محاولات لاعادة اكتشاف القدرة على الفشل

باسل سليم
2005 / 4 / 27 - 11:40     

اكتشفت الليلة أنني كاتب خائب لا ماض لي ولا مستقبل ....نعم أنا كاتب فاشل بجميع المقاييس ولا جدوى من نفض عقلي ومحاولة لملمة بعض الكلمات للتعزية ....
ماذا اريد إذاً !!! استدراج شفقة ، استعطاف قاريء متثائب في آخر الليل !! ماذا اريد !! حبيبة ضيعتها ذات لهفة كي تعيد لي حرارة ابداع افكار كاذبة
ماذا اريد !! جرائد تنشر صورتي المبتسمة وأنا اوقع لجموع وهمية من المعجبين على نسخة لم تنشر بعد من أعمالي الكاملة ...
أنا فاشل بجميع المقاييس ...
لم أنشر سوى قصيدة واحدة ، لا بل قصيدتين في مجلتين توقفتا عن الصدور بعد نشري للقصيدتين بسنة أو سنتين ...
حاولت الاقتراب من أحدى الصحف المحلية وخفت من حارس البناية وقررت تأجيل فكرة النشر التي تأجلت لسنين ... ثم استغرقت في عمل محموم لدحض فكرة صديقتي التي قالت لي مهينة أن ادعائي الكتابة ليس إلا مبرر آخر للكسل ...
نعم ...قررت أثبات العكس وعكفت على العمل والعمل والتطوير المهني حتى فقدت تلك الصديقة والقدرة على الكتابة لزمن ...
لا بل أنني قررت قبل ذلك بيع المكتبة ...لسد مصاريف زواج خارج الطائفة ولتبرير التخلص من خزانة الكتب الاضافية التي ثبتها على مدخل البيت والتي طالما ازعجت أمي ...يومها بكت صديقتي نفسها التي اتهمتني فيما سبق بالكسل وقالت أنني لن أكون كاتبا لأن من يبيع مكتبته يبيع روحه، شاب المكتبة الغبار الذي شاب علاقتي بالصديقة التي فقدتها بالمعية ...
قلت لكم أنني فاشل بجميع المقاييس ومثلي لا يطمح إلى أن يسمى بكاتب فاشل ، أنا فاشل حاف دون مقدمات ودون ادعاءات زائفة ...
لا قدرة لي على كتابة قصيدة واحدة إلا بتأثير أحدهم ، حتى أن صديقة أخرى اتهمتني أنني اسرق شخصيات الاخرين وأنني اعتلي اسمائهم كما لو أنهم درجات على سلم شهرتي ...
لم أكن فاشلا فقط ... ها انذا انتهازي من الطراز الرفيع ... انتهازي يحتاج الكتابة لتنميق مبررات الصعود التي تقوده الى ما يطمح من مصالح فردية ذاتية محضة ...
لم أكن بهذه الدرجة من الفشل من قبل ... كنت افضل حالا في مراهقتي عندما كنت ادبج مقطوعاتي التي لا تصنف ضمن صنف ادبي محدد... أيام كنت اكتب عن الحب والحرب والموت ، أيام كانت تختلط القصائد بمشاريع الروايات التي لم اكتبها يوما والتي كنت اعتقد انها مهمة لسبب بسيط : أنها تحكي عني أنا ...أنا الكاتب الخائب الذي لم يكمل رواية واحدة ولو مرة واحدة ... كتبت مقاطع خائبة وافكار هزيلة بين لحظة وأخرى
بل أنني لا اصلح أن اكون كاتبا مأجورا ..أو كاتب عقود عمل ..أو كاتب عقود زواج وأحوال مدنية تقليدية كما انني عاجز حتى عن امر من مثل تدبيج استرحام ...
أنا خائب كما لم أكن من قبل ...ولمداراة خيبتي سأطبع ديواني الاول على ورق اخشى ما اخشاه أن يكون من قلب شجرة لم التقها يوما ولم تصبني بأذى ...لطالما اعتقدت أن النشر الورقي تبديد للثروة الشجرية في العالم واصر على ان ازداد انتهازية واعتدي على الغطاء الاخضر وأقتل شجرة مسالمة...
أنا كاتب مدعي و فض وبلا تجربة تستحق الذكر ... لم ازرع شجرة في حياتي ...لم انقذ جائعا من الموت ... لم أحرر عصفور من الاسر ...لم أناشد رئيس مستبد بالافراج عن سجين رأي ...لم أزل شعرة رمش من عين صديق ... لم ارفع حمولة عن كاهل رجل عجوز...لم اقدر على تحدي سائق الحافلة ذات يوم للسماح للمشرد بالركوب على حسابي ولم اقم بما يمكن أن يكون ذو وزن من مثل اعطاء امل
أنا كاتب غارق في خيبتي ...حد الاختناق
مانشستر ـ يوم ما