جوقة مبتذلي الماركسية


عقيل صالح
2013 / 5 / 22 - 08:25     

(لا بد من نشر ماركسية ماركس)

أهمية قراءة الأفكار الأخرى أو وجهات النظر الأخرى تقع في فهم الطرف الآخر, في فهم نواياه أو أسلوب نقاشه. و لهذا كأمر مبدئي, بالنسبة إلي, أن اقرأ كتابات الماركسيين و غير الماركسيين , للحصول على فهم أكثر شامل للأفكار التي يتداولها البشر. و قد قمت مؤخراً بقراءة (تحولات الكتابة التاريخية) لخاليد فؤاد طحطح, يكتب فيها عن التيارات الفكرية في التاريخ, و الحق يقال أنني كنت أتوق إلى ان أقرأ حرفاً عن ماركس أو الماركسية, حيث حتى غير الماركسيين لا ينكرون أهميتها في السياق الفكري, و سرعان ما حقق الإستاذ خاليد منيتي حيث وجدت قسم لكارل ماركس. طبعاً ورد الإستاذ خاليد أشياء منافية لأفكار كارل ماركس, و أقول طبعاً لأنني كنت على يقين أن سيتم رسم الماركسية بشكل خاطئ. هذا النوع من الرسم الخاطئ يثير الغضب, و لكن سرعان ما تصورت أن السيد خاليد ليس ملوماً فيما يكتب, هو ليس ماركسياً فلهذا يقدم صورة عامة عن الماركسية كما سمع عنها, و هذا جعلني أن اتصور أن الفهم الخاطئ للماركسية تم رسمها من قبل ريشة الماركسيين نفسهم, أعني مبتذلي الماركسية.

المفاهيم أو التعريفات التي قدمها السيد خاليد, ليست من السماء أو أقتطفها من الأشجار, بل وردت من أفواه مبتذلي الماركسية. فيقول السيد طحطح ناقداً للماركسية : (( و يرى ماركس أن الصراع سيحتدم بين الفريقين, و سينتهي بانتصار العمال و عندها سيتحول المجتمع و سينتقل إلى الشيوعية حيث تنعدم الطبقات, و هنا سيتوقف الصراع و تحل الخلافات عن طريق الود و الحوار, فتنتفي الحاجة للدولة و الجيش و الشرطة و سائر وسائل القهر ! لأن عهد الاستغلال قد ولى و انتهى, و لأن المجتمع بلا طبقات ستصبح معه الدولة من حيث إنها سلطة منظمة غير لازمة)) يعرض الكاتب هذه الفقرة ليرفقها نقداً لتلك المفاهيم فيواصل قائلاً : (( لكن هذا في المنطق السليم أمر مستحيل فالأولى أن تستمر الدولة و تتقوى حتى تمنع عودة الرأسمالية من جديد, ففي غياب الدولة تبقى الفرص سانحة لعودة البرجوازية, كم أن تشعب المشاكل و تناميها يستلزم بقاء ادولة لتطبيق القوانين و تنظيم المجتمع و إلا عمت الفوضى و انتشرت الاضطرابات.. )).

هذا النقد, لا يقوم به فقط غير الماركسيين, بل أيضاً الماركسيين, و لهذا المعادلة الصحيحة توحي بأن غير الماركسيين و الذين يبتذلون الماركسية متساويين تساو تام. أنا لن أجعل هذه الورقة رداً شخصياً على السيد طحطح, لأنه – كما أسلفت- ليس ملوماً فيما يقول, أنه غير ماركسي. هذا النقد, بكل يقين, نقد يستند إلى أساس ركيك, يسهل تآكله و سقوطه, صاحب هذا النقد لم يذكر و لو مرة في القسم كله عبارة (( ديكتاتورية البروليتاريا)) يرجح لأنه لا يفرق بين ((الشيوعية)) و ((ديكتاتورية البروليتاريا)).
((ديكتاتورية البروليتاريا)) هي جسر العبور إلى ((الشيوعية)) تقوم البروليتاريا بمحو الطبقات, بكل الأشكال القمعية, فلا تبقى طبقة باقية في ((الشيوعية)). واجب كارل ماركس كان يقتضي بأن يخبرنا الوسيلة للوصول إلى الشيوعية, هو لم ينظرها أو يختلقها, لأنه سبقنا و رآها في الامد البعيد. فالدولة تتلاشى بتلاشي الطبقات لينتقل المجتمع من : (( الكل حسب عمله , إلى الكل حسب حاجته)). ففي الشيوعية لا توجد طبقات لترجع أو تنبعث من جديد.

و يقوم مبتذلي الماركسية, كما يقوم غير الماركسيين, بإعتبار ان المرحلة الشيوعية غير عقلانية و لا يمكنها أن تتحقق, على إعتبار ان ماركس قد قام بإبداعها أو رسمها على حسب مشيئته.

يواصل السيد طحطح نقده للماركسية ليقول : (( فالتطور الذي عرفته أوربا أدى إلى تقوية النظام الرأسمالي أكثر مما سبق و أصبح العمال الأوربيون أنفسهم إحدى ركائز هذا النظام و جزءاً منه, فبعد وفاة كارل ماركس عرفت أوربا تقدماً في التعليم و التكنولوجيا و الثقافة الإنسانية, فقد اتسعت المبادئ الحقوقية و تغيرت طبيعة التركيبة الطبقية للمجتمع الأوربي, فأصبحت الطبقة البروليتارية طبقة أخرى تتمتع بكثير من الحقوق و الامتيازات, فقد أختفت ساعات العمل الطويلة و ارتفعت الأجور , و تحسنت الأحوال التأمينية, و اختفت حدة التناقضات الطبقية .. ))

السيد طحطح, و معاه أغلب الماركسيين, يعتبرون الماركسية تناصر الطبقة العاملة بشكل عام, و الإنتصار لشيء هو غير علمي, أيّ تسعى الماركسية لمساعدة الفقراء و الكادحين و العمال و سائر الشعب, فالعمال –بالنسبة إليهم- هي كتلة واحدة, و لهذا رؤية تحسن أحوال العمال في أوروبا أو غير أوروبا يناقض- على حسب رؤيتهم- الماركسية, إلا أن هناك عاملاً برجوازياً و عاملاً بروليتارياً, عامل يشتغل في المصنع ليخلق ((فائض القيمة)) و عامل يشتغل بشكل فردي ليخلق ((خدمة)), العمال من الطراز الأخير زاد عددهم مع ظهور دولة الرفاه التي تستدين, و لا تنتج ,لكي توفر الرفاه لشعبها – و هذه المسألة خارج موضوعنا .

و هذا يذكرنا كيف قام الماركسيين من الطبقة البتي برجوازية, بالإدعاء أن أوروبا الغربية اليوم تحتضن بما يسمى ((الاشتراكية الإنسانية)) حيث ((اشتراكية)) فيها ((ديموقراطية)) و ((تعددية)). هكذا يتحدث من لا يفقه حرفاً من ((الإشتراكية)). و لهذا يسقط ماركسيو البتي برجوازية و غير الماركسيين في مثل المستنقع, و يتفقون على أفكار متشابهه و متشابكة.

و هذا ما يجعلنا نستنتج, أن الماركسية صعبة, و لهذا ليس هناك أحداً- مثل نموذجنا السيد طحطح- ملوماً في عدم فهمها, و لكن الملامة تقع على من يتحدث عن الماركسية و ينظر لها, و يطالب بتطويرها.

و هذا ما يفسر قول السيد طحطح : (( و تغيرت اشكال الصراع تماما حتى ان الصراع الطبقي بالمفهوم الماركسي لن يعود له ظهور مجدد في المستقبل الأوربي, كما أنه حتى الاحزاب التي تبنت شعارات الماركسية و المساواة عندما كانت خارج الحكم, انتقلت مباشرة إلى الهرمية بعد الاستحواذ على السلطة, و هذه معضلة تنظيمية تفسر التباين بين الشيوعية المساواتية التي وصفها ماركس, و الشيوعية السلطوية التي جربها السوفييت و شعوب أخرى)).

و هكذا يقوم السيد طحطح بخلق شيوعية ((سلطوية)) و شيوعية ((لاسلطوية)), ناسياً ما معنى الشيوعية التي تقوم على اللاسلطة, فهو – على غرار أغلب المحللين – يستخدم لفظ ((الشيوعية)) مجازاً على أساس أنها نظام تم تطبيقه في الاتحاد السوفيتي, بينما هذا الكلام خاطئ كل الخطأ, يبدو أن السيد طحطح لم يطلع على ((ديكتاتورية البروليتاريا)) أثناء دراسته للماركسية فلهذا لا يعلم أن الاشتراكية تعني قمع الطبقات الأخرى بشكل خاص, و لهذا هي سلطوية لأقصى درجة – على حسب قول أنجلز.

و لهذا تخرج لنا بدعات تخبرنا أن الاشتراكية لا يجب عليها أن تكون ((سلطوية)) بل يجب عليها أن تكون ((توافقية)), هذا المطلب جوهرياً و ظاهرياً يدعو إلى إلغاء وظيفة الاشتراكية الأولى و هي قمع الطبقات الأخرى و محوها.

و لهذا نشر الوعي الماركسي يعتبر واجبنا الأساسي لإستئناف العمل الشيوعي, يجب علينا أن نزيل كل القاذورات من تلك العقول التي تلطخت في مستنقعات البتي برجوازية, لا بد من نشر ماركسية ماركس ! لنخرس جوقة مبتذلي الماركسية إلى الأبد!.