عاش الاول من ايار


جورج حزبون
2013 / 4 / 28 - 19:49     

عاشت ذكرى الاول من ايار

مجيدة هي هذه الذكرى فقد ظلت راية للنضال بمختلف العناوين ، وان كانت الحركة النقابية ، حاضنة تلك الذكرى ، فهي الوعاء الذي تربي في اكنافه القادة الوطنين ، والذين دافعوا عن حقوق شعوبهم واستقلال اوطانهم ، حين ادركوا ان انهاء الاستغلال يرتبط بالاستقلال ، وان كانت تلك الذكرى قد اعتمدها الاممية الثانية منذ حوالي مائة وعشرون عاما ، فقد فرضت الذكرى ذاتها من حيث عالمية منبتها ، تحت عنوان ثمانية ساعات عمل في اليوم ، وكان النهوض الاول في استراليا ثم انتقل الى مختلف انحاء العالم ، وجاء الانفجار في اميركا ، وشيكاغو بالتحديد ، حيث كانت الرأسمالية اكثر وحشية ، والطبقة العاملة اكثر نضوجاً ، وهي حادثة تكشف منهج التوحش والعدوانية و الظلم الى حد القتل والافتراء ، على مستقبل الافراد و الشعوب وسحقها في سبيل زيادة الربح الذي هو الغاية الرئيسية للرأسمالية و تحت كل المعاير ، وان الاستبداد يظهر داخليا كما ظهر في امريكا التي اوصلها جشعها الراسمالي الى الامبريالية .
وحتى نتوافق مع ظروف بلادنا الراهن ، ومعطيات ما سمي ربيعاً ، فان الربيع العربي نشئ بنهوض الطبقة العاملة منذ بداية القرن الماضي ، حين وضعت المنطقة تحت الاستعمار ، مع نهاية الحرب العالمية الاولى ، بل تم تقسيم الوطن حتى لا يتمكن من القيام ، بهبة عارمة في كافة ارجاء الوطن ، وايضاً لتثبيت وحدة القوى الثورية وتحريك الروح العصبوية والفئوية والاثنية ، فكان التقسيم خيارا ، يضمن تفتيت قوة الحركة الوطنية العروبية التي قادت الحراك ضد الظلم العثماني ، ومن جهة اخرى تعطي القسمة جوائز ترضية لحلفاء الحرب العدوانية حينها .
كانت المنطقة العربية تحت الحكم العثماني زراعية ، ولم تنشئ بها صناعة ، باستثناء نظام ( مانيفاتورة ) ضعيف وبدائي ، وبهذا تكون علاقات الانتاج زراعية وتكون العلاقات الاجتماعية ذات نمط زراعي فلاحي ، وهذا ما ادى الى ضعف حركة المقاومة للمستعمر ، اضافة الى ان المواطنين كانوا فقراء وبلاد مهملة، والتعليم على مستوى الكتاتيب ، والارساليات التبشرية ، التي اقامت فيما بعد مدارس وجامعات تخرج منها العديد من المبدعين وقادة النهضة .
اقام المستعمرون قواعدهم العسكرية خاصة مع نشوب الحرب العالمية الثانية، والتي احتاجت الى خدمات ، وهي حافز لتشكيل ( نويات ) عمالية ، خرجت منها الحركة العمالية النقابية تحت قيادة عمال بواسل ، دافعوا عن حقوقهم وحقوق اوطانهم ، فكان ان ارتبطت الحركة النقابية منذ النشئة بالعلاقة الجدلية ما بين الوطني والطبقي ، ولعل المشهد الاكثر وضوحاً تجلى في فلسطين ، وفيها تشكلت اوائل الحركات النقابية في العالم العربي ، وفي اطارها تكونت الاحزاب والتنظيمات السياسية، وفي مقدمتها الحركة الشيوعية في فلسطين ، وكانت بذلك اول حركة ذات رؤيا اوضح مما ادخلها في صراع مع القوى القومية المنفذة في ذلك الوقت والتي تقودها العائلات الارستقراطية التي مكلت القرى ومن عليها ، وتساوقت مع الممثل البريطاني ، مما هيئ لضياع فلسطين ،التي فاجئتها الحرب وهي مفككة والقوات الاسرائيلية متاهبة ، والنتيجة اللجوء، الذي تساوقت معه القيادة الارستقراطية المتنفذة في حينه ، وشكلت تلك النكبة وتيرة هامة لنهوض الحركة الوطنية القومية العربية ، ثم تعزيزها بعناصر الحركات العمالية وادى الى نشوء الفكر القومي العروبي، والاممي والطبقي .
واستمر الربيع العربي ، داعياً الى الوحدة العربية القومية وتشكيل اطارات نقابية واسعة وقوية ، وجدت فيها اسرائيل وحلفائها عدواً خطراً ، قادراً على المنازلة مع الاستعمار بعد ان توطدت الدعوات العروبية بالقيادة الناصرية ، والتي جميعها اتجهت لالغاء ( سايكس بيكو ) واعادة صياغة وحدة الوطن العربية ديمقراطياً ، وكانت المنازلة مع كافة القوى الاستعمارية خاصة بعد الانتصار الثوري الجزائري والنهوض اليمني ، مما اشعل الضوء الاحمر ، لاقتراب المد من منابع الطاقة ، فكانت حرب 1967 وما ترتب عنها ، من تراجع حركات التحرر بالصدمة ، وبضعف انظمة الاستقلال الوطني ، ومنهجها في الاستبداد وقمع الوطنين، وزجهم لعشرات السنوات في السجون ، مما اتاح للاسلام السياسي التحرك بحرية ليكون البديل ، بالدعم المالي السعودي ، والتحالف مع انظمة الحكم ،ومباركة اميركا وحلفائها، وابرزها صفقة السادات معهم ، فكان ان رفعوا شعارهم الذي يعبر عن مضمون كافة التفاصيل التي ذكرت ، والمهمة المناطة بهم وهو ( ان الاسلام هو الحل ) وبالطبع يعني هذا العروبة والقومية والاممية والفكر الحر ، لا افق امامها ، وان طريق اسلمة المجتمع مفتوحة بضمان انظمة الحكم الاستبدادي .

ان حالة التفسخ للبلدان التي تحرك فيها الاسلامي السياسي لاستلام الحكم في الاونة الاخيرة، تؤكد ان تلك الحركات ليست الا ظاهرة عابرة مصطنعة ، وان الاصل هو الاستمرار في مسيرة الارتقاء بالحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وامنها ،وان وجدة القومية العربية قادرة على منازلة الاحتلال ومن معه ، وما استخدام تعبير الامة ( الاسلامية )الا ديماغوجيا ،لاعاقة الوحدة العربية والهروب الى الامام وخلط للاوراق لتضيع الحقيقة ويستمر الاستبداد ، وان الوصاية الاسلاموية ، اداة قمعية ومحاولة عابثة لاعاقة مسيرة التاريخ ، وضرب وحدة اداة التغير ( الطبقة العاملة ) بتفكيك وحدتها ، تحت نظام الطاعة لولي الامر ، ومنع الخروج عليه ، وبالتالي فهي الثورة المضادة ، وبديلها الثوري وحدة الطبقة العاملة ، قاطرة التاريخ ، بافق ثوار ايار وابطاله الشامخين رغم ظلام المرحلة .
فعاش الاول من ايار راية كفاحية.