رسالة للحوار المتمدن والأستاذ إبراهيم فتحى .. حول أسباب انعزال اليسار المصرى وانقسامه


بشير صقر
2013 / 5 / 25 - 15:30     

نظرا لأنى خلال الشهور الأخيرة غارق حتى آذانى فى عدد من الأمور الشخصية ؛ لم استطع متابعة النقاش الدائر بشكل حقيقى وبالتالى المشاركة فيه ؛لكنى انتزعت نفسى لمدة يوم للحاق بما يحدث على صفحات الحوار.
ولقد أزعجتنى حالة الضجيج التى أثارها ذلك النقاش بسبب النتائج التى من المرجح أن يفضى إليها وخصوصا فيما يتعلق بإمكانية التوصل إلى حدود تساعد فى التمهيد لتجاوز تلك الأزمة ( العزلة والانقسام ) ؛ والتى هى أهم الأهداف التى من المفترض أن ينتهى إليها النقاش.
وللحقيقة فإن الخطأ الرئيسى الذى تم ارتكابه فى هذا الأمر يتعلق بأمور شكلية وإجرائية وتنظيمية أكثر منها بمضمون الحوار.. و أهم تلك الأمور هو :
- توقيت الحوار وطريقة إدارته وحجم القضايا التى يناقشها والفترة الزمنية التى تشغلها تلك القضايا .
- إن التفاوت الواسع بين المتحاورين بشأن إمساكهم بالأحداث الكثيرة التى ترجمت تلك القضايا بشكل عملى وقدرة الذاكرة على الإلمام بها فى سياقاتها الفعلية وترتيبها الحقيقى وآثارها المباشرة والبعيدة قد لعب دورا كبيرا فى خلق حالة لبضجيج هذه .فلا يمكن بالمرة إدارة حوار حول حقبة زمنية تقارب القرن هى عمر الحركة اليسارية المصرية عموما ، وداخلها حول حقبة أخرى ( من أوائل الأربعينات وحتى الآن )تتجاوز السبعين عاما على صفحات موقع إلكترونى يقتصر دوره فى إدارة الحوار على نشر ما يصله من المحاور الرئيسى ( إبراهين فتحى ) وعديد ممن يناقشونه.
• ورغم تقديرنا الحقيقى لموقع الحوار المتمدن وإسهاماته وجديته إلا أنه كان واجبا عليه أن يدرك – حتى عن طريق استشارة بعض من يحيطون به من المفكرين والكتاب- أن يكون إعداده أكثر إحكاما وحرصا وذكاء وذلك :
1- لأن القضايا المثارة فى الحوار متعددة ومتشابكة ومعقدة وممتدة زمنيا وحساسة ومصيرية.وستستدعى أعدادا كبيرة ومتصاعدة من المتحاورين كلما قطع الحوار شوطا ؛ ويتطلب إدارة مُحكمة وتدخلا لتحديد القضايا المثارة ومناقشة الأحداث الهامة التى تعكس تلك القضايا وبلورة أو تلخيص ما تم الوصول إليه .. وهكذا يتم الحفاظ على حيوية الحوار وعلى مستواه راقيا ويحول دون هبوطه إلى مستوى المماحكات.
2- خصوصا وأن أحد طرفى الحوار هو إبراهيم فتحى أحد أبرز شهود العيان على حقبة السبعين عاما الأخيرة وأحد المشاركين بفعالية عملية وفكرية وسياسية فيها ؛ بينما طرفها الآخر – وهذا هو الأهم – هم كل من ينتمى للأفكار والنضالات اليسارية خصوصا الماركسية بغض النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم مع المحاور الرئيسى.
3- ولأن الحوار لا يتعلق بقضايا سياسية آنية ومتفجرة ويسهم فيه أعداد هائلة من الكتاب مما يسهل الوصول إلى تقديرات واضحة من واقع الأحداث اليومية بل يتصل بقضايا تاريخية فكرية وسياسية وعملية أسهمت فى تشكيل ملامح المنطقة ومصر وتتطلب أسلوبا وطريقة خاصة ومنطقا شفافا فى الوصول إلى تحديدات دقيقة بشأنها.
4- ولأن تركها لمنطق الفعل ورد الفعل وللتلقائية لا يخدم الهدف الذى من أجله تقرر فتح النقاش ويفضى إلى نتائج معاكسة لما يرجوه موقع الحوار المتمدن والمتحاورون والقراء.
5- وبسبب الضيق الشديد لفترة الحوار التى يقررها الموقع كقاعدة راسية فى الحوارات السابقة وهى أسابيع معدودة يصعب وقف هذا الضجيج والوصول إلى نتائج ملموسة. لقد كان حريا بالحوار المتمدن أن يتعامل مع هذا الأمر تعاملا استثنائيا باستدعاء مجموعة من المفكرين والكتاب لتنظيم الحوار وتحديد القضايا موضوع النقاش وترتيبها والانتقال إلى الأمام وبلورة النتائج والمقاربات .. هذا من ناحية.
• ومن ناحية أخرى كان جدير بإبراهيم فتحى وهو- بالقطع - يتوقع مثل هذا الضجيج – الذى أثاره مقاله لافتتاح الحوار – أن يعد العدة من حيث التحضير والتجهيز لجملة القضايا والآراء التى سيثيرها حديثه بشكل أكثر تفصيلا ؛ خصوصا وأن ذاكرته القوية ومعاصرته ومشاركته تسعفه دائما فى استدعاء البراهين والأفكار بخلاف قدرته على تلخيص ما يود تبيانه فى جمل قصيرة وعبارات دقيقة.
ولأن طريقته فى الكتابة شديدة التكثيف سيكتنف استقبالها من الكثيرين – مؤيدين له ومختلفين معه – صعوبات جمة ؛ وذلك لتباين الخلفيات السياسية أو معاصرة الأحداث أو حدود الإلمام بالتقديرات السياسية لأحداث بعينها أو لفترات زمنية محددة أو القدرة على النفاذ لجوهر الوقائع والأفكار التى تجرى مناقشتها؛ فقد كان مطلوبا أن يختار عددا من القضايا والأحداث المحددة ليناقشتها تفصيلا للتدليل على ما يريد إبرازه للمتحاورين، لقد كان ذلك جديرا بتجاوز كثير من هذه الصعوبات والمماحكات وتقليب المرارات وهو ما يدفع الحوار للتقدم ويحسم أفكارا وقضايا معينة وينتقل منها لأخرى وهكذا.
وأعتقد أن الفرصة ما زالت متاحة شرط أن يفرد الحوار المتمدن متسعا من الوقت لاستمرار ذلك الحوار للوصول به إلى نتائج واضحة ولا أعتقد أن ذلك مستحيل.
هذا عن الأمور الإجرائية والتنظيمية فى الحوار.
أما عن مضمون الحوار :
فأرى أن ما نقص مقال إبراهيم فتحى ليس ما أبداه محاوروه بشأن عدم تطرقه لأسباب العزلة والانقسام فهو فى حقيقة الأمر حدد الأسباب التى يراها وراء تلك العزلة وذلك الانقسام ومنها على سبيل المثال ( أن انتشار الفكر الاشتراكى فى مصر تم عن طريق مترجمين فابيين وهو ما لوث المنابع الفكرية الاشتراكية من البداية، ومنها الموقف من قضية التحرر الوطنى فى طبعته المصرية وقارنه بطبعته الصينية والفيتنامية وفى القلب منها عدم ربط القضية الفلاحية بقضية التحرر الوطنى ، ثم الارتداد عنه للضفة الأخرى المعاكسة وذلك باعتبار البرجوازية المصرية الرافضة للاستعمار متساوية مع ذلك الاستعمار فى مواجهة الشعب لهما ، ومنها الذيلية للناصرية ؛ ومنها تكاتف كثير من القوى السياسية كالقصر وكبار ملاك الأرض والرأسماليين ، والوفد و الإسلام السياسى بل وبريطانيا ضد الفكر الاشتراكى وأحزابه فى مصر والدأب فى منع انتشاره ، ومنها اعتبار الكفاح المسلح ضد المحتل البريطانى نوعا من الإرهاب فى نظر البعض ، ومنها انعكاس التحريفية السوفيتية وممارساتها السياسية على أفكار عديد من الاشتراكيين المصريين وقبله على القضية الفلسطينية . ليس هذا ما نقص المقال بل نقصه عدم تفصيل الوقائع والأحداث التى تشرح أسباب العزلة ثم الانقسام والتى قام بعرضها فى عبارات شديدة التكثيف ، وما يمكن أن يستنتجها القارئ من ثنايا المقال..
إن ما تسبب فى كثير من الضجيج وليس اللبس – مع استبعاد سوء القصد وسوء السمع طبعا- هو تلخيص عقود كاملة فى جمل قصيرة مما ساهم فى سوء الفهم ودفع بعض القراء للخلط بين اعتبار ذلك عرضا لوقائع وأحداث كثيرة بشكل شديد الإيجاز وبين اعتباره أمرا تقريريا ورأيا من عنديات الكاتب.
وعلى سبيل المثال تعرض المقال لإضراب عمال كفر الدوار فى أغسطس 1952 وأبرز رد فعل مجلس قيادة ضباط يوليو نحوه وللطريقة التى تمت بها محاكمة قادة الإضراب خميس والبقرى وإعدامهم وموقف ضباط يوليو من الطبقة العاملة وكذا موقف أحد فصائل اليسار الذى أيد ضباط الجيش ضد العمال ورغم أنه كاف للتدليل على الغرض الذى استهدفه المقال من الواقعة إلا أن بعض التفصيل المحدود بشأن قيام ضباط يوليو بإيكال مصير الطبقة العاملة والبت فى شئونها للجنة ثلاثية تتشكل من ضابط إتصال مجلس الثورة بالسفارة الأمريكية وضابط آخر من الضباط الأحرار والشيخ سيد قطب ، وأن الفصيل الذى هاجم خميس والبقرى لحساب حركة ( يوليو المباركة ) طبع منشورا كان معدا للتوزيع إلا أن عددا من المناضلين الرافضين لذلك الموقف جمعوا كميات كبيرة منه وقاموا بحرقه .
إن سرد بعض تلك التفاصيل له من التأثير فى عقول بعض القراء ما يتجاوز عملية التكثيف التى تناولت الواقعة بل إن ذكر كيف انتقل الهلع من كفر الدوار لعديد من المناطق العمالية ؛ وكيف تكرر ذلك بعده مباشرة فى إحدى قرى ميت غمر من قوات الشرطة التى واجهت الفلاحين المبتهجين بصدور قانون الإصلاح الزراعى والمنتظرين على رءوس حقولهم لتنفيذه على يد نفس القوات التى اصطادتهم بالرصاص فى الحقول.. ومن على أشجار النخيل التى تسلقوها هربا من عملية القنص وقبضت على من نجوا من الرصاص وغمرتهم لمدة أربعة أيام فى أحواض سقاية الخيل .. وكيف قبل كل ذلك وبعده تم تهريب 3000 فدان من أملاك عائلة فودة الإقطاعية من قانون الإصلاح ببيعها لعدد من تجار المخدرات بالمنطقة بعد تسرب خبر صدور القانون من داخل مجلس قيادة ضباط يوليو .
طبعا لكل كاتب طريقته فى التعبير؛ ولكل مقال سياق وهدف مبتغى من سطوره ، كما أن له تدفقا محددا وطريقة فى عرض الأحداث والأفكار.. لكن عملية التكثيف التى يتبعها إبراهيم فتحى فى كتاباته رغم أنها تروق البعض ويفهمها الكثيرون وأنا منهم لكنها لا تناسب بعضا آخر منهم وتدفعهم للخلط - كما قلنا – بين أن يكون ذلك رأيا أو تصريحا وبين أن يكون عرضا لوقائع – يرى المقال أنها معروفة للكافة – بشكل شديد التكثيف.
-الأمر الآخر الذى كان يجب على الكاتب تناوله بشكل أكثر تفصيلا هو انعكاس مفاهيم الاشتراكية الفابية وضعف امتلاك الكثيرين من قادة الحركة الاشتراكية المصرية للفكر الماركسى وانكاس ذلك على قضية التنظيم .
-ولأنى أرى بشكل خاص ومنذ سنوات أن ضعف الإلمام بالماركسية وبالتالى تدنى القدرة على قراءة الواقع الاجتماعى قد أسهم فى تشوش الكثير من أعضاء التنظيمات الشيوعية فى الموجة الثانية ومكّن كثيرا من الأعداء والخصوم من حصارها وخنقها واختراقها وما استتبعه ذلك من ضعف الفعالية السياسية وتحطيم القدرات التنظيمية وتدنى النشاط الجماهيرى وانهيار الروح المعنوية، أرى أيضا - من حواراتى ومشاهداتى لعدد من هؤلاء منذ بداية السبعينات- أن مفاهيمهم التنظيمية تمثل إحدى النقائص الشديدة فى تلك التنظيمات سواء فيما يتصل بالمعايير المطبقة فى العضوية والكادر والكادر القيادى أو فى احتياطات الأمان ومقاومة الشرطة السياسية أو فى تداول الأدبيات الحزبية أو فى الصلة بين الحزب والجماهير أو بين المستويات الحزبية وبعضها أو بين العناصر السرية والجماهيرية هذا من ناحية .
-ومن ناحية ثالثة كان لحصار تلك التنظيمات الشيوعية من قوى سياسية واجتماعية معادية على رأسها النظام الحاكم مثل الإسلام السياسى وكبار ملاك الأراضى وكبار الزراع والرأسماليين وأجهزتهم وتنظيماتهم وانتهاء بالكثير من دول الغرب الرأسمالى التى حظيت بصلات قوية مع النظام الحاكم .. كان لذلك الحصار دور فعال فى الحد من إمكانية تطور هذه التنظيمات أو علاج أخطائها أو تقويم انحرافاتها.
-هذا وقد كانت الضربات البوليسية قاسما مشتركا فى كل العهود التى مرت بها تلك التنظيمات فى مصر منذ بداية الأربعينات ؛ ناهيك عن الإعلام المعادى والمناخ الفكرى الرجعى السائد ، ومثلت تلك الضربات أحد العوامل الحاسمة فى عمليات الانقطاع المتوالية بين أجيال وموجات تلك الحركة وتنظيماتها .. حيث افتقدت التراكم والاستفادة من خبرات الأجيال الأقدم.
وهو مادفع كل جيل تقريبا لاستئناف النشاط من البداية وليس من حيث انتهى من سبقوه.
-وعلى العكس من ذلك استفاد النظام الحاكم من تراكم خبرة مقاومة هذه التنظيمات الشيوعية بل ومن خبرة الغرب الرأسمالى فى مقاومة الشيوعيين.
-وللأسف لعب بعض أعضاء تلك التنظيمات اليسارية السابقين الذين انحازوا أو انضووا – فيما بعد كارثة الحل – فى فلك وتنظيمات النظام الحاكم ؛ واستوزر بعض قادتهم .. لعبوا دورا لا يقل خطورة – من الناحية الموضوعية – عن الدور البوليسى استنادا إلى عدد من المقولات الزائفة التى راجت آنذاك ( عن التطور اللارأسمالى ) و( المجموعة الاشتراكية الموجودة فى السلطة ) .
-لقد كانت الاستراتيجية الأمنية فى مصر ودول الغرب الرأسمالى ذات الاهتمام الخاص بالحركة السياسية المصرية تستهدف بالأساس منع توارث أجيال الشيوعيين للخبرة المتراكمة السياسية والتنظيمية على وجه الخصوص وذلك بإعمال سياسة القطع بين الأجيال ، وفى هذا المناخ لا بد لأمراض الحلقية والعصبوية والمماحكات الصبيانية والفردية وحب الظهور من الانتشار فى صفوف تلك التنظيمات خصوصا بعد كارثة الحل وتحت وطأة التعذيب ومطارق النظام على رءوسهم.. مع محاربتهم فى أرزاقهم وفصلهم من العمل ومن المعاهد الدراسية وتشويه سمعتهم ؛ فخضع من خضع وانزوى من انزوى وانخرط فى الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى من انخرط ، ومن بقى على إيمانه وأصر على مواصلة العمل السياسى تلقفه فيما بعد حزب اليسار الشرعى ( التجمع ) الذى أسسه السادات ليستكمل به ديكور تعدديته المزيفة ، لكن الأهم هو أن من ظل قابضا على الجمر ورفض الخضوع والانزواء والعمالة قد استبدل النضال فى صفوف الفقراء بالنضال الاحتفالى الذى كان السمة الأبرز للعمل السياسى منذ عهد الراحل عبد الناصر وحتى يناير 2011 ولنا فى قرية كمشيش بعد اغتيال الشهيد صلاح حسين نموذج مثالى لنضال الاحتفالات.
-خلاصة الأمر أن الضعف الشديد فى الإمساك بالماركسية كأداة لقراءة الواقع الاجتماعى والسياسى المصرى والمفاهيم المغلوطة لقضايا التنظيم شكّلا معا حجر الزاوية التى انطلقت منها جملة الأخطاء والانحرافات والكوارث السياسية والتنظيمية التى حاقت بجانب كبير من فصائل الحركة الثانية للشيوعية المصرية ولا يمكن إغفال أن تنظيمات أخرى فيما بعد تبخرت وإن كان ذلك لأسباب مختلفة لكنها فى التحليل الأخير تبخرت.

* ويأتى فى النهاية .. السؤال الذى طرحه البعض على إبراهيم فتحى: وبم تفسر ما انتهى إليه حزب العمال الشيوعى ولم لم يستمر وكيف ذهب مع الريح ؟!
يأتى السؤال ليطلب منا – من باب الإنصاف - إجابة تتسق مع ما طرحه من تحليل لواقع الأزمة.
ومن جانبى إفادة لما طرحته فى السطور الأخيرة من تقديرات.
وللحقيقة – وليس دفاعا عن أحد أو تبريرا – بدأ ذلك الحزب نشاطه فى أوساط الطلاب بالأساس فى العام الأخير من ستينات القرن الماضى وفى السنة الأولى لم يكن نشاطه قد امتد إلى الطبقة العاملة لكنه ظهر فيما بعد فى مواقع محدودة
واستند إلى رؤية استراتيجية واضحة :
1- عن طبيعة السلطة الحاكمة فى مصر التى حددت أنها سلطة البرجوازية البيروقراطية وعرّفتها بأنها طبقة رأسمالية كبيرة لكنها تختلف عن الرأسمالية التقليدية ، وأن النظام الناصرى هو نظام رأسمالية الدولة البيروقراطية وأكدت أنه ليس نظاما اشتراكيا برغم جملة الإجراءات والتغييرات الاقتصادية التى قام بها وخصوصا قانون الإصلاح الزراعى وتأسيس القطاع العام و مجانية التعليم وغيرها ؛ وليست به مجموعة اشتراكية بالسلطة ، كما حددت أن هذه البرجوازية البيروقراطية لن تتحول إلى الاشتراكية كما كان يحلو للبعض أن يردد بل ستتحول إلى فيما بعد وبالتدريج إلى رأسمالية تقليدية مستفيدة مما تنهبه من القطاع العام و بفعل طبيعتها كرأسمالية مستغلة وبسبب علاقات الإنتاج القائمة وتحت تأثير عامل حدى هام – فوق اقتصادى- هو هزيمة 1967 وهو ما حدث بالحرف وطهر للعيان بدء ا من حقبة حكم السادات .
2- أما عن طبيعة الثورة القادمة فذكرت الرؤية الاستراتيجية : أنها ثورة اشتراكية لأن علاقات الإنتاج القائمة آنذاك علاقات رأسمالية إلا أنه ونظرا لمصادرة الحريات الديمقراطية ( كحقوق التنظيم والتعبير وغيرها ) لابد من استكمال الثورة البرجوازية بانتزاع تلك الحريات لتكون أسلحة الكادحين فى تغيير ميزان القوى ثم إنجاز الثورة الاشتراكية مع ملاحظة أن انتزاع الحريات وإنجاز الثورة الاشتراكية سيتمان فى مرحلة واحدة وإن كانا خطوتين مختلفتين ومتتاليتين .
3- وعن القضية الوطنية التى كانت محتدمة باحتلال إسرائيل للأرض المصرية ، ونظرا لأن النظام الناصرى كان معاديا للاستعمار لكنه لم يعتمد على الشعب فى مواجهته وحرمه من الحريات السياسية حددت الرؤية شعار ( الضرب معا والسير منفردين ) ؛ أى مواجهة الاستعمار فى الوقت الذى يواجهه النظام الناصرى .. لكن مع عدم خلط الأوراق معه ، وكان ذلك الشعار مختلفا مع شعار آخر يطرحه بعض اليساريين عن ( التحالف مع عبد الناصر فى القضية الوطنية ).
4- كما حددت الرؤية أيضا أن التحالف الاستراتيجى فى ذلك النضال من أجل تحرير الأرض وانتزاع الحريات الديمقراطية وإنجاز الثورة الاشتراكية يقتصر على العمال والفلاحين وفقراء الشعب.
- من ناحية أخرى : ولأن قوام ذلك التنظيم السياسى ( حزب العمال الشيوعى ) لم يتجاوز المائتى عضو منهم حوالى 50 % دون سن الثانية والعشرين ، 40 % دون سن الثلاثين ، وما يقرب من 10 % دون سن الخامسة والثلاثين، ولم يتجاوز الخامسة والثلاثين إلا آحاد .
ولأن الخبرة محدودة والتجربة الكفاحية متواضعة والتجربة الحزبية أشد تواضعا منى الحزب بضربة بوليسية عام 1973 أعد لها ونفذها على مدى 12 شهرا جهاز الأمن القومى ، وبعدها بدأ الطوفان
- حيث قام السادات – تقليلا للاحتقان الاجتماعى وتمييعا للصراع- بفتح الحدود لتغادر قطاعات واسعة من الفقراء إلى دول الخليج للعمل وازداد ذلك خصوصا بعد انتفاضة يناير 1977 التلقائية والتى شارك فيها كل القادة الجماهيريين فى الحزب فضلا عن عناصر أخرى يسارية.
- كما أسهمت حرب أكتوبر فى استشراء السطوة البوليسية على الشعب وتم إيهامه بأن الخير قادم بمجرد رحيل الاحتلال الإسرائيلى عن سيناء.
- وجند السادات أعضاء الجماعات الإسلامية لمواجهة حركة الطلاب اليساريين والناصريين والديمقراطيين فى الجامعات ، وعقد صفقته الشهيرة مع جماعة الإخوان المسلمين وأعطاها الضوء الأخضر للنشاط – دون اعتراف قانونى- الذى كان محوره الأساسى هو وقف النشاط الطلابى الذى يقوده اليساريون .
- وأعلن عن تنفيذ سياسة الانفتاح الاقتصادى ( او سياسة بيع كل شئ حتى هضبة الهرم) ، وشرع فى هيكلة الزراعة بعد أن رفع الحراسة عن أراضى وممتلكات الإقطاعيين السابقين والرأسماليين.
- وفى عام 1976 توجه صوب الاتحاد الاشتراكى ليبنى داخله حائطين مستعرضين، وأنشأ بذلك ثلاثة أحزاب( يمين ، وسط ،يسار ) أسماها ( الأحرار ، ومصر ، والتجمع ) وولّى على كل حزب واحدا من تنظيم الضباط الأحرار ( مصطفى كامل مراد، أنور السادات ، خالد محيى الدين ) ليستكمل ديكور تعدديته السياسية المزيفة.
عندما تغرق السيول قرية تغدو المنازل كالشوارع ، ولا يمكن القول ساعتها بأن هذا فى الخارج ( الشارع ) وذلك فى المنزل ، وما نستطيع القطع به هو أن الأخطاء التى ارتكبها ذلك الحزب والضربات التى تلقاها وأثرت على نشاطه السياسيى لم تكسر شوكته ولم توهن عظامه لكن ما أوقف فعاليته فعلا وفت ّ فى عضده كان الطوفان الذى دشنه السادات بعد حرب 1973 كما أوضحنا فى السطور السابقة وأصبح بموجبه بطلا للحرب والسلام .. مع العدو الصهيونى والولايات المتحدة الأمريكية.

25 مايو 2013