حول تسليح المقاومة الشعبية في سوريا


غياث نعيسة
2013 / 3 / 27 - 01:24     

لا يمكن النظر الى الوضع في سوريا على انه يقتصر على مأساة كبرى بسقوط اكثر من 70 الف شهيدا وقصف ودمار هائل للمدن "المحررة" بالطائرات وصواريخ سكود، وتشريد اكثر من اربعة ملايين نسمة من النازحين واكثر من مليون نسمة من اللاجئين. لأن ما يفاقم من هذه المأساة العظيمة لواحدة من اعظم ثورات العصر هو معرفة ان الدكتاتورية الحاكمة في سوريا ما تزال تمتلك قوة دمار كبيرة رغم الضعف الشديد الذي بدأ يعتريها، مع التقدم المتواصل لإنجازات الثورة الشعبية.
في حين أن الدعم الموعود من الدول "الصديقة " للشعب السوري للمقاومة الشعبية المسلحة تبقى هزيلة وضحلة مقارنة بالدعم الكبير الذي تقدمه دولتي قطر والسعودية للإسلاميين الذين يسعون الى حرف الثورة من سياقها العام السياسي والديمقراطي والاجتماعي الى مجرد "صراع" طائفي ،وكان نظام الطغمة هو البادئ في محاولة حرف الثورة في هذا الاتجاه الديني والطائفي، ولكن كل هذه المحاولات باءت حتى الآن بالفشل، بفضل مواقف الغالبية العظمى من الحراك الثوري والجيش السوري الحر اللذين يحافظان على المسار الثوري الأصيل. وقد ندد الاخير مرارا بشحة المساعدات المالية والعسكرية التي تقدم له.
هذا في الوقت الذي يمتلك فيه النظام ترسانة اسلحة هائلة ويتلقى مساعدات مالية وعسكرية ضخمة من حلفائه، وقد اصدر معهد استوكهولم الدولي لدراسات السلام تقريرا مؤخرا اشار فيه الى زيادة كبيرة في "استيراد سوريا للأسلحة التقليدية خلال السنوات الخمس الماضية (2008- 2012) بنسبة 511 بالمئة" وان سوريا(النظام) يتلقى 1°/° من توريدات الاسلحة في العالم " 71 °/° منها يستوردها من روسيا و 14 °/° من ايران و 11 °/° من بيلاروسيا".
في هذا السياق جاءت دعوة كلا من حكومتي فرنسا وبريطانيا الى تسليح "المعارضة المسلحة غير الجهادية"، لكن الاتحاد الاوربي لم يعط بعد موافقته على هذا الطلب، في الوقت الذي اثارت فيه هكذا دعوة للتسليح ضجيجا واحتجاجا في اوساط اليسار.
من النافل التنويه بان دوافع هاتين الحكومتين لا تنبع بالضرورة من اعتبارات انسانية صادقة، فكما سبق ان وصف لينين، وعلى حق، هكذا حكومات فان " اسياد الدولة الرأسمالية يبدون حرصا على العدد الضخم من ضحايا الجوع والأزمة بنفس القدر الذي يبدي فيه قطار ادنى اهتمام بأؤلئك الذين يهرسهم في طريقه".
والحال، فان المقاومة الشعبية المسلحة بحاجة ملحة لأسلحة مضادة للطائرات وللدبابات من أجل وقف ألة القتل والدمار ولكي تستطيع انجاز اسقاط النظام (مع الحراك الشعبي) باقل ما يمكن من التكلفة الانسانية وبأقصر وقت ، دون ان تتخلى ، في الوقت عينه، عن رفضها المطلق لأي تدخل او وصاية خارجية، وهذا ما توضح من تصريحات معاذ الخطيب الرئيس المستقيل للائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة يومي 21 و 22 أذار الجاري، بالرغم من أن هذا الائتلاف يحوز على دعم ورعاية الدول الغربية والسعودية وقطر وتركيا، حيث جاءت تصريحاته لتعكس ارادة الاستقلال الشعبية للجماهير الثائرة التي لا يجرؤ احد او قوة سياسية، أيا كانت، على تجاوزها ، باستثناء الجهاديين.
فقد أعلن الخطيب أن "جهات خارجية تمول وتستخدم جماعات متطرفة بما لا يخدم مصلحة البلاد" واشار الى ان " الولايات المتحدة وروسيا ثبت فشلهما في ليبيا وافغانستان والعراق" وطالبهما "بالكف عن التدخل في الشؤون السورية الداخلية...لأن سوريا والسوريين ليسوا حقل تجارب" ودعا الدول "التي تدعم الارهابيين بمئات الملايين من الدولارات الى سحب مجموعاتهم من البلاد".
لا شك بان تقديم الدعم العسكري اللامشروط للمقاومين الديمقراطيين والعلمانيين، وهم يشكلون الغالبية العظمى من الحراك الشعبي والمسلح، انما هو ضروري ولازم من اجل انتصار ومآل تقدمي وديمقراطي وسريع للثورة الشعبية.
وانه لمفيد استعادة تجارب كفاح الشعوب في عصرنا، والتذكير بان موقف حكومة بلوم الفرنسية بعدم تسليح الجمهوريين خلال الحرب الاهلية الاسبانية في عامي 1936-1939 ساهمت الى حد كبير في تحديد تكلفتها ونتيجتها : 400 ألف قتيل وقيام دكتاتورية فرانكو البشعة. والحال نفسه جرى في الحرب الاهلية اليونانية 1946-1949 بعدم تسليح المقاتلين الشيوعيين ، فكانت التكلفة والنتيجة: 150 ألف قتيل وقيام دكتاتورية الجنرالات الدموية.
الموقف الاشتراكي الثوري هو: نعم للتسليح اللامشروط للقوى التقدمية والديمقراطية في السيرورة الثورية الجارية في سوريا.

26/3/2013