ديكتاتورية الاقتصاد الوطني


محمد المثلوثي
2013 / 4 / 16 - 23:33     

يجب الضغط على الأجور من أجل الاقتصاد الوطني..... يجب وقف الإضرابات والاعتصامات حفاظا على الاقتصاد الوطني... يجب التخفيض من نفقات صندوق التعويض لمصلحة الاقتصاد الوطني... يجب الترفيع في الأسعار لإنعاش الاقتصاد الوطني... يجب منح امتيازات جبائية إضافية للمستثمرين لتنمية الاقتصاد الوطني... يجب تعزيز قوات البوليس والجيش لحماية الاقتصاد الوطني... على الفقراء ربط أحزمتهم أكثر من أجل ضمان إقلاع الاقتصاد الوطني... علينا أن نجوع أكثر، أن نفقر أكثر، أن نقبل بأكثر شروط الاستغلال والإذلال، وكل ذلك في مصلحة الاقتصاد الوطني...
لكن في المقابل فهذا الاقتصاد الوطني لا يحتمل تخفيضا في أرباح رجال الأعمال ضمانا للقدرة التنافسية لمؤسسات الاقتصاد الوطني... ولا يحتمل فرض ضرائب على ثروات الرأسماليين خوفا من هروبهم وبالتالي إضعاف الاقتصاد الوطني... ولا يحتمل الترفيع في النفقات الاجتماعية (صحة، تعليم، بنية أساسية...) حفاظا على التوازنات المالية للدولة راعية الاقتصاد الوطني... ولا يحتمل مواصلة إسناد فتات منحة البطالة على المعطلين عن العمل لأن ذلك يمثل عبئا على الميزانية ولا يشجع على العمل الذي يمثل "عماد" الاقتصاد الوطني... ولا يحتمل التخفيض في ساعات العمل أو في سن التقاعد (وهو الإجراء العملي الوحيد القادر على استيعاب البطالة المتفاقمة) لأن ذلك سيكون ضربة قاسمة للمردودية الاقتصادية للمؤسسات وتنافسية الاقتصاد الوطني... ولا يحتمل إعادة توزيع الثروات الطبيعية (نفط، فسفاط...) وتمتع الجهات المنتجة لهذه المواد من حصة في عائداتها لإعادة استثمارها في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والبيئي لتلك المناطق لأن ذلك سيخفض من مداخيل الشركات وسيخفض بالتالي من "الدخل القومي الخام" الذي يمثل روح الاقتصاد الوطني...
هكذا فكل شيء في مصلحة الطبقات المسحوقة يقف في التعارض مع مصلحة الاقتصاد الوطني... كل زيادة في الأجور، كل تخفيض في أعباء العمل، كل تحسين في وضع البؤس الذي يعيشه سكان الأحياء الفقيرة، كل حد من التلوث، كله يمثل عائقا ومعرقلا لازدهار الاقتصاد الوطني... وذلك لأن الاقتصاد الوطني يريد أن يكون حرا متحررا من كل ضغط يضعفه في سوق المنافسة العالمية... لأن الاستثمار الأجنبي لا يأتي إلا بضمان توفر نسب أرباح مناسبة، وبوجود يد عاملة رخيصة ومدجنة، وامتيازات جبائية مغرية... ولأن الاستثمار المحلي لا يتحرك إلا بضمان عدم المساس بثروته وحمايتها، ولا ينجز مشاريعه إلا في المناطق التي تساعده في التخفيض من نفقات الإنتاج (المناطق الساحلية خاصة) وتتوفر فيها البنية الأساسية الضرورية للإنتاج (طرق، موانئ، مطارات...). وهذا يعني أن كل مطلب اجتماعي ترفعه الفئات الاجتماعية المسحوقة، مهما كانت بساطته، هو في الواقع يتناقض مع مصلحة الاقتصاد الوطني... وفي المقابل فان مصلحة واحدة تتطابق تماما مع مصلحة الاقتصاد الوطني: إنها مصلحة رجال الأعمال والبيروقراطية العليا للدولة من الوزير إلى المدير...
ومصلحة الاقتصاد الوطني يعبر عنها في الغالب "بمصلحة البلاد". وكل من يعارض مصلحة الاقتصاد الوطني هو بالضرورة يعارض "مصلحة البلاد". لأن البلاد هنا لا تعني البشر الحقيقيين واحتياجاتهم الفعلية، بل هي ذلك الشيء المجرد في خطاب سياسي مجرد. لكن في تجريده إنما يخفي هذا الخطاب كون تلك "البلاد" التي يتغنى بمصلحتها السياسيين بمختلف مشاربهم إنما المقصود بها "بلاد" الرأسماليين وكل خدمهم. ومصلحتها إنما هي مصلحتهم. و"اقتصادها الوطني" إنما هو اقتصادهم ومشاريعهم وأرباحهم. وحتى "أزمتها" إنما هي "أزمتهم"، بمثل ما أن "ازدهارها" إنما هو ازدهار أعمالهم وتجارتهم... وعندما تختفي، في هذا الخطاب التضليلي، مصلحة الأسياد البورجوازيين وراء "المصلحة الوطنية"، ويتحول اقتصادهم الرأسمالي (والذي هو اقتصاد بلا دين ولا جنسية إلا دين الربح وجنسية حرب المنافسة) إلى "اقتصاد وطني"، فان كل من سيقف ضد مصالح رجال الأعمال والحشرات البيروقراطية للدولة (ويحضر هنا أعضاء المجلس التأسيسي كأكثر تعبير عن حقارة وطفيلية هذه الأجهزة الدولتية) سيجد نفسه متهما بكونه ضد "مصلحة البلاد" وضد "الاقتصاد الوطني"...
فهل نحن ضد "الاقتصاد الوطني"؟ في الواقع، نعم، فنحن ضد الاقتصاد الرأسمالي...
وهل نحن ضد "مصلحة البلاد"؟ في الواقع، نعم، فنحن ضد مصلحة الأسياد....
(نص منشور في جريدة المشترك الثوري "تونس" )