عن غياب دور المثقفين ودور الكرد وبقية المكونات عن الثورة السورية


عاصم محمود أمين
2013 / 4 / 29 - 20:23     

ربما إن جاز القول أن مفهوم الثورة في سياقها المعرفي بشكل عام،هي انقلاب على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، المؤلم وذلك لغياب العدالة والإنصاف،والفساد الأخلاقي والقيمي،من اجل خلق مجتمع إنساني أفضل يحمل قيما
وعقدا اجتماعيا جديدين، أكثر ملائمة لما هو معاش ومناسب لمعايير المجتمع وتطوره ومكوناته الأساسية.
ولا ريب أن الثورة الحقيقية المعاصرة والسليمة ،تأتي لإحقاق الحق على أسس ومرجعيات وأصول الثورات الحقيقية،بعيدا عن أية نزعة أو ظاهرة مذهبية أو طائفية أو دينية وعرقية ،وغير جائز أن تتماها سلوكياتها وأخلاقياتها وثقافتها مع ماتريد إسقاطه من نظام سياسي أو شكل الحكم أو حكومة...الخ
وعند الحديث عن الثورات المعاصرة لايمكن لنا أن نستغفل الدور الحقيقي (للطبقة الوسطى) حاملة روح المجمع وعقله وقيمه وأخلاقه (الفن-الأدب-العلم-الفكر-الأخلاق-الإرث الحضاري .....الخ)،لما لها من الدور القيادي والتخطيط ورسم المسار الذي تتخذه الثورة لتحقيق أهدافها،على أسس علمية وفكرية حضارية،تعبر عن مجمل مكونات المجتمع وتشمل كافة ميادين حياته، ولما فيه من قوى وفئات ومكونات تسعى للتغيير،وفق عقد اجتماعي جديد لايقصى منها أحدا (باختصار ثورة اجتماعية علمية توافقية)تشاركها جميع المؤسسات السياسية والأهلية،ولا يحق لأية شريحة أو مكون أن تخل بشروط العقد أو تفرض نظرتها أو فكرها وشريعتها على بقية المكونات الأخرى. لان الثورة هي مشروع إنساني لحياة وعيش أفضل و (الثورة الفرنسية عام 1798م)خير مثال.
وعلى هذا النحو ربما الحديث عن الثورة السورية ضمن السياق المذكور،قد يفتح أمامنا فضاءات من الجدل السياسي والعقم الفكري والنقدي والأيديولوجي على قدم وساق ، لطالما الثورات الحديثة بدأت بالتعبير عن الرأي،وامتدت إلى مساحات بقياس تنوع وتعدد مجتمعاتها.
الثورة السورية ليست بمنأى عن النقد والشخصنة والتمحيص،هي ليست مقدسة طالما نزعتها إسقاط ماهو مقدس،وهي أكثر عرضة كأي ظاهرة اجتماعية للنقد وذلك لغياب دور الطبقة الوسطى السورية فيها. والسؤال أين هي دور هذه الطبقة كونها عقل المجتمع السوري وروحه والقيمي؟لماذا دورها مهمشة ولامكان لها عند الحديث عن الثورة؟هل هي نفسها طبقة متشتتة ومسلوبة الكيان أسوة بالدور السياسي والاجتماعي؟أم أنها انتهازية تنتظر الأحداث والنتائج الجاهزة وتهرب من واجبها الوطني؟
تغدو من الإنصاف أن لانغفل دورها التاريخي ومحاولاتها الخجولة التي آلت إلى أقبية النظام المظلمة،لكنها لم تأخذ دورها الحقيقي حتى في ظل الثورة والأحداث الملتهبة في سورية حتى هذه اللحظة ،هي غائبة ومقصية عمدا ،لآرائها المتناقضة مع حماة الثورة وأهدافها،وإن تم في بداية الثورة اختيار بعض الكفاءات المثقفة (كدكتور برهان غليون والدكتور عبد الباسط سيدا وغيرهم من ذوي الفكر...الخ) لقيادة الثورة في(المجلس الوطني السوري) ومحاولة إعطاء الطبقة الوسطى دور القيادة، إلا أنها لم تكن سوى تحايلاً سياسيا على السوريين،بدليل لم يكن لهؤلاء أية قرار أو نفوذ على ارض الواقع للثورة،ولم يستطيعوا إيقاف الرصاص ليوم واحد حتى.
وفي الجانب الآخر لم تكن بقية المكونات السورية أيضا حاضرة عن الثورة ، كالكرد والأرمن والآشوريين والسريان والطوائف الأخرى كالمسيحيين والدروز ......الخ في البدء لقيت الثورة ترحيبا منهم لكن سرعان ما اتخذت الثورة منحا آخر وهو خيار التسليح وخيار القتل والانتقام على نهج النظام القمعي،العين بالعين والسن بالسن ،ناهيك عن بعدها الطائفي والمذهبي أسوة بالنظام .....الخ مما جعل موقف بقية المكونات حيادية ومتفرجة من الثورة،إذ أن هدف الثورة في نظرها ليست إسقاط الدولة والمؤسسات ونقل الحرب إلى المناطق الآمنة وتدمير البني التحتية الاقتصادية للبلد،بطريقة همجية ووحشية ،وإنما إسقاط النظام وأدواته القمعية،بالسبل السلمية وبالخسائر البشرية نفسها،كما أن هذه المكونات وجدت أن دورها مهمشة من خلال سلوكيات الثوار على الأرض وانقسامهم المذهبي والديني وتبنيهم مواقف متطرفة أحادية الفكر،

أضف إليها التدخل الإقليمي والدول العربية والغربية في قيادة الثورة وتوجيهها باتجاه أجندتهم ،أخرجت الثورة من مسارها الحقيقي أفقدتها وعيها وحولتها إلى ثورة طرشاء وعمياء، تقودها الرياح العاتية المحيطة بالسوريين.
وفي النهاية وبالرغم من الكل التضحيات والدماء التي أريقت وهدرت في سبيل الثورة وإسقاط النظام لايمكن للثورة السورية أن ترتقي إلى مستوى ثورة شعبية اجتماعية حقيقية، وان تسقط النظام وتقودنا إلى بر الأمان، مالم يقودها السوريون أنفسهم وعلى رأسها الطبقة الوسطى والمؤسسات الاجتماعية والأحزاب السياسية بكل مكوناتها ومعتقداتها وكل الفعاليات والأنشطة الأهلية .