القضية الفلسطينية افاقها وسبل حلها


جورج حزبون
2013 / 6 / 9 - 13:29     

ستة واربعون عاماً على احتلال كامل فلسطين ، وستة وستون عاماً على قرار التقسيم ، ذكرى تستحق ان تقرأ ، وان تناقش في ظل هذا المخاض العربي ، بغض النظر عن مسمياته ، لكنه سينقشع عن جديد بالضرورة ، وستدخل الامة العربية مرحلة تاريخية جديدة ، قد تكون مرحلة انهيار او مرحلة نهضة ، لكنها ستكون خارج زمن القروسطية ، التي اسهم البترودولار في ارسائها ، ودعم ذلك بفكر ديني عصبوي متخلف عن العصر والحياة ، فانشئ غيبوبة فكرية اعاقة النهوض الوطني والقومي ، بل اكثر تحالف مع اميركا وحلفائها لترسيخ مجتمعات ممسوخة متطلعة الى النزوات وغارقة في عوالم غيبية وشبق جنسي معيب.
ان القضية الوطنية الفلسطينية ، جزء من قضية الصراع التاريخي بين المضطهد والمضطهد ، بين المالك والعامل ، بين المستغل والمستغل ، انها تعبير عن ذلك الامتداد المتواصل في الصراع الانساني ، لقد اخد يظهر في المجتمعات العربية مكون ثقافي بنظر للقضية الفلسطينية ، ربما بفعل الزمن ، وكأنها الاندلس او لواء اسكندرون او عربستان ، ساعد على ذلك الفكر الديني الوهابي السلفي والعصبوي ، حيث الفكر الاسلاموي لا يعتد بالوطنية ، وهنا غابت القومية والعروبة ، وانسحب هذا على فلسطين ، باعتبارها حالة مزمنة ،وليست بوصلة كفاحية وليست قضية عروبية اساسية ، ومعيارية لنهوض امة ووقف استباحة اوطانها وحريتها ومستقبل اجيالها ، وهذا ما دفع الاسرائيلين للتمادي خاصة مع ( الفوضى العربية الخلاقة ) التي دعيت ربيعاً ، فادركت اسرائيل انها في امان مطلق ، ولم تعد امامها لا جبهة جنوبية ولا جبهة شمالية ، وان حركات المقاومة ليست الا حالات ازعاج تعاني منها دول كثيرة ، بما فيها اميركا وروسيا وتركيا وايران والقائمة تطول .
ان هذا الوضع يطرح موضوع قوى اليسار ، حيث هي المناط بها تاريخياً مهمة العمل على تحقيق انهاض ثوري عربي ، على طريق استكمال مهام الحرية والديمقراطية ، الا ان هذه القوى متعارضة ومنقسمة ومتنافسة ، مما يجعلنا نطرح تساؤلاً حول مدى حقيقة وجود يسار عربي وحتي فلسطيني ، فالعبرة ليست باطلاق المسميات ، بقدر ملاحظة دور هذا الاطار او ذاك، في سياق الصراع او النضال الدائر داخلياً في المجتمعات العربية ،وخارجياً في مواجهة القوى المعادية والمحتلة ، ولعل هذا ايضاً يطرح او يوضح طبيعية الازمة الفلسطينية الداخلية المنحصرة بين حركتي فتح وحماس ، والقوى الاخرى تحصر مكانتها في ان تفسر وتنظر ولا تطرح البديل ،مما اعاق امكانيات وحدة فلسطينية كفاحية ،وليس مصالحة حيث هي لفظة لا تليق بين مكونات حركات تحرر ، وفي الجانب الاخر فان اليسار الاسرائيلي ظل قاصراً عن اداء اي دور او ان يكون له وزن في السياسية الفاشية القومية العصبوية لليمن الاسرائيلي التوراتي ، وهكذا وصل الصراع ويكاد ان يقترب من التحول الى صراع ديني ، تحديداً بين اليهودية والاسلام وهذا ما يعبر عنه نتنياهو حين يدعو الى دولة يهودية ،بعد ان كان العالم معهم يرجو الاعتراف باسرائيل حسب قرارات الامم المتحدة واخرها ( 242 ) الذي قرر حدود حزيران 67 ،فقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية عبر اوسلوا ، باسرائيل دولة على حدود حزيران ، لكان تطور الاحداث والمتغيرات الموضوعية في الاقليم جعلها لا تكتفي بهذا فقط ، بل الاعتراف بها كدولة يهودية بكل ما يعني من تبعات !!.
ظلت اميركا ضامن لاسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني في مختلف المراحل من 1948 ، ومع ذلك تقبل كوسيط ، لكنها تعمل على فرض الامر الواقع ،بما يتوافق مع السياسية والمصلحة الاميركية ، التي تريد ان تبقي فلسطين ضمن دائرة نفوذها السياسي ، حتى تتمكن من استمرار هيمتنها على مجمل الشرق الاوسط ، ليس لنفطة بل لمكانتها الاستراتيجية الكونية،لا يمكن لدولة في حجم اميركا واستثمارتها التغاضي عنها ، وسعيها لانهاء الصراع على قاعدة دولتين لشعبين ، لكن ضمن رؤيتها التي عبر عنها اجتماع المتابعة العربي في قطر ،والذي اعلن قبول تبادل الاراضي ، مما يشيرمرة اخرى الى تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية ،ويعيد ذكريات المواقف العربية في الابعينيات من القرن الماضي تجاه القضية الفلسطينية ، وفي مرحلة النهوض القومي العربي في الستينيات حين لم يكن يستطع اي زعيم عربي في القرن الماضي ،الحديث عن اي تنازل في فلسطين حتى التاريخية ، وهكذا توافق النظام الرسمي العربي مع النهج الاميركي ، والذي يهدد فرص دولتين او حتى دولة واحدة ، لان اسرائيل لن تقبل بسذاجة دولة ديمقراطية واسعة ،في حين تطرح الاعتراف بها دولة يهودية، مسبقة لكل الاحتمالات التي من الممكن طرحها للحل من ايه جهة ، لانها تتهيء لتكون دولة ( ابرتهايد ) في الشرق الاوسط ، طالما تملك القوة والتأيد الاميركي والضعف العربي .
ويظل افق دحر الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية مشرع من حيث هي جزء من حركة التحرر العالمي ، ومدماك ثوري في مسيرة التحرر الانساني ، ولا ننظر الى تضامن روسيا والصين فقط ،بقدر ما نهتم بذلك التضامن العالمي مع كفاح شعبنا ، اخره تلك الدعوات الشعبية في بلدان اوروبا لمقاطعة اسرائيل ، ولقد بدأ يتنامى التضامن العالمي الشعبي مع نضال شعبنا ،ليحل مكان ما كان للتضامن مع فيتنام، ومع السود في جنوب افريقيا ، فالشعب الفلسطيني اليوم هو الشعب الاسود في الشرق الاوسط ،ولن تستطيع ايه قوة تملكها اسرائيل، او تساعدها الانظمة العربية ،او تدمير دول المواجهة من طمس القصبة الوطنية للشعب الفلسطيني المتواصل بنضاله حتى التحرر، ولقد بدى واضحا ان حالة الاحتواء لنهوض عربي ديمقراطي ، تحالفت فيها اميركا ومشيخات الخليج، تقع في دائرة الحرص على ابقاء المنطقة ضمن دائرة النفوذ وانهاء اية قدرة لمواجهة اسرائيل ، عبر تعاونهم من مرتزقة مضللة من انحاء العالم على الطريقة الانكشارية !! لضرب حركة التحرر العربي ومعارضتها بالدين كفكر ، وبقوة التدمير المنظم المعوم ماليا وعسكريا من تلك الجهات المتحالفة على بقاء الحال كما هو عليه ومنع تقدمة وتحرره .