البعد القومي في انتفاضات العرب


جورج حزبون
2013 / 4 / 7 - 01:09     

البعد القومي في انتفاضات العرب

بات واضحاً ان المنطقة مستهدفة بالقوى المحلية والدولية ، وكانت قد جرت محاولات متعددة لاعادة صياغة المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الاولى ،وبعد ان لم تفلح نتائج اتفاقات سايكس بيكو كما توقعوا، لكنها لم تفلح جميعها ، وقد تمحورت الامور حول اسرائيل ومحاولة توطينها سياسيا ، فالحركا الوطنية والقومية ، بنت ايدلوجيتها على معاداة اسرائيل ، وقد وجدت فيها خطراً جدياً على الامن القومي وسبيلا لتقسيم الوطن الى دويلات ، وظلت اسرائيل تستخدم اساليب مختلفة لتفكيك الموقف القومي ، سواء عبر الحروب المتواصلة ، او عبر شبكات التجسس ، او التخريب والفتنة الطائفية والاثنية .
ومعروف تماماً ان عدد من انظمة الدول العربية اقامت صلات مع اسرائيل ، منذ نشوئها ، وكانت التقت معها في معاداة حركات التحرر والاستقلال والديمقراطية وشكل هذا قاسم مشتك معها ، واسرائيل وجدت في ضرب الحركة الوطنية العربية ، طريقها لانهاء القضية الفلسطينية واقامة علاقات صريحة مع الانظمة العربية ، وفي ذات الوقت وجدت الانظمة العربية في ضرب حركة التحرر والتقدم ، مناسبة لابقاء انظمتها مسترخية في حكمها الرجعي المعادي للحرية و الديمقراطية ، وانهاء اية معارضة لها وابقاء شعوبها غير متيقظة لامرها ، وحتى يكون ذلك ممكنا كان لا بد من توفير البديل ، واتجهت لاستخدام الدين كبديل للوطنية ، باعتباره لا يعترف سوى بالاممية الاسلامية ، فكان ان اغدقت عليه اموال البترودولار ، خاصة وان هذه التوجهات جاءت بعد حرب تشرين لعام 1973.
وفيما بعد استخدمت اميركا ذات الاسلوب ، وان ادى الى احتراق اصابعها في احداث ايلول 11 ، الا انها وجدت في هذا النهج خطوة مناسبة دون ان تتدخل مباشرة ، كما حاولت سابقا اثناء الانزال في بيروت 1958 ، وعبر مشاريعها الاحتوائية المختلفة من ( اوميغا ) ( الى ملئ الفراغ ) الى حلف بغداد ، والتي جميعها اخفقت فيها ، وكان ان وجدت ضالتها في قوى لا تحتاج اكثر من تسليح وهو متوفر ، والى المال وتصرف السعودية ودخلت قطر حديثاً على الخط . ويتم تحريك هذه الفئات تحت مسميات الجهاد ، وقد اخذت ايضاً مجموعات الاسلام السياسي بعداً اممياً ، كما يتضح من المقاتلين المختلفين في سوريا ، والتعدد مفيد لصاحب المشروع ، لانه يساعده على السيطرة خلافاً لما ظهر مع بن لادن ، وهكذا تبلورت خطة منهجية يستخدم فيها الاسلام في الوجهة الخطاء، عبر تلك الفتاوى التي يقدمها ائمة السلاطين للمجاهدين دون ان يكونوا امتلوا من المعرفة الفقهية ما يؤهلهم لذلك ولو النزر اليسير ، حتى جاءت فتاواهم سخيفة ومهينة للدين وسموه عن نهجهم .
كل هذا واضح لاوباما ، وجاءت زيارته لفلسطين لتعلن تغيراً في الاساليب ، فان استمرت السلطة الوطنية الفلسطينية على مواقفها ، ستستمر اسرائيل في الاستيطان حيث وصل 21% من سكان الضفة الغربية ، وستقوم قطر بتشجيع ( حماس ) ودعمها المالي السخي ، لتستمر في الانقسام والحضور السياسي، وتواصل الزيارات الدولية والعربية والدبلوماسية لقطاع غزة ، الى جانب توسيع دورها في الضفة الغربية لانهاك السلطة الوطنية وضرب وحدانية التمثيل، ويمكن التوصل الى توافق مع اسرائيل لغض البصر عن انشطة حماس ، التي تتعهد بالتخلي عن التفجيرات والتوقف عن اطلاق الصواريخ بل ومنع الاخرين من اطلاقها كما هو جار هذه الايام ، وتبديد عدائية التمثيل السياسي الفلسطيني.
لذلك تحركت الادارة الاميركية لتنظيم وضعية الكتل المستنده اليها لعملية التغير ، وبدأت باعادة العلاقات التركية الاسرائيلية لما للطرفين من مصالح مشتركة في تغيرات المنطقة ، وتطمين اسرائيل حول الملف الايراني ، وان عليها الانتباه لما يجري حولها ، وان امر ايران تتكفل به اميركا ، واهتم الرئيس الاميريكي في زيارته للمنطقة بتطمين ابو مازن ايضاً ، وان وزير خارجيته سيعمل لاعادة المفاوضات مع اعلانه حق الفسطيني في دولة وضرورة وقف الاستيطان ، في خطوة لتهدءة الوضع الفلسطيني وتوقف حرج الانظمة الداعمة للاسلام السياسي لتواصل عملها دون احراج ودون تأثر ، خاصة وان فلسطين تحتضن المسجد الاقصى وهو ثالث الحرمين ولا يمكن لمجموعات الاسلام السياسي تجاهله ، ولذلك جاءت خطوة الملك عبدالله بارسال طائرة خاصة عاجلة لنقل الرئيس الفلسطيني لتوقيع اتفاقية حماية المقدسات في القدس ورعايتها من طرف الحكومة الاردنية ، علماً ان امر الاوقاف الاسلامية في القدس بقي منذ 1967 تحت الرعاية الاردنية ، وليس التوقيت الا رساله تطمين وجزء من عملية الحراك السياسي الجاري بالرعاية الاميركية وتهدئة فطر والسعودية.
وبقرأة ذلك التحرك وارتباطه بما هو جار في المنطقة وخاصة سوريا ، وتوافد قطاعات الاسلام السياسي لتدميرها وتمزيقها ، وعدم قدرة الاخوان في مصر وتونس على ادارة الدولة رغم وصولهم للسلطة ، حت اخذوا بالتوجه نحو الارهاب بالاغتيالات والقمع خاصة اصحاب الرأيلتثبيت حكمهم ،وبالنتيجة فان هذه التحركات كلها تشير الى ان الغاية أنهاء مقولة العروبة،والامن القومي العربي ، وضرب حركات التحرر العربي بكل اشكالها واستبدالها بالاسلمة لتكون حاضنة للمشروع التقسيمي المراد ترسيمه، ولتكون تركيا فيه رقماًَ اسياسياً بمختلف المسمياتـ، منها القدرة على مواجهة الشيعة والتشيع وقيادة هذا التيار ، وانهاء الصراع الاسرائيلي على قاعدة اقتصادية تنموية تديرها تركيا واسرائيل، وتنتهي شعارات العداء والرفض لاسرائيل لتصبح دولة جارة ،تسهم في التنمية الاسلامية وليس ( العربية ) ، والامر بسيط وله سوابق في التاريخ العربي، فقد كان هناك تحالف في الاندلس وساهم اليهود في عملية الاستثمار والتنمية مع دولة الخلافة الاموية هناك !!
هنا يصبح العداء والصراع الداخلي ( سني شيعي ) وربما طائفي مع اخرين مسيحين وبهائين وحتى صابئة، ثم اثني عربي كردي علوي ، لتدخل المنطقة الى صيغة جديدة ، تؤسس شرق اوسط جديد ، بعد ان تتدخل القوى الدولية لحماية الاقليات ، ليتكرر السيناريو العثماني ، وتبدد قدرات الشعوب العربية وتهدر طاقتها في هذا السيناريو الجاري تنفيذه، والذي يعيد صياغة جيوسياسية ، ويحاول تحقيق انتصار استراتجي بالمنطقة سعى له طويلا وبدا له افق عبر تحلفه مع معادلة الاسلام السياسي .