من وحي التجربة


فلاح أمين الرهيمي
2013 / 5 / 10 - 20:24     

تعتبر التجربة إحدى مكونات المعرفة التي يكتسبها الإنسان من خلال مسيرته في الحياة للواقع العملي الموضوعي الملموس، حلوها ومرها، أفراحها ومآسيها، حفرها ومطبّاتها وانبساطها، ومع مرور الزمن تصبح دروس وأمثال وحكم مأثورة أو قوانين للإنسان، فتصبح تلك الأحداث محفورة في ذاكرة الإنسان بكل ما عبرتها من أشرعة الذكريات من خلال بحار متلاطمة الأمواج أو من خلال نسائم رقيقة.
إن تجربتي تعتبر رأي واجتهاد شخصي، وبما أن الرأي والاجتهاد الشخصي في جميع مراحله وأنواعه ليس قطعياً ولا مطلقاً وإنما نسبياً أي خاضعاً للبحث والاستدلال من قبل الرأي والاجتهاد للآخرين، إلا أن ذلك الطرح والاستعراض سوف يكون بحيادية ومصداقية وسوف يكون للتاريخ وحده وليس لغيره وللأجيال القادمة، حينما الأيام تترى وتستعرض تلك الأجيال أمام منصة التاريخ.
سوف يكون ما أستعرضه في الكتاب، استخلاص لتجربتي في الحزب الشيوعي العراقي منذ عام / 1950 حتى انقلاب 8 شباط الأسود الذي يعتبر المدخل لمآسينا ومصائبنا وكوارثنا التي من أشق الأمور على الإنسان وأصعبها أن يستنتج نهايتها ومسيرتها بعد أن أناخت العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة بكابوسها على صدر الوطن المذبوح وشعبه المستباح.
إن استعراض التاريخ لا يجوز أن يكون مجرد سرد للحوادث، بل يجب أن يكون مع السرد تحليل هذه الحوادث وتفسيرها باعتبارها تكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل، وهذه الأسباب والعوامل إما أن تكون سلبية أو إيجابية وتعتبر رافداً يصب في ذلك الحدث وإرجاع النتائج إلى أسبابها ومسبباتها وليس مجرد سردها. وإذا كانت السلبيات هي البارزة في الحدث، فيجب أن لا يكون التركيز على النقد فقط للسلبيات وإنما دراستها وإرجاعها إلى الأسباب والمسببات وإيجاد الحلول والبدائل لها حتى نتمكن من تحديدها والقضاء عليها ومن ثم طرح وإيجاد رؤية إيجابية تخلق وتعزز الأمل والرجاء للجماهير المسحوقة التي تبحث عن شيء أفضل لهمومها ومشاكلها ومعاناتها، من خلال النظر للوقائع التاريخية نظرة واقعية وموضوعية بعيون مفتوحة وعقل ثاقب برحابة صدر وشفافية والاستفادة من الماضي ودروسه واستنباط المواعظ والعبر من تلك التجربة وذلك الحدث.
إن الظروف والأوضاع المأساوية والكارثية التي جثمت على صدر العراق جعلتنا نلاحظ ظاهرة يعرفها ويدركها كل متتبع للأوضاع السياسية على الساحة الدولية وهي إن أية دولة في العالم تتعرض إلى كارثة داخلية أو خطر خارجي تبادر جميع قواه السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلى إقامة جبهة وطنية وتشكيل حكومة طوارئ من جميع القوى السياسية من أجل إنقاذ الوطن والدفاع عنه وإنقاذ الشعب من ذلك الخطر، لأن الوطن أكبر من القومية والطائفية والفئة، كما أن الشعب أوسع من القومية والطائفة والفئة. وهنا يحضرني بيتين من الشعر للشاعر العراقي المرحوم كاظم السماوي يقول :
وإذا تـكـاتـفـت الأكـف فـأي كـف تـقـطـعـون
وإذا تـعـانـقـت الشعوب فـأي درب تـسـلـكـون
إن العراق مسؤولية تاريخية في أعناق أبناءه، وقال الرسول الكريم النبي محمد (ص) (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، كما يقول الرئيس الهندي الأسبق الراحل بانديت نهرو في إحدى رسائله من سجنه إلى ابنته الراحلة أنديرا غاندي فيقول : (ضحي بالنفس من أجل العائلة، وضحي بالعائلة من أجل المجتمع، وضحي بالمجتمع من أجل الوطن).
ووطننا العراق المذبوح وشعبه المستباح بطلب ويستغيث من جميع القوى الوطنية والسياسية على الساحة العراقية (الجرأة والشجاعة ورحابة الصدر والشفافية) حتى تتكاتف الأيدي وتتعانق القلوب من أجل العراق.
إن الأيام تترى وتستعرض الأجيال أمام منصة التاريخ، وسوف يذكر حكمه الذي لا يرحم فيذم هذا ويمدح ذاك.