الديناصورات لم تمت بعد، -إدفع إنّ ولادة الجديد تتعثر- أو -كيف سرق الشيّاب ثورة الشباب-


محمد المثلوثي
2013 / 5 / 17 - 22:48     

لازلنا نلاحظ ، ننظر ، نتابع ونستمع يوميّا من خلال مختلف أسلحة الإعلام النظامي بوسائله المتنوّعة لمختلف ديناصورات وشيوخ الطبقة السياسيّة المهيمنة منذ عشرات السنين مهما إختلفت مواقعهم حكما أو معارضة.
يبدو أنّ هذه الطبقة السياسيّة قد كسبت أشواطا عديدة في معركة تعزيز مواقعها وهيمنتها على المشهد العام، إذ بإستثناء بعض اللحظات التي إكتسح خلالها شباب الثورة وفاعليها بعض المواقع الإعلاميّة ولبعض الوقت خاصّة خلال شهري جانفي وفيفري 2011 ، فقد نجحت هذه الديناصورات السياسيّة والإعلاميّة في إستدراك الأمر وإعادة إحتلال مواقعها داخل الفضاء السياسي والإعلامي حتّى وهي حاملة لوسخها وتعفّنها.
منطلق معركة إعادة إحتلال الفضاء العام وللأسف كان محوره النضال الشبابي في الشوارع والساحات والذي خلّف المرارة والدم والإعاقة واليأس لدى هؤلاء وخلق دوافع العودة وإمكانياتها لدى غيرهم تحت مسميات الثورة والمصلحة الوطنية والإنتقال الديمقراطي واللعبة الإنتخابيّة... وكانت الغلبة فيها لمتغوّلي السياسة والإعلام سعيا محموما منهم بوعي واضح لإنقاذ النظام القائم مهما إختلفت القراءات والتبريرات المقدّمة.
في مواجهة دربة عشرات السنين من التحيل الإعلامي والسياسي ومن النشاط الحزبي والجمعياتي مهما كانت الشبهات التي تحوم حوله ، في مواجهة سلاح الإعلام والمال المشبوه لم يجد شباب الثورة موقعهم ومكانهم داخل الفضاء النضامي لسلاح الإعلام والسياسة والمال.
هذا الوضع دفع بالبعض من شباب الثورة إلى الإلتحاق بقائمة الأسياد الجدد في الأحزاب الجديدة أو القديمة بعضا يبحث عن متنفّس والبعض الآخر للأسف يبحث عن مورد رزق، يوهمون أنفسهم وأسيادهم يوميّا بأنّهم للفكر حاملون وعلى الحزب مدافعون.
إنبرى البعض الآخر يبيع الأخضر واليابس دون تورّط مباشر حزبيّا وسياسيّا ولكن بإعتبارهم سلعة وواجهة جذّابة للحرفاء وللنقاء تحت إمرة المتصرّفين في الأصل التجاري الإعلامي ولحساب المالكين الحقيقيين لهذا السلاح.
ثالث هذا البعض، إختار إن طوعا أو جبرا معنويّا الإنخراط في ما يسمّى جزافا العمل الجمعياتي تحت شعارات " أعتقني" و"صوتي" "ووقيّت" "وقيّدتش" " وروح الثورة" "وأحرار الثورة" "ورابطات الثورة"... يبيعون أخضر العشب ويابسه لمن يدفع أكثر مالا وتذاكر طائرات وندوات و نفوذا وحضورا في صالونات مناقشة الثورة المغدورة.
البعض الآخر، والذي يمثّل أغلبيّة الشباب الذي فعل ولا زال في الحراك الإجتماعي، فقد إعتكف يواصل أداء رسالة الثورة والحقّ كلّ مو موقعه وراء شاشة حاسوب أو في ساحة تجمّع أو في أرياف وبلدات ومدن البلاد يساهم في حراكها النضالي الإجتماعي المتواصل وإن اصاب بعضه الخمول واليأس ولكنّه يقاوم.
وفي مقابل ذلك ، وبإرادة واضحة من أصحاب المال والإعلام وخدم الطبقة السياسيّة يطغى ديناصورات الورق من رموز وجهاذبة السياسية والمجتمع المدنيّ المزيّف على المشهد العام داخل أطر الوهم التأسيسي والإنتخابي والمدني والحزبي حكومة ومعارضة ممّا جعلنا نجد أنفسنا أمام طبقة سياسيّة مكوّنة لواجهة النظام ومكمّلة لمسرحيّته التمثيليّة الكبرى مكتسحة للفضاء، محتلّة له تلعب دورها بإمتياز تحت قبّة المجلس التأسيسي أو في مكاتب القصبة أو بين أجنحة قصر المؤتمرات أو على شاشات التلفاز وتردّدات الراديو مدجّجة لبالمال المشبوه المتأتّي من داخل البلاد وخارجها.
تنقسم هذه الطبقة لتتكامل بين ضفّتين، ضفّة الحكم المؤقّت والمعارضة المؤقّتة، كلّ يحتلّ موقعه في لعبة النظام وتقاسم أدوار الحكم والمعارضة داخل نفس المشهد البذيء والمبتذل.
نجح اليوم، ديناصورات السياسة والمدنيّة في إحتلال المشهد العام سياسيا وإعلاميّا كما نجحوا سابقا في وئد إرهاصات الثورة بالإندساس في هياكلها ولجانها الجنينيّة منذ 17 ديسمبر ليزرعوا فيها يرقات موتها عبر جرّها لمنطق المحاصصة الحزبيّة تحت مسميات "الممكن السياسي" "والواقع السياسي" "والإنتقال الديمقراطي" "والمصلحة العليا للوطن".
ما لا يفهمه هؤلاء أنّ روح الثورة غير ذلك وأن الحراك الإجتماعي لم يضع في بوصلته الموجّهة لإحتجاجه مجلسا ولا إنتقالا ولا شريعة ولا دوما ولا تلفاز، إن الحراك الإجتماعي الضخم في تونس كما في أغلب بلدان العالم حراكا لم يجد لحدّ الآن من يمسك بخيوطه ولا بأسبابه المعلنة منها والخفيّة، لم يتلمّس جوهره ليفعل معه ومن خلاله لذلك ظلّ هذا الحراك منفلتا عن الجميع منذرا بخطورته رغم سذاجته المعلنة أحيانا وأفقه غير الواضح المعالم ورغم حركيّته التي لا تهدأ.
هذا الحراك لا يجد له متنفّسا -ولن يجده- داخل فضاء سلاح الإعلام أو السياسة أو "مجتمع المدنيّة" وذلك بالنظر لتضارب مصالح كلا الطرفين ، سعي وإن بدون وعي لإسقاط نظام الإختيارات الإقتصادية والإجتماعيّة يقابله إسفاف وسعي لتطويق هذا الحراك وتدجينه في لعبة إنتخاب يليه إنتخاب ومشهد يتكرّر بشكل أسوأ من سابقه .
إنّ المتنفّس الحقيقي المتبقّي لهذا الحراك، هو المتنفّس غير النظامي، الغير سلطوي، الفعل الشبابي المناضل، الحراك الإجتماعي المتواصل طبق خصوصياته وآفاقه، الفضاء المعلوماتي والإعلامي الموازي سلاح من لايملك الأسلحة اليوم، فرصة شباب الثورة لإعادة تأكيد أهدافها وأهدافهم ولإرجاعها إلى مسالكها الحقيقيّة.
متنفّس قاطع مع منظومات الحكم والمعارضة التي لا تتعدّى أن تكون أدوات التحكّم التي إبتدعها ويبتدعها أرباب النظام وأصحابه الحقيقيين، مكلفين خدمهم من نساء ورجال السياسة والإعلام والمال "و جماعة المجتمع المدني" بأداء أدوار محدّدة في آجال وأماكن محدّدة، يتحكّمون في لعبة الحكم والمعارضة حسب مصالحهم وتقييمهم لمستوى المخاطر التي تهدّد مواقعهم.
هل مازال بالإمكان شباب الثورة وأحرارها، لمهمشي ومعطلي ومفقّري هذا النظام إمكانيّة التواجد فكرا ومطلبا ثوريّا حقيقيّا في هذا الفضاء النظامي الجمعياتي والإعلامي والسياسي فضاء الأسلحة الموجّه لصدورهم؟
يصعب إن لم يستحل ذلك، لا مفرّ من العودة لدائرة الحريّة والجرأة والإستقلاليّة الأولى، تلك الدائرة التي زعزعت أركان الديكتاتوريّة طالما كانت خارج دائرة السيطرة والتدجين، إنها دائرة الإعلام الموازي والفنّ الموازي، والسياسة الموازية ، بعيدا عن مكبّلات الأيديولوجيا والحزب والمال والصورة والسلطة .
لقد مثّلت هذه الأدوات نقطة قوّة الحراك الثوري وسلاح من لا يملك سلاح المال والإعلام، كتابة على الجدران، فضاءات تواصل إجتماعي معلوماتي،فنّ خارج عن نطاق السلطة والتقليد، تنسيق مباشر مع المناضلين في الجهات، دعم لا محدود ودون حساب للتحركات، تنظيم وبرمجة حراك الشارع المستقلّ عن أجندة الإنتقال الديمقراطي والحلول الترقيعيّة.
إنّ المتربّصين بالثورة، خدم النظام وأدواته لم يقفوا في حدود ما حقّقوه من مكاسب داخل الفضاء العام بل إننا نجدهم اليوم يزحفون نحو الفضاء الموازي الذي ضلّ خارجا عن نطاق خدمتهم وسيطرتهم، لحدّ الآن على الأقلّ، إذ بعد تمييع وضرب مصداقيّته وخاصّة منه الفايسبوك ومسح مخلّفات الشرف الثوريّة من على حائط القصبة 2 وأغلب شوارع وساحات البلاد من معلقات وصور وشعارات، إنتقلوا إلى تشغيل سلاح الأمن والمراقبة والقضاء من جديد عبر تكثيف المراقبة على الأنترنات ومحاكمة الشباب الذي لا زال يؤمن بالكتابة على الجدران ليلا ونهارا وتجريم الحراك الإجتماعي والحديث المتواتر عن الجمعيات والتنظيمات غير القانونيّة في مسعى لتدجين الجميع تحت جبّة النظام والمصلحة الوطنيّة والإنتقال الديمقراطي السلس.
مالذي أخّر ولادة الجديد أو قد يكون أعاق تطوّره ونموّه سياسة وإعلاما وتنظيمات وفنّ ..... ؟
ليس لشباب الثورة وفاعليها اليوم غير أفق واحد، أفق من شأنه ضمان تواصل حراك مجتمعي منتفض، ثائر عن السائد، راغب في تحقيق حريّته وكرامته وحقّه في العيش، أفق قوامه الخروج عن سلاح السلطة وسلاح الإعلام وسلاح المال وسلاح السلاح وسلاح المجتمع المدني وسلاح الحزب وسلاح المجلس وسلاح الصندوق لإعلاء راية سلاح الثورة وسلاح الحريّة وسلاح الكرامة وسلاح الدم وسلاح السلاح وسلاح الحقّ في العيش الكريم دون سلطة متعفّنة كهذه أو كغيرها مهما كان لونها ودينها وربّها.
القطع مع عالم الديناصورات ونظام الديناصورات والإصرار على ولادة الجديد وضمان نموّه وتطوّره من خلال الدفاع عن روح الثورة وأهدافها وأدواتها وإن كانت بسيطة والتي لازالت خارج نطاق السيطرة، هو سلاح الثورة الذي بدونه ستصبح هذه البلاد عاقرا إلى أجل آخر ممكن ولكن ليس مع ديناصورات النظام وأشبال ديناصورات النظام وخدمه المطيعون.
(نص منشور في جريدة المشترك الثوري اصدار هيئات العمل الثوري بتونس)