ثقافات العالم .. عراقياً


حسب الله يحيى
2013 / 5 / 11 - 15:14     

نحن مفتونون بالعالمية ، في وقت لا نأخذ منها سوى قشورها !
هذه (العالمية) نجدها في اسواق مفتوحة على كل صغيرة وكبيرة ، وعلى كل حسن ورديء ، وعلى كل ضار ونافع ، وعلى كل مغشوش ومخادع ووهمي وكاذب وفاسد وكاسد وسام وقاتل بدءاً من الغذاء والدواء الى الاسلحة التي يفترض ان تكون عوناً لنا في استتباب الحياة الآمنة في ربوع البلاد .. لنتبين انها تشكل عاملاً مساعداً على توسيع رقعة العنف في كل مكان .
واتسعت رقعة الاهتمام بـ(العالمية) هذه من مداها القطري والعربي والاقليمي والاسلامي ، ليتحول دفعة واحدة لمغازلة العالم على وسعه .. من دون ان تكون هناك جاهزية للعراق تؤهله لان يكون بلداً آمناً مستقراً ينتقي بأمواله ما هو جيد وضروري ومتقن ومفيد لصالح ابنائه .. ومن دون تفكير ودراية باهمية ان يكون للبلاد ما تنتجه لناسها من غذاء ومن ضرورات يومية يمكن تأهيل العراقيين لانتاجها محلياً ..
وقد تجاوز هذا الواقع الحياتي المتردي الى (فتنة) مغازلة العالم الخارجي بالمؤتمرات والمهرجانات .. حتى وصل الحال الى اقامة (مهرجان الزهور العالمي) فيما اصبح العراق اكبر مستورد لتموره وخضراواته وفواكهه وحبوبه وحتى ماء شربه .. وهو الذي كان مصدراً اساسيا لها من بين مدن العالم .
وما من وزارة عراقية لجأت الى قراءة العراق اقتصادياً وثقافياً .. ووضعت على وفق ذلك استراتيجية لعمل وطني حقيقي يمكن ان يسهم في تطوير البلاد وايجاد سبل افضل للعيش من خلال ما هو موجود ومتوفر في العراق من مواد اولية وطاقات بشرية او عقول نيرة قادرة على بناء البلاد بناء محكماً .
ان الامور لا تقاس بارتفاع مستوى دخل المواطن – الموظف تحديداً – وانما تقاس بمدى الاستفادة من هذا الدخل في تحسين الحياة العامة للمواطن الذي يعاني من فقدان الامن والاستقرار والاطمئنان على صحته في تناول شرابه وطعامه ودوائه ..
وفي امكانية الاطمئنان على غده من جملة السلبيات المحيطة به ، وهو في بيته وفي عمله وفي الشارع الذي يسير فيه.. وفي عدم تهديده لانه ينتمي الى مذهب او قومية او بشرة سمراء او سوداء او شقراء او عشيرة او منطقة او اسم او لقب .. كل هذه الامور مجتمعة من المهام الاولى الملقاة على الدولة التي تحفظ له حقوقه بوصفه انساناً .. من حقه الزام البرلمان بتشريع قوانين من شأنها ان تكفل له حياة كريمة ، وحكومة تتكفل بتحقيق هذه الحياة على ارض الواقع .
لكن شيئا من هذا كله بات غائبا ً ...
العراقيون لا يعرفون اين تذهب ثروات بلادهم ، كما لا يعرفون لماذا يتخم المسؤولون ونحفظ لهم حياتهم من كل مكروه ، فيما يظل المواطن تحت رحمة من لا رحمة لهم .
فيما تصر الوزارات والدوائر وحتى الاقسام على اقامة (نشاطات) عالمية وتضييف من شاءت من بقاع العالم لتغدق عليهم ما يشاءون .. فيما لا تتوفر للعراقيين الحياة الادنى لعيشهم بوصفهم بشراً !
نعم .. الانفتاح على العالم والاكتساب من خبرات الشعوب ونظم وقوانين العالم .. مسائل في غاية الاهمية .. ولكن هل تعلمنا من هذه المهرجانات والنشاطات والمؤتمرات والملتقيات (العالمية) شيئاً ؟
كل ما تعلمناه لا يخرج عن اطار المظاهر الكاذبة والمخادعة والاستهلاكية التي تصرف فيها الاموال الطائلة من دون جدوى الا ما يعبئه البعض في جيوبهم من اموال فائضة عن حاجة فقراء ومتسولي ومرضى وجرحى وشهداء العراق !!
ان وطناً لا يحفظ حياة آمنة وكريمة ومستقرة ويطمئن ابناءه في خبزهم وعافيتهم وسعادتهم ليس وطناً وانما هو ارض بور لا تصلح للعيش ..
من هنا نحتاج الى من يتطلع الى حياة الناس .. الى العراقيين الذين لم يبق فيهم عرق لم يشهد الاذى ويترقب الموت في كل لحظة ، فيما ينعم (القائمون على شؤونهم) في ترف الخضرة والمهرجانات العالمية الحسنة ذهاباً واياباً ..
حتى صار الواحد منهم يرى جنات عدن .. فيما يقاسي العراقيون لظى جهنم ولظى قوم لا تقوم في اذهانهم ذرة من شرف مسؤولية وطن يباع وشعب يهان ويمزق في كل لحظة ..
فهل نحن مقبلون على ثقافة سلبية تتسع لكل هذه الاحقاد والدمار والشرور مجتمعة .. او ان المستقبل يعد بالآمال وببارقة ضوء ؟
سنتفاءل على الرغم من كل ما جرى ويجري .. سنتفاءل ولا بديل لنا سوى التفاؤل .