حول النظام العالمي الجديد


عقيل صالح
2013 / 4 / 2 - 00:52     

(اشكالية الفوضى العالمية الراهنة )

بعد ثورة التحرر الوطني و تفكيك الرأسمالية , أنتقل العالم إلى نظام عالمي جديد. و هذا من البديهي جداً إستنتاجه , و لكن في المقابل من الصعب جداً إثباته , أو بالأحرى إقناع الطرف الآخر به .

الشيوعيون الحاليون لا يزالون يحاربون الرأسمالية و الإمبريالية , بحكم إعتيادهم على شن حرب واسعة على الإمبريالية و على رأسها الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا , الشيوعيون غير الماركسيين يذكرونني بتشارلي شابلن في فيلم ( العصر الحديث Modern Times ) عندما كان يعمل في المصنع دون توقف , و حتى حين يأخذ استراحه فأنه لا يتوقف عن العمل لأنه أعتاد ان يعمل بشكل متواصل و سريع فتجده يواصل العمل محركاً يده في الهواء , هؤلاء مثل تشارلي شابلن أعتادوا على العمل السياسي الذي ينص على ثورة التحرر الوطني و معاداة امريكا و بريطانيا و فرنسا و يواصلون هذا المنهج حتى لو لم توجد ثورة تحرر وطني و لا امريكا و بريطانيا و فرنسا الامبريالية و الاستعمارية.

و لهذا نجد أنفسنا أحياناً نسهب في الحديث عن تلك المواضيع لأنها تشكل أهمية كبيرة في مسألة مصير العالم و أيضاً تشكل أهمية كبيرة في نقطة العمل الشيوعي الراهن .

العالم يمر بفوضى عارمة , هذا لا يستطيع أن ينكره أي شخص واعٍ بالأمور.

تجمعت أكثر من 40 دولة في بريتوون وودز الولايات المتحدة في 1944 لتقرر النظام الاقتصادي الجديد . جميع الدول كانت منهكه من الحرب و لهذا كانت تبحث عن طرق جديدة للإنتعاش.

اجتمعت الدول لتشهد نقلة اقتصادية كبيرة , حيث القوة الاقتصادية انتقلت من الجنيه الاستريلني إلى الدولار الأمريكي . كل العملات بعد معاهدة بريتوون وودز أصبحت مرتبطة بالدولار الأمريكي , تحول الدولار الأمريكي من عملة محلية إلى عملة احتياطية عالمية بديلة للذهب تقريباً. قدمت الولايات المتحدة ضماناً كاملاً بأن 35 دولار أمريكي يساوي أونصه من الذهب , أيّ أصبح الدولار بجدارة الذهب. و أيضاً تم إنشاء صندوق النقد الدولي و المصرف الدولي للإنشاء و التعمير.

و بهذا نفهم أن معاهدة بريتوون وددز جعلت الدولار عملة مرتبطة و تمثل الذهب عالمياً بشكل ثابت , و تم إعتماد الدولار كالممثل للذهب بضمان من حكومة الولايات المتحدة.

وبهذا بدأت الدول الأخرى تجمع أكبر عدد من الدولارات في خزائنها بإعتبارها عملة صعبة و قوية و موازية للذهب , على حسب وعد الولايات المتحدة.
و مع اشتعال ثورة التحرر الوطني , قامت الإمبريالية الأمريكية بضخ أموال هائلة لاحتواء الاشتراكية من الانتشار , فأصبحت تطبع دولارات بكثافة من أجل تغطية نفقات اخماد نار التحرر الوطني , إلى نهاية الستينات و هي تزيد من التسليح و طبع الدولارات .

هذا ادى في 1971 إلى فصل الدولار عن الذهب , أيّ كشف الدولار من دون غطاء ذهبي , مما أدى إلى تعويم الدولار , و اصبحت الدول الأخرى بالمقابل تطبع العملات من دون غطاء ذهبي و واصلت لصق نفسها بالدولار الأمريكي.

و هذا أدى إلى أتفاقية سميثسونيان في 1971 حيث تم خفض قيمة الدولار و جعل 38 دولار يساوي أونصة من الذهب و من ثم 40 دولار و من ثم 70 دولار في 1972 .
تلك المشكلات أدت إلى إعلان قرار رامبوييه 1975 – الذي يعود الفضل إلى الرفيق النمري في الإشارة إليه , و الرفيق زارا في ترجمة النص إلى العربية – و لاحقاً إلى اتفاقية جامايكا 1976 , هذان القراران جعلا العملة عائمة , أيّ لا علاقة لها اطلاقاً بالتغييرات في الإنتاج الوطني أو المحلي , هذا القرار جعل العملة الوطنية لتلك الدول المشاركة منفصلة تمام الإنفصال عن أي عملية إنتاج محلية , و بهذا قام الأغنياء الموجودون في تلك الدول بضخ أموالهم الهائلة في مضاربات في الاسواق المالية و في الاسهم , هذا شكل نقله كبيرة حيث ربحية هؤلاء التجار كانت هائلة و كبيرة , و في الجانب الآخر خلق اقتصاداً من طراز جديد و هو الاقتصاد الذي يعتمد على انتاج في مجال الخدمات و ليس في مجال الصناعة. هذا اثار غضب الرأسماليين الذين لم يريدوا التخلي عن نمط الانتاج الرأسمالي ( الانتاج السلعي-الصناعي) فحزموا حقائبهم و أنتقلوا إلى اماكن أخرى من أجل مواصلة الانتاج السلعي كما أعتادوا عليه . و ايضاً نص في القرارين أن يجب على الدول المشاركة مساعدة و تقديم الدعم المالي للدول النامية , هذا يدل على أن تلك الدول الغنية أرادت فتح العلاقات مع الدول التي انفصلت و شرعت ببناء اقتصاد وطني مستقل , و لكن هنا نجد أن تركيبة العالم الجديد قد شكلت في تلك الفترة , حيث عززت تلك الدول ثقافة الاستهلاك , فهي اخذت تضخ في تلك الدول النامية بضائع استهلاكية , و أيضاً قامت بالسماح للدول النامية بإقتراض المال من الدول الغنية (بشكل كبير).

تعزيز ثقافة الاستهلاك , تعني بالضرورة ربط الدول النامية – التي حصلت على استقلالها – بالدول الغنية مرة أخرى .

فليس هناك ما يسمى اليوم باقتصاد وطني مستقل .

نفهم الآن ان القرارات و الاحداث في فترة السبيعينيات هي التي شكلت تركيبة عالمنا اليوم.

مشكلة تبني الاقتصاد الخدمي يعارض الانتاج الرأسمالي . الانتاج الخدماتي غير معني بالسلع المادية , بل هي معنية بالمنتوجات الخدماتية , أو كما يحب ان يسميها بعض الاقتصاديين منتوجات غير مادية INTANGIBLE . نسبة الانتاج الخدماتي في أكبر فحول الرأسمالية تجاوزت الانتاج السلعي-الصناعي .
أيضاً التغيير الذي حدث في السبعينيات , غير من التركيبة الطبقية الموجودة.

بعد انتقال الرأسماليون من أهم مراكز الرأسمالية إلى دول أخرى , قام العمال البروليتاريون بالبحث عن وسائل للعيش اليومي , خصوصاً ان المصانع تركت مهجورة , فأنتقل العمال بشكل هائل إلى العمل في القطاع الخدماتي , أيّ انتقلوا إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة تحديداً. و لكن بالطبع ان العمال البروليتاريين موجودين و لكن بنسبة أقل من العمال في القطاع الخدمي.

الولايات المتحدة اليوم تواجه ديوناً هائلة , لأنها تواجه شح في الانتاج السلعي , و فوق هذا أصبحت تستورد المنتوجات السلعية من الدول الآسيوية و على رأسها الصين , الولايات المتحدة لأجل انقاذ نفسها من هذا الوضع قامت بطبع الدولارات من دون حسيب و لا رقيب , و بالمقابل الصين تملك مخزوناً من الدولارات التي تم طبعها تعسفاً.
و لكن هذا يؤدي إلى خفض قيمة الدولار , و لكن الصين و اليابان و كل الدول الغنية لن تسمح بخفض القيمة فلهذا يقوموا بشراء الدولارات المتواجدة في السوق و تقوم بكفالة BAIL الدولار ليعود إلى المشي على رجليه .

و لهذا يمر العالم بفوضى عارمة .

سقوط نظام البرجوازية الصغيرة في ظل الفوضى العالمية الراهنة هو أمر لا مفر منه , العالم ينتظر متى يقع هذا الحدث , نظام البرجوازية الصغيرة لن يصمد ليس بسبب ثورة شعبية بل بسبب الفوضى التي خلقتها في العالم , بسبب الفوضى المتسترة في عبائة النظام , ليس هناك في العالم سوى الفوضى , فوضى عارمة.
لابد للناس أن يفهموا طبيعة هذه الفوضى , و لا للناس ان يفهموا أن هذه الفوضى ستؤدي إلى نتائج وخيمة لا مفر منها.

العالم في السنوات الآتية سيتغير بلا شك , متى سيحدث ذلك ؟ قدرتي العقلية لا تسمح لي بتبؤ ذلك .

ما يؤسفنا حقاً هو بالرغم أن التغيير في البنية العالمية منذ السبيعنات قد غدا واضحاً و جلياً , إلا أن لا يزال البعض يزعق ضد المشاريع ((الإمبريالية )) و ((المؤامراتية )) , بحجة أن الولايات المتحدة احتلت العراق و الآن تحتل افغانستان , و لكن إذا يقع مفهوم الإمبريالية في مفهوم ضيق مثل ((التوسعية )) فأن الإمبراطورية الفارسية (تحت قيادة الملك داريوش ) ستكون أعرق و أم الإمبرياليات جميعاً ! . و أيضاً إذا يقع مفهوم ((الرأسمالية )) بحجم ثروة الشخص , فإذاً ((هارون الرشيد )) هو أبو الرأسمالية !.

و لكن ماذا يمكننا أن نقول أكثر أذ كان هؤلاء لا يعقلون و يتهموننا بأننا عملاء الإمبريالية كما تفضل احد زواري الكرام .

و أسفنا لا يقع في هذه المسألة و حسب , بل يقع في الحقيقة أن يقوم هؤلاء بمحاربة الأوهام , يحاربون غولاً غير موجود أو على حسب المثل المصري " اللي يخاف من العفريت يطلع له " , يحاربون شرير يلفظ أنفاسه الاخيرة !.

هؤلاء يركزون على كيف يطيحون بالصهيونية و بالولايات المتحدة و بالناتو , بينما واجبهم الرئيسي هو تحديد العدو الطبقي.

المعضلة في العمل الشيوعي , هو خلط الماركسية و القومية , و هو بكل المقاييس عملية لا يمكن لأي أحد أن يقوم بها بسبب شدة التناقض ما بين الفكرتين , و لكن هؤلاء يأخذون الماركسية بالشكل السياسي فقط و يمزجونها مع الفكر القومي العربي , فتجدهم يتحدثون عن الوحدة العربية اكثر مما يتحدثون عن العمل الشيوعي.

العرب الذين لم ينسوا جذورهم البرجوازية الصغيرة المتمثلة بالقومية العربية - حيث الكثير من القوميين العرب انظموا إلى تنظيمات شيوعية بعد نكسة 1967 -غدوا عائقاً على استئناف العمل الشيوعي , هؤلاء لا زالوا مرتبطين بالوجدان العربي و اعتكفوا على العمل السياسي فقط تحت راية الماركسية المزيفة و المبتذلة.

هؤلاء بسبب قصورهم في قراءة حركة الصراع الطبقي في التاريخ , استنتجوا أن الإمبريالية الامريكية نجحت في اسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي و بالتالي اسقاط الاتحاد السوفييتي و الكتلة الاشتراكية , هؤلاء لا يعرفون ان الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي انهارت قبل ثلاثين سنة من انهيار الاتحاد السوفييتي , هؤلاء لا يعرفون ان القيادة السوفييتية بعد انهيار الاشتراكية غدت قيادة عسكرية (برجوازية صغيرة ) .

لهذا نجد هؤلاء لا يزالوا يشنون حرباً على الولايات المتحدة و باقي الدول الغربية , و لهذا يقفون مع ((حسن نصرالله )) أو كما يسمونه (( سيد المقاومة )) بحجة أنه يقود المقاومة الوطنية ضد المشروع ((الإمبريالي الصهيوني )) (!!) , و لهذا لا يجدون أي مانع في الوقوف مع البعث السوري , و بهذا من دون أي خجل يقفون مع النظام الإسلامي الإيراني , و رأيت في احدى مواقع التواصل الاجتماعي تأييداً قوياً لمواقف (( أحمدي نجاد )) بإعتباره سداً منيعاً للإمبريالية من قبل أناس يدعون الشيوعية .
ماركسيون مبتذلون كهؤلاء لا يستحقون سوى الشفقة .

نكرر مراراً ان الفقر الفكري هو العائق , التركيز على العمل الوطني-السياسي هو ما يجعل هؤلاء يتخذون مواقف رجعية و منحطة تخالف الفكر الماركسي بشكل كلي و لكنها تحت راية الماركسية المزيفة .

من الخاطئ كليا استخدام الشعارات القديمة التي تصلح لوقت و فترة زمنية معينة , جمود عقائدي كهذا لابد من التخلي عنه نهائياً !.

لا بد من قيام منتدى ماركسي للبحث عن التغيير الذي جرى في تركيبة العالم , و لابد من نشر الوعي الماركسي بشكل مكثف.

النظام الفوضوي هذا لن يصمد , و من واجبنا معرفة فحواه .


عقيل صالح .