التحرش الجنسي..تحليل مادي


مجدى عبد الهادى
2013 / 4 / 9 - 02:01     

بؤس الفهم الأخلاقي :
------------
كالعادة صدعنا الليبراليون وإخوانهم من المثاليين المُغفلين بلغطهم المُستمر عن إنحطاط المجتمع وتخلفه ، فالمجتمع لا يحترم المرأة ويشيئها ، فيراها جسداً لا غير ، مُختصرين الظاهرة كلها في ثلة كلاب تتحرش بالنساء في عرض الطريق !!
والحقيقة أن هذه الطريقة في التفكير ليست جديدة بحال من الأحوال ، بل للآسف الشديد هى الطريقة السائدة كواحدة من مُخلفات العصور الوسطى !! وهى مُعتادة من هؤلاء الذين لا يفهمون المجتمع كموضوع للعلم ، قدر ما هو موضوع لصب لعناتهم ، كونه لا يتسق والمسطرة التي يقيسون عليها كيف يجب أن تكون حياتهم ، أو بمعنى أدق ، كيف يجب على ذاك المجتمع موائمة نفسه وفقاً لرغباتهم !!
حسناً أيها السادة المحترمون : صبوا لعناتكم على المجتمع كما تشاؤون ، فلن تحلوا مشكلة واحدة من مشكلاته بتلك الطريقة !!
والحقيقة أن جانب من هذه الطريقة في التعاطي مع المجتمع نابع من كونهم لا يعيشون حياة المجتمع المُنحطة ولا يحاولون الإقتراب منها حقيقةً ؛ ولهذا لا يفهمون لماذا يجب أن يكون بذلك الإنحطاط !! أما الجانب الآخر ، فهو إستعلائهم الطبقي والثقافي تجاه ذلك المجتمع !!
لهذا أدعوكم من البدايةً لتنحية المزايدات الاخلاقية والطواطم الإيديولوجية جانباً !! فلا شك أن المُتحرش هو شخص حقير بالمعنى الأخلاقي وجانح - نوعاً - بالمعنى النفسي والقانوني ، وبحيث يتطلب الأمر عقابه وتقويمه !!
إلا أن هذه ليست المشكلة ، وعليه فالحل لا يبدأ من هنا !!

الجمال والجنس كسلع :
------------
نعم ، فالجمال والجنس هى سلع يحوزها الأقدر والأغنى ، ولا يتوهمن أحداً أن هناك شيئاً واحداً خارج التداول السوقي في مجتمعات الملكية الخاصة ، فالأقدر على الدفع هو من يجوز الأجمل كما يحوز كل شئ آخر يحكمه قانون الثمن .
لكن المشكلة المرتبطة بالجنس تحديداً أنه ينتمي لنوعية خاصة من السلع ، التي لا يمكن إستهلاكهاً جدياً مع تجاهل النوعية أو الجودة (وبعض العاطفة الإنسانية بالطبع) ، بحيث أن استهلاكها بمستوى ردئ يساوي عدم إستهلاكهاً ، وبالمعنى النفسي والإقتصادي لا يتحقق الإشباع المطلوب دون توافر مستوى معين من النوعية ؛ ولهذا لا يجوز قياسها على نوعيات أخرى من السلع التي تحل محل بعضها بسهولة نسبية كالمأكل والملبس ... إلخ !!
ويرتبط بمسألة النوعية هذه ، فكرة "الجمال" النسبية طبقاً لأي فلسفة تاريخية أو إجتماعية أو نسبوية ، ولكنها تبقى فكرة واقعية مُؤثرة – ودون تناقض إطلاقاًَ مع تلك الطبيعة النسبية – داخل كل إطار اجتماعي مُحدد ، فلكل مجتمع – صغير أو كبير – في كل فترة زمنية – صغيرة أو كبيرة أيضاً – مقاييساً عامة للجمال ، وبحيث يتم بناءاً عليها خلق مجموعة من التراتبيات التي تميز الجميل عن القبيح ، وهو ما ينشأ عنه نوعاً من "التنميط" لسلعة الجمال – وما يرتبط بها بالطبع من موضة وأساليب تجميل - شأن أي سلعة أخرى في السوق ؛ بما يخلق نوعاً من تركز الطلب تجاه ذلك النوع الذي ميزته المقاييس الإجتماعية التاريخية – التي تحددها الطبقات السائدة بالأساس - باعتباره الجميل !!
وتجدر الإشارة أيضاً وفقاً لما سبق إلى اعتقادنا بأن التحرش ليس به أي نوع حقيقي من الإشباع الجنسي ، فالجنس فيه هو دافع ظاهري فقط ، يلعب دوراً نعم !! ويمثل شرطاً ضرورياً نعم !! لكنه – مهما كانت قوته - ليس شرطاً كافياً بأي حال من الأحوال للإقدام على فعل التحرش !! اللهم إلا كصدفة وبشكل شديد العرضية !!

الملبس كنمط استهلاك :
-------------
يناقش الجميع مسألة ملبس المرأة من زاوية الحرية وعدمها ، والحق أنه لا شئ يثير الإشمئزاز العلمي قدر ذلك التفكير الرغبوي المُنطلق من الطواطم الإيديولوجية وليس الوقائع العملية !!
فمهما كانت الحرية غالية ، فلا يجوز أبداً أن تصبح القيم هى مُنطلق التفكير ومُحركه – فهكذا تفكير الأطفال !! - في المعضلات الواقعية ذات الأبعاد المادية في ذلك العالم الذي لا يأبه أساساً بوجودنا ، ناهيك عن رغباتنا !! والأحرى أن نترك لتلك القيم قيادة إختياراتنا المبنية على الدراسة الوافية للإختيارات الواقعية التي يطرحها العالم المادي !! فهكذا يكون الجدل مع الواقع !!
فإذا نظرنا لمسألة الملبس بالمنطق المادي ، فأولاً هو من زاوية التداول الجنسي هو إحدى أدوات الممارسة الإنسانية لعملية الجذب الجنسي التي تمارسها كافة الحيوانات دون فارق على المستوى البيولوجي ، ثانياً هو من الناحية الإجتماعية أداة للفرز الإجتماعي بحكم كونه نمطاً إستهلاكياً اقتصادياً ، يعكس أوضاعاً طبقية وقيماً إجتماعية مرتبطة بها ، وثالثاً ، هو من الناحية الثقافية تعبير عن منظومة ثقافية وقيمية ، بحيث تعبر عن منظومة مُكتملة من السلوكيات المُرتبطة ، أي الحريات المرتبطة ، ما دمنا مشغولين الحرية !!
وإنطلاقاً من هاتين الخصيصتين الإجتماعيتين ، فالملاحظ :
أولاً : أن للملابس في كل مجتمع "متوسط تاريخي" ، يرتبط بالمستوى الضروري للعزل النسبي لعلامات الأنوثة والذكورة كضرورة لمستوى الكبت الملائم لضرورات الإنتاج ، وذلك انطلاقاً من المفهوم الإجتماعي العام لما يثير وما لا يثير !! فالقبائل البدائية تتعايش مع العُري الكامل كشئ اعتيادي لأن الجنس فيها أيضاً شئ اعتيادي لا يضير التوسع فيه نمط الإنتاج ، فيما لم تكن أوربا بالصورة التي نعرفها اليوم إلا منذ زمن قريب جداً !! ففي الثلاثينيات كانت المرأة التي ترتدي شراباً غير شفاف يعتبرونها إمرأة مُتفحشة خارجة على الذوق العام إذا كان ذلك الشراب بلون الجلد !!
ثانياً : الملابس هى تعبير عن منظومة قيمية مُتكاملة ومُتسقة داخلياً ، فالتحرر الكامل في الملبس يقتضي بالتبعية وجود الحرية الجنسية سواء كممارسات إختيارية أو مدفوعة ، وليس التقيد بمؤسسة الزواج الإقتصادية ، وهو ما يعني عدم دقة المقارنة ما بين الغرب ومجتمعاتنا ؛ لأن الأخيرة تعاني من تناقضات لا حل لها مع هذه القضية ، فمن ناحية إلحاح جنسي مُستمر ليلاً ونهاراً – في الإعلام والشارع - على أعصاب الذكور والإناث ، مقابل كبت شديد نتيجة لغياب المنافذ الشرعية وغير الشرعية ؛ لهذا لا غرابة في كون العالم العربي هو الأعلى عالمياً في معدل تزايد الإصابة بالإيدز !!

التحرش كظاهرة :
----------
عندما ندرس أي ظاهرة ، فعلينا عدم الإنجرار وراء الألفاظ المجردة ، بل يجب أن تكون البداية بعملية التعيين الواقعي حتى تكون المناقشة جدية لشئ يعرفه الواقع ، وليس توهمات أو تصورات ليس لها علاقة بالظاهرة الفعلية .
فتحديد النوعية الواقعية لظاهرة التحرش تفرض علينا التمييز بين أشكاله الواقعية التي نعايشها في الواقع المصري ، وهو ما يفرض علي تركها هنا لمراكز الأبحاث والمُتخصصين القادرين على تقديم دراسات وأبحاث واقعية وإمبيريقية عن الظاهرة .
وإن كنت سأكتفي – وارتباطاً بمتطلبات المقالة – بتمييز تظهره الملاحظة العينية المُجردة في الواقع المصري ، هى أن بعض أحداث التحرش الجماعي الأخيرة لا يمكن أن تكون معزولة عن السياق السياسي ، بما يدفعنا لتصور قصدية ما وراء ذلك النوع ، وهو نوع نتجاهله هنا ، فهو يدخل ضمن العنف السياسي ، ولا يدخل تحت عنوان التحرش بالمعني الذي نناقشه هنا .
أما ما يعنينا ، فهو التحرش الإجتماعي ، ذلك التحرش التلقائي ، الذي يقدم عليه ذلك المُنحرف عن قصد ووعي تام وبإرادته الحرة .

المُتحرشون :
-------
قلنا في البداية أن التصور الأخلاقي للمشكلة لا يحلها ؛ فأحد نتائجه الأساسية أنه يشوه نظرتنا للموضوع بوضع كل المتحرشين في سلة واحدة ، بما يشوه تصورنا عن المشكلة الحقيقية ، وكيفية علاجها .
فيعرف أي دارس للإحصاء أوالعلوم الإجتماعية أن هناك نوعاً من الإنتظام الطبيعي لأي ظاهرة أو سلوك جماعي ، وبحيث تتكون نسبة من 30 إلى 35 % من الجانحين أو المتطرفين على الجانبين ، وبينهما الجسم الأساسي للظاهرة المتوسط بينهما ، وهو ما يسمونه بالتوزيع الطبيعي ، والذي يتطابق نوعاً في مضمونه مع قانون الأعداد الكبيرة الشهير .
فليس كل المُتحرشين مرضي نفسيين أو مُنحرفين بالمعنى التقني أو حتى الدارج للكلمة ، وإذا نظرنا لجمهورهم فسنجده مُوزعاً وفقاً لهذا المفهوم ما بين فئتين جانحتين وفئة رئيسية :
1.المُتحرش الدائم : وهذا إما مُصاب بهوس جنسي مرضي أو ليس لسلوكه أي دافع جنسي أو حتى اجتماعي ، فهو شخص عدواني ومريض حرفياً في كلتا الحالتين ، ويجب توجيهه لمصحة نفسية أو للسجن .
2.المُتحرش العرضي : وهو مُتحرش تحت ضغط جنسي أو موقف عرضي ، وبحيث يسلك سلوكاً مُنحرفاً في حالات خاصة من تشجيع الفرص المجانية أو نتيجة خرق شديد من قبل الضحية تجاه المتوسط الإجتماعي للملبس ، وربما حتى من باب التظارف !!
3.المُتحرش الإجتماعي : وهذا هو النوع الذي يمثل الكتلة الرئيسية من المُتحرشين ، ودوافعه هى خليط من الرغبة (الجنسية / الإستحواذية) المكبوتة والإنتقام الإجتماعي العاجز !!
ومن هذا التقسيم أضع فرضية بأن ثلثي التحرش الجنسي في المجتمع المصري تقوم به الفئة الثالثة ممن تختلط لديهم الدوافع الجنسية والإجتماعية .
فإذا أردنا تحديد هذا المُتحرش بشكل واقعي من الوجهة الإجتماعية – حتى مع تجاهل المشاهدات الواقعية !! – فسيجمع بالتأكيد خصيصتين أساسيتين :
الكبت الجنسي : ليس مُشبع جنسياً ، أو مُشبع بشكل شديد الرداءة
العجز المُمتزج بالإحتقار : عاجز عن إقامة علاقة طوعية مع الطرف موضوع التحرش أو ما يشابهه
فبالتأكيد لن يكون هذا المُتحرش الإجتماعي شخصاً غنياً ، كون الأخير يستطيع الوصول لما يريد بوسائل مُعترف بها اجتماعياً ، بغض النظر حتى عن مشروعيتها !! وغالباً لن يكون من أبناء الطبقة الوسطى ، كونه يحظى بقدر من الإحترام الإجتماعي هو رأسماله الوحيد ، كما أنه يمتلك هامشاً للحركة وإمكانية للتواصل الطوعي مع موضوع التحرش رغم فقره النسبي !!
فالمُتحرش الإجتماعي هو ذلك الشاب الفقير إبن الفئات المُهمشة إجتماعياً واقتصادياً ، إنه شخص مكبوت إنسانياً وليس جنسياً فقط ، فاقد للأمل والأفق عموماً ، يعيش حياةً تفتقر في الغالب لأبسط شروط الإنسانية ، وفيما يتعلق بالجنس الآخر يعلم مُقدماً أن تودده لمن هى أعلى – ممن ينتمين للمقاييس الجمالية في المجتمع - سيُقابل بالإحتقار والتأفف ، فلا يمتلك أي أمل في وسيلة أو طريقة طوعية سواء مشروعة أو غير مشروعة للتواصل الجنسي أو العاطفي مع موضوع تحرشه الذي سننتقل لمناقشته حالاً .

المُتحرش بهن :
--------
نادراً ما نسمع عن حوادث التحرش ببنات الطبقة العُليا ، ولهذا نضعهن جانباً ، فلهن مجتمعاتهن الخاصة المعزولة ، حيث نادراً ما يوجد مجال للإحتكاك مع الفئة سالفة الذكر من الطبقات الدنيا ، اللهم إلا كموظفي خدمات وأعمال منزلية (وهؤلاء ليسوا مُهمشين) ، كما أنهن يمتلكن نفوذاً إجتماعياً قوياً يردع أي متحرش عن التفكير في المبادرة !!
أما بنات الطبقة الدنيا ، فأولاً ، هن في الغالب – لأسباب اجتماعية واقتصادية – ليس فيهن ما يغري ، حيث لا ينتمين للمقاييس الجمالية السائدة في المجتمع ، ولا يمتلكن نمط الحياة والفراغ والإمكانات الإقتصادية للتجمل بالمستوى المطلوب ، كما أن آليات مؤسسة الزواج الإقتصادية في تفاعلها مع عمليات التوارث الجيني تميل لإعادة توزيع الجمال طبقياً لصالح الفئات الأغنى ، فنادراً ما تتواجد فتيات متميزات جمالياً - بالمفهوم الإجتماعي السائد تاريخياً للجمال - في تلك الفئات الدنيا ، ثانياً ، بحكم كونهن في متناول اليد - نسبياً - طوعياً بالزواج أو بغيره بالنسبة للمُتحرش الإجتماعي سالف الذكر ، فلا توجد ضرورة للتحرش ؛ حيث يغيب الشرط الثاني وهو العجز عن التواصل !! ثالثاً ، لديهن قدرة ذاتية أكبر على ردع المُتحرشين مُقارنةً بنظارئهن من الطبقات الأخرى !!
تبقى فقط بنات الطبقة الوسطى كموضوع رئيسي للتحرش الجنسي من قبل المتحرش الإجتماعي ، فهن أولاً ، ضعيفات ومُفتقرات - غالباً - لشجاعة بنات الطبقة الدنيا ، ثانياً ، لسن معزولات عن الفئات الإجتماعية الأدنى من المتحرشين الإجتماعيين حيث يعايشن مساحة واسعة من الإحتكاك اليومي معهم ، وثالثاً ، هن أقرب في النمط الإستهلاكي والشكل الجمالي من الطبقات الأعلى من ناحية ، ومن ناحية أخرى يصعب التواصل الطوعي معهن من قبل المتحرش الإجتماعي ، وهو ما يوفر شرطي التحرش !! الرغبة المكبوتة مع العجز الممتزج بالإحتقار !!

التحرش الإجتماعي :
------------
وهكذا فالتحرش الإجتماعي المُمثل للكتلة الرئيسية للتحرش الجنسي في المجتمع المصري هو نتاج التفاوت الإجتماعي الشنيع ، والذي يكاد يخلق مجتمعين متناقضين ومختلفين في كل شئ ، وبحيث أصبح الجميع ضحايا وجناه في ذات الوقت !!
فالشاب إبن الفئات المُهمشة - الذي قد يكون حتى متزوجاً – يجد أمامه نماذجاً جمالية مُكثفة قياساً للنماذج المُعتادة في مستواه الإجتماعي ، هى بالنسبة له نمط أعلى من الإستهلاك الذي يعجز عن الوصول إليه ، فلا يجد بداً من السرقة أو السطو أو الإنتقام ، إختر ما شئت منها كتوصيف لفعل التحرش !!
وتضيع الفتيات – وخصوصاً بنات الطبقة الوسطى المحرومات من الحماية والنفوذ – وسط هذه المأساة ، بحيث يدفعن ثمن ذلك التفاوت الذي يخلق الحقد لدى من لا يملكون أي أمل أو أفق في الحياة ، دون أن يفهمن الدوافع الحقيقية لذلك الذي تشمأنط إذا ما كان أكثر طموحاً وحاول التودد إليها !!
فالفتاة بنت تلك الطبقة ترغب في مضاهاة بنات الطبقات العُليا ، ومقاربة النموذج الجمالي السائد في المجتمع ، والمُستهدف من الجميع تقريباً ، إنها ترغب في الوصول للنمط الإستهلاكي المُتميز الذي يضمن لها صديقاً حالياً أو زوجاً مُستقبلياً من مستوى لائق ، لكنها لا تعي أن التحييد الكامل لغير المُستهدفين ممن تحتقرهم مستحيل تماماً !!

الخاتمة : أصل الإلتزام الأخلاقي :
--------------------
الخلاصة أن هذا النوع من التحرش الجنسي في المجتمع المصري ، ليس مشكلةً أخلاقية كما يظن البعض ، وإن كان الإنحطاط الاخلاقي أحد الأعراض ولا شك ، لكن لا يمكن بحال من الأحوال إفتراض كونه المشكلة !!
كما أن الأخلاق نفسها لها أساس مادي ، فلا ينبع الإلتزام الأخلاقي من مجرد التلقين التربوي ، وإن كان للأخير دور في حالات محدودة وربما إستثنائية !!
فالإلتزام الأخلاقي ينبع بدايةً من الشعور بالإحترام تجاه الذات قبل أي شئ آخر ، فلا غرابة أن أول ما يقوله الناس لمن يخطئ "إحترم نفسك" !! ، وعليه فلا يمكنك أن تطلب من الفئات الإجتماعية المُهمشة التي يحتقرها أغلب مفردات الطبقات الأعلى بممارساتهم اليومية أن تخالف واقعها وتسلك بإحترام لا تجده في نظرة المجتمع لها ، وليس من المنطق أن تطلب من أحد أن يكون إنساناً وهو لا يعيش ظروفاً إنسانية من الأساس !!
وهذا هو السبب الأخلاقي لقلة المُتحرشين من أبناء الطبقة الوسطى ، فعملياً ، يعاني الأخيرون من الكبت الجنسي أكثر من غيرهم لصعوبات الزواج والعلاقات الحرة لديهم ، لكن الإلتزام الأخلاقي لديهم يكون أعلى ؛ لأنهم من ناحية يحظون برأسمال من الإحترام الإجتماعي يجب أن يحافظوا عليه كرأسمالهم الوحيد ، وثانياً ، لأن ظروف حياتهم الأكثر إنسانية تجعلهم أكثر طموحاً وأكثر مراعاةً للغير وأكثر ميلاً لعدم إهانة الذات .