فراشاتي الثلاثه


حامد حمودي عباس
2013 / 5 / 22 - 17:37     


إلى ابنتي أرخوان .
لقد زرعتك في ارض الله البعيدة ، نبتة حملت عني إرث حب الجمال .. وأنا حينما أتطلع اليك عبر بحور الغربة ، أرى في وجهك لمسات فنان يرسم بريشة عملاقة خطوط الخير على لوحة السماء ، وتغيظني كل تلك الفضاءات التي أبعدتني عنك في لحظة إحساس بالحاجة إلى وطن .. عزائي الوحيد ، هو أنك تنعمين الآن في حياة لا تعرف معاني الكره .
والدك الذي يحبك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في جميع مناخات حياتي التي مرت ، وجدتني محتاج لكن أنت وأخواتك ، فراشات تنفث من أجنحتها نسائم الصباح ، لأتنفس منها روحي المحاصرة بإيماءات الموت على هامش صدفة لا أعلم أين ستكون .
في كل حالات استسلامي لأحلام البشر ، كنت أضعكن فوق تلك الأحلام .. فتشهق روحي إلى أعالي جسدي ، تنهال عليها سمات الحب ، والشوق ، والحنين ، والجوع لعلامة من علامات الفرح .
إن كل واحدة منكن ، هي عالم يصدح في ربوعه صوت الخلود ، ويداخلني شك يوما بأن الفناء سيبلغ منكن ما يريد .
من لا يهوى ان تكون له بنات كما انتن عليه من صورة ؟ .. من ذاك الذي أفتى بالمساس في ورقة شجرة أنثى في هذا العالم ؟ .. من أباح عرفا بالتسبب في سيلان دمعة على خد امرأة ؟ .
أبعدوا رذائلكم عن النساء في وطني .. ففيهن ولادة معاني أن تدور الأرض ، وتسطع الشمس ، فيستدل الناس من خلالها على مواعيد صلاتهم ، ونومهم ، ومتى تبدأ عندهم مواعيد العطاء ..
ابتعدوا أيها الأراذل عن نساء وطني .. ففيهن معاني أن نعيش ، وأن نأكل ، وأن نرتدي ستر أجسادنا ، ونبني مجتمعاتنا المعوزة دوما للاستقرار والأمن وكفاية الرزق .. إنهن ملاذ المتعبين ، وكهوف الشعراء ، ومصادر للكلمة الطيبة ، ومن دونهن لن تكون لأحد منكم ذات يميز بها عن حيوانات الله المنتشرة في أدغال الغاب ..
ابتعدوا .. ولا تقتربوا إلى محراب تتعبد عنده النساء ، وهن يمثلن أمام الهة العشق ، وحماية القلوب العطشى لصوت عندليب يحن إلى أنثاه .
في كل يوم تنحني ظهور نساء بلادي وهي تندب إبنا أو أخا أو زوج ، مزقته كوارث الطائفية المقيته ، وعند كل صباح يذوب تراب الارض في بلدي تحت سيلان الدماء الزكية دون واعز من شرف أو ضمير ..
متى ينطق العالم الأخرس ، لينقذ شعب العراق ، وفي مقدمتهم النساء ، من آثار خيوط لعبة حاكتها دوائر الاحتلال الوسخة ، ليعود لسان التاريخ ناطقا بعد أن قطعته سكين الاستبداد ؟ ..
غلت الأيدي التي تحارب النساء في وطني .. ولترتد إلى الوراء جميع الإرادات الذكورية الجبانة ، والتي تنصهر في بوتقة حملة العقول المصابة بالعفن ..
غلت أيديهم .. أولئك الذين يمدون أطرافهم المليئة ببقع الجذام ، ممن تطال ذنائبهم جسد صبية أو طفلة أو عجوز ، فيرسمون آثار الكي الشرسة على صفحات وجه صبوح .
ولتبقى بناتي الثلاثة ، مشاعل تنير لما تبقى من خطواتي القصيرة .. دروب الحياة .
حامد حمودي عباس