هل تتجه المنطقة الى المجهول


جورج حزبون
2013 / 3 / 29 - 22:23     

هل تتجه المنطقة الى ِالمجهول

لم تعد قمم القادة العرب ، تسترعي اهتمام المواطنين في العالم العربي، فقد فقدت مضمونها الوطني منذ غياب قيادات في قامة عبد الناصر وحتى حافظ الاسد ، وصدام حسين ، فلم يعد هناك بعداً كفاحياً لا بالحضور ولا بالقرارت ، ذلك بعد ان اصبح القرار القومي العربي ( خليجياً ) ، ويحتضن فكراً تامرياً ، وحقداً تاريخياً على حركة التحرر العربي ، حين كانت تدعى في ادبيات الحركات القومية العربية ، بالقوى الرجعية ، وهي انظمة لا تمتلك موهبة الدولة ، ولا تحظى بحضور خارج دائرة النفط والمهتمين به ، وتغيب فيها المواطنة حضوراً وحراكاً ، وحتى تتمكن من امتلاك عقيدة لدولة او لكيان ، توجهت للحركات الاسلاموية ، فهي تملك المال وهم يحتاجونه ، وبهذا العناق الوحشي المندفع ثأراً وحقداً ، وهو الحكم العضوض ، وتغطية على تحالفه التاريخي مع اصحاب القواعد العسكرية في بلادهم ، وهم اصحاب القرار السياسي فيه ايضاً ، تدافعوا لضرب القوى التقدمية وحركة التحرر العربي ، مستفيدين من تلك الحركات الفوضوية للاسلام السياسي،واجهاض فرصة قيام جمهوريات ديمقراطية بفعل الانتفاضات العربية التي انطلقت نحو التغير .
لم تعد القضية الفلسطينية تعني حالة وطنية عربية ، فقد تراجعت الى وضع حالة نزاع يمكن انهائها ( بالتوافق ) على الطريقة العربية التقليدية ،حيث هو نهج وعقيدة اصحاب القرار العربي القومي المستحدثين ، ويمكن انجاز الامر حتى بالتأثير على الجانب الفلسطيني ، بالحرمان المالي والمعنوي والسياسي ، فهم يعيشون نشوة النصر! والتغير للشرق الاوسط ،الذي لم تتمكن اميركا واسرائيل ، من انجازه رغم دعوتهم له منذ مطلع هذا القرن ، حتى تم التزاوج المصلحي مع حكام الخليج ، بدا يظهر لهم امكانية النجاح والتي ممكن البدء بها بوضوح بعد اسقاط دمشق وتبديد مكانتها في تاريخ العرب الحديث كقاعدة عروبية وهي التي قال فيها احمد شوقي :
جزاكم ذو الجلال بني دمشق فعز الشرق اوله دمشق
لقد اسقطت بلدان الخليج بالتحالف مع اميركا وحتى ايران ، الحركات الثورية العربية التي انطلقت في سبعينيات القرن الماضي ،والتي كانت من الممكن ان تطلق ثورة شاملة ،تعيد تلك المشيخيات الى واقع عروبتها ، فقد استعانوا بالجيش الايراني الشاهي لضرب ثورة ( ظفار ) ، ومع الامريكان لاسقاط جمهورية اليمن الديمقراطي ، ولا زالوا يتذكرون ثورة عبدالله السلال باليمن ، وتبني السعودية للامام يحي في زحفه لاسقاط الثورة التي اسندها عبد الناصر حتى لا تعود الى القرون الوسطى ، وتعرض بسبب ذلك الى مصاعب وصلت الى اسقاط الجيش المصري في حرب 67 حيث كانت قواته الضاربة تقاتل الرجعين في اليمن .
أن الافعى التي لا تغير جلدها تموت !، وهكذا عرف التحالف الامريكي الرجعي العربي ، ضرورة واهمية تغير منهجه ، فوجد في الحركات الدينية ضالته ، جهزها بالمال والسلاح ودربها واطلقها لتغير العالم العربي باعادته الى ما قبل مرحلة الاستعمار ، وان استطاعت الى ما قبل الثورة الصناعية ، بالتوجه الخليجي ، وهذا اشارة واضحة لتردي الوضع الثقافي العربي ، فالفن وهو تعبير عن مرحلة ثقافية من حيث هو جزء من منظومة البناء الفوقي للمجتمع تردى حتى صار خليجيا !، وبذلك تكون قد بدت تتكون ارضية مناسبة للاجهاز على حركة التحرر العربي واعادتها الى كهوف التاريخ واطلاق يد اميركا وحلفائها وتوفير المناخ لاسرائيل لتحقيق حضورها بمقايسها هي في المنطقة العربية وقد بدأت قريبة من ان تصبح دولة نفطية ليتم التوافق النهائي المرحلي،وبهذا تحصن تلك الدول ذاتها من حراك شعبي ، وتسهل لها امكانية استخدام الاسلام السياسي، لتضعها في خدمة مصالحها واهداف اميركا التي لم تعد تستطيع فرض قراراتها بالقوة العسكرية ، وتطلب الامر البحث عن اساليب جديدة ،بالتعاون مع القوة الناعمة ، لتحقيق اهداف القوة الغاشمة .
ساذج من يعتقد ان التاريخ يعود للخلف ، قد يتوقف سيره لكنه مستمر صعوداً ، وفي محاولة لقرأة ما نتج في تونس وليبا ومصر وحتى ما يتفاعل في سوريا ، يظهر ان امكانية استمرار تلك المناهج محكومة بالفشل ، في تونس بدا واضحا توحش القوى الاسلاموية الى حد الاغتيال للمعارضين كما تم مع بلعيد ، وفي مصر يحاكم مرسي الاعلامين والناقدين له ويسمح باطلاق النار على المعارضة ويهددها بما هو اشد ، ( وما هو يوشك ان يفعل!! ) ، في سوريا تتمايز المعارضة بين اذرعها المتعددة سواء بين الداخل وبين الخارج ، ورغم المحاولة الخليجية لاعطاء موقع سوريا في الجامعة العربية ( لمعاذ الخطيب ) فان له معارضين ليس اقلهم( هيتو ) الذي انتخب هو الاخر قائداً للمعارضة ، بالاضافة الى صراعات على الارض بين جبهة النصرة ( القاعدية ) والجيش الحر وتنظيمات اخرى ، وهو ما تنبه له الامريكين حتى لا تتكرر لهم افغانستان ، وعادوا للحوار مع روسيا للوصول الى حل سياسي متفق بشانه ، وهو الامر الذي اطال امد الصراع ، حيث لا يوجد اتفاق على الجهة التي يمكن ان يعتمد عليها او التحالف معها ، فالسعودية لها تنظيمتها وقطر لها اشياعها ، والصراع مستمر والمواطنين لم يعودوا في سوريا هم المقاتلين اصحاب الثورة او حتى المستمرين بالثورة بل ان ابواب تركيا مشرعة للوافدين من كافة انحاء العالم لذبح سوريا حتى الغاء حضورها ، لتتحقق نبوءه ( باراك ) اسرائيل / تكاد سوريا ان تنتهي امامنا !؟ .
كتب جورج تنت في مذكراته ( في قلب العاصفة ) ... ان المحافظين واتصالاتهم الشخصية اعطيت المسوؤلية لوزارة الدفاع للاتصال مع ( معارضين ) وانهم بدأو باستخدام تعبير ( تغير السياسية بالشرق الاوسط )كان هذا بعد 11 ايلول ، فالخطط والتصورات معدة وجاهزة وكانت اداة التنفيذ هي التي يتم البحث عنها ، حتى قدمتها بلدان الخليج وفي مقدمتهم ( قطر ) واقنع الاميركان بها من حيث لا صلة مباشرة لهم ، وهكذا تم تحريك الفرق الاسلامية المختلفة المسميات لمحاربة قوى التحرر ، واستباق الاحداث التي بدأها الحراك الشبابي للتغير نحو الديمقراطية وعدالة اجتماعية ، والمثال اكثر سطوعاً في مصر ، والعلاقات الاخوانية الاميركية تسير بشكل جيد ، اذن فالتغير يتم للسياسية بالشرق الاوسط ، ليس بالضرورة اعادة تقسيمه مع بقاء تلك الامكانية وارادة ، لا ان الاهم هو ضرب مراكز القرار القومي ، ونقل القرار ليصبح خليجياًً ، في بلدان مستقرة من حيث هي تحكم بابشع اشكال الديكتاتوريات وحتى بفاشية ، لكنها تستخدم الدين لضمان عدم الخروج على الحاكم وولي الامر .. حتى لو ضرب ظهورهم بالسياط ، ونتيجة هذه الحال ليس فقط انهاء الصراع مع اسرائيل او جعلها عنصراً قائداً بالمنطقة ، بل ضمان عدم نجاح الديمقراطية لسنوات طويلة في المنطقة حتى تتمكن قوى التحالف الرجعي الاميركي الاسرائيلي من صياغة واقع جديد بالمنطقة يضمن بقائها خاضعة عبر التقسيم والصراع الداخلي .
ولقد عبرت القمة العربية الاخيرة عن حالة الفصام بين الشعوب والحكام وبين الانظمة نفسها ، وما قرارات التضامن مع فلسطين ، الا موضوع انشائي بامتياز ، اعادة تلاوة مزاميره المعروفة ، وجعجعة دون طحن .