الغلطة


ضياء حميو
2013 / 5 / 18 - 23:15     

( قصة قصيرة )
في الطريق من غرفته التي بناها له اهل القرية بجانب المدرسة، الى مضافة شيخ القبيله،كان يفكر بحماقة حكمهِ المسبق ضد " نيتشه "،رغم انه لم يقرأه الا قليلا، ظنه فيلسوفا وحسب ،ومؤخرا حين إكتشفهُ شاعرا،فهم سرَّ تعلقِها بهِ .
وصل للقرية قبل سنة كمعلما في مدرستها،كان نقله بناءا على طلبه،الأمر الذي اعتبره زملاؤه وأصدقاؤه ،حماقة،فيما إعتبرتها هي هروبا من ذاته ،قبل ان يكون هروبا منها.
خصوصا وانه قرر ان يترك اي شيء له علاقة بالتكنلوجيا،بدءا من الهاتف الى الكومبيوتروانتهاءا بأقراص الموسيقى التي لم تكن تفارقه،حتى اللوحة التي رسمتها وأهدته إياها وخطتْ أسفلها مقولة نيتشه " كانت الحياة ستكون غلطة بدون الموسيقى " حتى هذه اللوحه تركها.
وآخر رسالة وصلته منها ولم يرد عليها ، قبل ان يغلق هاتفه، كانت " أحبكَ ".
وجد صعوبةً في البدء في تقبل أهل القرية لفكرة أن ينشىء صفا لمحو الأمية للبالغين،وافقوا أن يكون للذكور دون الإناث ،كونه المتطوع الوحيد لهذا وهو رجل،ولكنهم وبعد مدة وجيزة حين عرفوه واطمئنوا له ،وافقوا على صف الإناث الذي باشرن به قبل إسبوع.
دخل الى المضافة التي إعتاد ان يدخلها في أماسي سابقة كلما زارهم ضيف او مشكلة ما،لاستشارته او ليكون فيصلا في حكم.
ساعده على هذه المكانه دراسته السابقة أكاديميا لعلوم القرآن وعلوم الحديث.
لم يجد في المضافة غير الشيخ وأحد الفلاحين " حجي محمد "،إستغرب لهذا،المعتاد ان تمتلىء بالآخرين،كان وجه الحجي قاطباً وغاضبا .
القى التحية عليهما مصافحا ومقبِّلا .
أخذ مكانه ،أدرك انه أمر جاد وفيه قَسم ،حين رأى نسخة من القرآن ملفوفة بعناية أمام الشيخ ، ،الذي بادره قائلا :" أستاذ مصطفى ،اليوم دعوتَك،لا لنستشيرك بل لتكون شاهدا،حدث أمر له علاقة ببنت الحجي، وهي إحدى المتعلمات في صفك الجديد،وحدك مَنْ يقدر ان يؤكد أو ينفي مسألةً لها علاقة بمصير عائلتين ".
في تلك اللحظات كان يحاول أن يسترجع صورة إبنة الحجي ،هو يعرفها " فاطمة" ذات العشرين عام ،والعينان المتوقدتان،والذكيه،التي تريد ان تتعلم باسرع مايمكن،خلال حصتين تعلمت الحروف الأبجدية وتراكيبها الثلاث بسرعة أذهلته،وكذلك صارت تكتب إسمها وبعض الكلمات،إنتبه انها حين تخط الحروف كانت تبتسم من أعماقها.
فاجأه الحجي بالقول لائما ومتأففا :" لولا حماقتي وموافقتي على تعليم فاطمة لما كنت بهذا الموقف،فلاحون ما حاجتنا للكتابة..!؟،أقنعتنا بانه سيفيد ، خصوصا بتعلم القرآن الكريم، ولذا وافقت،ولكنك ومنذ إسبوع لم تعلمهم آية واحده".
تدخل الشيخ مهدئا من حدة الأخير:" الأستاذ ،مشكور يقوم باحسن مايمكن ويشهد له الجميع بذلك،وهو قد صار واحدا منا،عِرضه عِرضنا ،وشرفه شرفنا،وكل ماقام به بنية صافيه،له كل العرفان منا.
نظر اليهما وهما ينتظران ماسيقوله - :" أنا قلت لكم اني ساعلمهم القراءة والكتابه ،وحين يتعلموها ستمكنهم من قراءة القرآن الكريم ،لم أقل سأعلمهم الدين ،وبالنسبة لصف البنات ،لم أعطهم سوى حصتين ، وأمامهم وقت طويل ليتعلموا،مازالوا في البداية ،لايمكنهم الآن..".
قاطعه الحجي فرحا كمن كان ينتظر جملته الأخيرة موجها كلامه للشيخ-:" الم أقل لكَ؟،الورقة مزورة ،لايمكن لفاطمه أن تكتبَ هذا ،والأستاذ شهد الآن بذلك .
إنتبه لورقة بين يدي الشيخ ،ولم يفهم عمّا يتحدثان ...!
قال الشيخ - :" الاستاذ سيطّلع عليها وسيقسم بكتاب الله على شهادته ،هل توافق حجي، على كتاب الله قسماً للاستاذ !؟.
وبلا تردد وكأنه واثق من الشهاده بانها ستكون معزِزةً لاعتقاده ،خصوصا بعد جملة الاستاذ الاخيرة قائلا- :" نَعمْ " ونِعمَ بالله وبكتابه حكما وشاهدا".
- :" أستاذ مصطفى ،هاشم أحد شبابنا وأحد طلابك في صف الرجال ،طلب يد فاطمه ،وأبوها رفض لانه كان قد أعطى وعدا لغيره ،ولكن هاشم يقول انها تحبه وتريده ،وحين سألتها بحضور أبيها ،أنكرت ان تكون لها علاقة بهاشم ، وهذا الأخير يقول انها أنكرت لأنها تخاف ،وجاءني برسالة يقول انها كتبتها له ،كدليل على كلامه ، وقد أخبر جميع أصدقاءه بموضوع رسالتها ،سيكون مصير البنت صعب بالزواج،إن كانت لها ستشهد أنت وتقسمُ على القرآن وينتهي الأمر، وقد وافق أبوها على ذلك أمامك،وإن كان خلافه سينتهي الموضوع وهاشم يكذب،وسينال جزائه.
أخذ الورقة ولايعرف هل يده ترتجف أم رقة الورقة هي من زادة بارتجافها،لم يجد غير كلمتين فيها تملئان كل السطور تم تكرارهما ،كل مرة بحركة للحروف تختلف عن سابقتها ولكن لنفس الشخص ،لم يخطىء الخط ، كانت الكلمات في الورقة " هاشم أحبك...هاشم أحبك "،في البدء كانت الألف بعيدة عن الحاء ،والكاف منفصله عن الباء ورويدا بتكرارها إنتظمت بخط صحيح وواضح. نظر بعيونهم وقد جفتْ شفتاه،أدرك الشيخ حاجته لكأس ماء ،نادى أحدهم ،دخل حامل الماء ومن خلفه حشد من القرويين ،ظلوا واقفين ينتظرون قسمه ،تناول القرآن-:" أقسمُ بكتاب الله الكريم ،هذا الخط هو خط فاطمة ".
أراد الحجي أن يتدخل ،نهرهُ الشيخ بيده ،بمعنى كفى إنتهى الموضوع.
في طريق عودته ،كان يحث الخطى لغرفته ،وكمن وُلِد مجددا أخرج ورقة خط عليها " كانت الحياة ستكون غلطة بدون أحبك ".