النانو - بارا سيكلوجي .. محاولة فلسفية لشرح أحجية ما


عماد البابلي
2013 / 3 / 31 - 17:28     

( 1 )
القرن الواحد والعشرين هو عصر النانو تكنلوجي ، مفهوم النانو يمكن تلخيصه في هذا المثال : نأخذ مكعب من الحديد طول ضلعه متر واحد ولنقطعه بأداة ما طولا وعرضا وارتفاعا سيكون لدينا ثمانية مكعبات طول ضلع الواحد منها 50 سنتيمترا ، وبمقارنة هذه المكعبات بالمكعب الأصلي نجد أنها ستحمل جميع خصائصه كاللون النعومة و التوصيل ودرجة الانصهار وغيرها من الخصائص .• سنقوم بقطع واحد من هذه المكعبات إلى ثمانية مكعبات أخرى ، و سيصبح طول ضلع الواحد منها 25 سنتيمترا وستحمل نفس الخصائص بالطبع• وبالاستعانة بمكبر مجهري وأداة قطع دقيقة، سنقوم بتكرار هذه العملية عدة مرات وسيصغر المقياس في كل مرة من السنتيمتر إلى المليمتر وصولا إلى الميكرومتر . و سنجد أن الخواص ستبقى كما هي عليه وهذا واقع مجرب في الحياة العملية, فخصائص المادة على مقياس الميكرومتر فأكبر لا تعتمد على الحجم .• نستمر بالقطع سنصل إلى ما أسميناه سابقا مقياس النانو ، عند هذا الحجم ستتغير جميع خصائص المادة كلياً بم فيها اللون والخصائص الكيميائية ؛ وسبب هذا التغير يعود إلى طبيعة التفاعلات بين الذرات المكونة لعنصر الحديد ، ففي الحجم الكبير من الحديد لا توجد هذه التفاعلات في الغالب, ونستنتج من ذلك أن الحديد ذا الحجم النانوي سيقوم بعمل مغاير عن الحديد ذي الحجم الكبير..

( 2 )
نفس الحالة عند الثانية ( الوحدة الزمنية ) والنانو ثانية ، الحدث عند الثانية يختلف كليا ما يحدث في النانو ثانية ، الباراسيكولوجي قد ينفعنا في حل هذه الأحجية ومن وحي النانو تبدأ حكايتي الغريبة هذه ... جفون تتفتح مثل زهرة تحاول عبثا إيجاد طريقا لها في عالم غاب عنه ضوء الشمس من زمن بعيد ، الجفون وافتتاحية نظر ثلاثية الإبعاد ، البعد الرابع ( الزمن ) غائب عن باقي أجزاء الصورة ، لهذا نعيش في الصورة الأشد ركودا وشحوبا من حياتنا المفترضة على هذا الكوكب .. خدر كامل ينسحب نحو الدماغ ، تحاول الأطراف أن تنهض ، تبدأ الرئة بسحب الأوكسجين ، الدماغ يدرك للتو ، يتأمل الجدران ويتأمل هنا وهناك ، نهوض صباحي لعين ، غرابة وعدم فهم مع الثواني الأولى ، من أنا ؟ .. ما هذا المكان الغريب ؟ .. لم تكن ثواني ، بل أجزاء من الثانية الواحدة ، كومة أسئلة تبدأ بالهرب بعيدا ، أسئلة تتعلق بكوننا غرباء على المحيط من حولنا ، شعور رائع بالانفصال ، تتلمس الأغطية من حولك ، أه هناك خمسة أصابع ( لما لم تكن أكثر أو أقل ؟؟!! ) وهناك صوت في داخل الصدر ، تك تك تك تك ، عضو رباعي المخادع يضخ الدم لباقي هذا الجسد ، إننا أفكار جيدة للمصمم الأول ، هذا المصمم الصامت الغارق في عزلته ، كيان بايلوجي بالغ التعقيد بالنسبة للبيئة المحيطة ، العشرات من أنواع البكتريا التي تعيش معنا وتتشارك معنا حتى النفس ، لعلها تفهم كل تلك التأملات ، لأن حياتها جزء من الثانية ، أكيد تفهم كل هذا الغنوص الفلسفي ، غنوص يبشر بنهاية حروب الجسد وبداية لعصر الروح ، من يستطيع العيش في داخل اللحظة ، ومن يستطيع تقسيمها حتى يصل للفاصلة بين دقة ودقة أخرى ، يسميها أطباء القلب بالموت الجزئي ، اليوغا تعطينا شيء أخر مشابه عن حالة سمو بين الشهيق والزفير ، السكن أو الوقوف بين الحالتين ، تجارب روحية خالدة تجعلك تقفز بعيدا عن مجمع الروائح الكريهة للديدان والصراصير المحيطة بك .. تنهض وتجلس وتراقب الساعة ، هناك عمل وهناك وضيفة وهناك ضجيج ، جثة هامدة بجانب لزوجة ( شريكة سكن وتناسل ) تتحدث لك من تحت البطانية : هل أعد لك الفطور ، تخبرها بالرفض ، تسمع شهيق قوي دلالة على الراحة النفسية ( !! ) ، المعدة تصرخ جائعة ، تأكل بعض الفتات وتترك المائدة ، لا يهم كثيرا نوع الفتات ، المهم هنا أن تخلص من حالة الأسر الغذائي ، الجوع دائما ما يوصف بأنه إله طاغي لا يمكن الفرار منه ، وهناك في القريب الجنس ، سيقان وجينز ضيق ( إفراز حضاري لحالة كبت ليبدوي ) الغدد التناسلية مثل المعدة تعاني من فرط الإفراز ، القنوات الجنسية مغلقة بفعل التابو والمقدس والممنوع في ذاته وبفعل كل القوى السحرية التي نومت المجتمع مغناطيسيا من عصور ، تسمع فيروز صباحا لتزيد عندك حالة الانفصال أكثر مما يعني تصبح اللعنة أشد تأثيرا ، تدخل للدائرة ولا شيء سوى التفاهة والكسل والعبث ، قربك كائن بشري يفتتح موضوعا معك ، كم بقى لشهر رمضان ؟؟؟ ليس لديه ما يتحدث به سوى هذا الموضوع !! ، تدخل في دوامة ( جزء من الثانية ) ما هو رمضان ، تأتي الإجابة : شهر من التجويع النهاري خاص بالدين الإسلامي ، الثانية تنتهي وتنسى ما حدث فيها ، تأتي ثانية أخرى وتشاهد بالتلفاز : انفجار سيارة مفخخة قرب مطعم شعبي خاص بالعمال ، تأتي الدوامة في ( النانو ثانية ) : لماذا يقتل البشر بعضهم ، يأتي الصوت المضخم : تنافس حاد بين المجموعات البشرية على موارد الطاقة يأخذ أشكالا مختلفة منها التضحية ببعض القرابين لإخافة الطرف الأخر .. تمر الثانية ويأتي عبر الهاتف رسالة نصية تخبرك عن صباح جميل من سيدة تعرفها ، تتجسد ملامحها في هذا النانو الصغير ثم يعقب الصوت أثناء دوران وجهها في ما يشبه لوحة رقمية : الإنثى البشري تدمن لا شعوريا مسلسل عدنان ولينا ، عدنان المنقذ دائما وأبدا .. وهكذا تعيش يومك كغريب وكملعون ومنفصل ولا تشبه أحد ، تغيب الشمس الآن وشعور باللذة الداخلية عبر فيض من عطور رائعة ، تداعب بصرك وسمعك وليس أنفاسك فقط ، بعض من الشعر وبعض من الفن عموما تجعل من اللعنة تدخل مرحلة تجميد ، تلك فحوى رسالة الكاتب الفرنسي مارسيل بروست ..