الكل يريد أصواتنا....لا أحد يسمع أصواتنا


محمد المثلوثي
2013 / 5 / 12 - 23:12     

الكل يتغزل بنا، ويقول أننا أذكى شعب في العالم. الكل يبذل نفسه في خدمتنا، ويقسم بأغلظ الأيمان أن لا مصلحة شخصية له، وانه فقط يبحث عن "مصلحة البلاد"، أي مصلحتنا. الكل ينافس الكل من أجل "تحقيق أهداف الثورة"، أي أهدافنا. الكل ضد الكل في سبيل كسب ودنا. وفي موسم التزاوج الانتخابي تتناطح القرون، وتتشابك السواعد من أجل الفوز بمرتبة الذكر القائد، أي قائدنا. أصواتنا عزيزة على قلوبهم، الى درجة أن برامجهم تعدنا بساحل في البرمة وواحة في عين دراهم، وقطب صناعي في جبل الشعانبي ومزرعة سعيدة في الحوض المنجمي. ومن "علالش العيد" الى "كرادن الطماطم" نزولا الى "الكسكروتات"....كله يهون من أجل الظفر بأصواتنا.
وحالما نعطيهم أصواتنا، تتغير نبرة أصواتهم. فمن أصوات طبول الوعود، الى أصوات طبول الوعيد: نحن الشرعية، ولا شرعية الا لأصواتنا...كفوا عن نباح أصواتكم... "خلو الحكومة تخدم". وحين نستعيد أصواتنا، ونكتشف أن أصواتنا لم تكن أصواتنا بل أصوات الدعاية الانتخابية، وحين نخرج لنقول لهم: انكم لم تسمعوا أصواتنا حقا، وحتى أنكم لم تفهموا مغزى الأصوات التي منحناها إياكم، وأن قصدنا ليس منحكم أصواتنا، بل أملنا في أن تكونوا صدى لأصوات البؤس الذي يسوطنا ليل نهار...حينها يبدأ الصوت الحقيقي بالزئير، ومن قصف أصوات المنابر الاعلامية، الى لعلعة صوت الرصاص في الشوارع...
انهم لا شيء بدون أصواتنا. لكننا نصبح لا شيء حالما نعطيهم أصواتنا. وكأن أصواتنا تتحول الى شيء غريب عنا، وسلطة في مواجهتنا، حالما ندلي بها. نحن نعرف ذلك، ورغم ذلك نذهب اليهم، كلما دعونا، لنوزع عليهم أصواتنا. فنتوّج بعضهم كأصحاب الصوت الرسمي، ونترك بعضهم الآخر في صف انتظار أصواتنا القادمة. فأما أصحاب الصوت "الشرعي" فانهم يظلون متباهين بأصواتنا، وباسم أصواتنا يكتمون أصواتنا. وأما الذين خسروا أصواتنا، لأنهم سبق وأن خانوها بالصوت الصورة، فانهم يرون في كل صوت ننبس به ضد أصوات "الشرعية" كرصيد أصوات ستأتيهم في موسم التصويت القادم.
والغريب أنه حتى عندما يرفض معظمنا الإدلاء بصوته، لا أحد يعير ذلك اهتماما. ولا يعتبرونها أصواتا. وكأننا لم نقل لهم بالصمت العالي: أنتم، جميعكم، لا تمثلون أصواتنا. ليس لأننا نرغب في اعطاء صوتنا لطائفة أخرى غيركم، بل لأننا نريد أن نكون أصحاب اصواتنا، ولا نرغب في أن يمثل صوتنا أحد غيرنا، ولا نريد لأصواتنا أن تتحول الى قوة متعالية على أصواتنا.
لقد فهمنا الدرس، أيها السادة: انكم لا تستطيعون سماع أصواتنا، ببساطة لأنكم تعتبروننا مجرد أصوات. وحتى رفضنا السلبي للتصويت يدخل في باب حساباتكم للأصوات.
لذلك سنغير قانون اللعبة: سنترك لكم ثرثرة الأصوات، وديكور التصويت، وحملات التحضير لجني الأصوات، وخلفنا سنترك قطيع المصوتين، وكل مهرجي السيرك الذين يريدون اقناعنا بأن الأمور ستتغبر بالتصويت .... لن تسمعوا منا، أيها السادة، غير صوت هدير أقدامنا.
(نص منشور بجريدة المشترك الثوري اصدار هيئات العمل الثوري بتونس)