أن الأتصال والتخاطب هما أهم سمة لكون الكائن البشري مغترب ام غير مغترب ، المواطن العراقي ( الوليمة المجانية والغير محترمة ) يعاني من اغتراب من نوع أخر يتطابق مع الوصف الذي وصفه أريك فروم طبقا / لماركس / هو ( تلك الحالة التي لا يشعر فيها الإنسان بأنه المالك الحقيقي لثرواته وطاقاته بل يشعر بأنه كائن ضعيف يعتمد كيانه على وجود قوى خارجية لا تمت لذاتيته بصلة ) .. نرجع للسؤال وبصيغة أخرى حتى لا نبتعد عن الموضوع ، هل الحزب الشيوعي العراقي بعيد عن الناس ، بعيد عن الواقع ، بعيد عن المسيرة ، بعيد حتى عن نفسه ؟؟؟؟؟؟ لا شي معه الآن سوى ذاكرته ، ماضي جميل وسجلات مشرقة لشهداء كالورود رحلوا حتى تبقى الفكرة منيرة للأبد ، تاريخ وسجلات موتى ، هذا هو الحزب الحالي ، تلك الحقيقة المفزعة ، التي تصيب أي كيان بالشلل ولكن رغم حالة البؤس لابد لنا أن ننهض من الركام بأمل جديد وطاقة أكبر حتى لا يشعر بالعار منا كل شهداء الحزب ، فدمائهم غالية ولها ثمن على الأقل عندي وعند نخبة تؤمن بأن الشيوعية هي نمط حياة وعقيدة داخلية تؤمن بأن الكل يجب أن يشبعوا معا والكل يجب أن يجوعوا معا ، وليست حزب فاز بالانتخابات أو لم يفز .. هل يدرك الحزب بأن الحرب مع الواقع هي حرب فكرية ، حرب مع وعي زائف ، وعي يملك حق الحياة والموت للبشر ، الحزب مشغول مع جعل المقرات صامدة أمام حتمية التفتت وتحويل الحزب للمتحف والتغني به كتراث جميل كان يعيشه العراق في عصر ما ، المواطن يبحث عن الأقوى وهي جوانب غريزية عند البشر ، الحزب الشيوعي قبل أن يكون حزبا هو مشروع فكري ثقافي متقدم ، فبدلا من الدفاع عن ديمومة المقر كان بالأحرى الدفاع عن هذا المشروع ، الدفاع عن فكرة وليس الدفاع عن مؤسسة ، الدفاع ضد دولاب النسيان ، لا بد لنا من تغيير الخطط والتفكير مليا في هذا والخروج بحل ، الحزب ليس حزب أسماء لكن هو تاريخ يمتد حتى ما قبل ماركس .. ختاما أجد نفسي مع حفنة من الوطنيين والخيرين من أبناء العراق والذين لا زالوا يعقدون الآمال على الحزب الشيوعي العراقي في أن يعود مجددا بصورته كمنبر للحرية والتنوير
..........................
وشكرا لكم