لمحة عن قضايا الماركسية (القديمة والجديدة)


أحمد الناصري
2013 / 3 / 15 - 16:11     

مقتطف من دراسة ماركسية طويلة
هناك قضايا وأسئلة كثيرة تواجهها الماركسية (القديمة والجديدة)، وهي القضايا والأسئلة الفكرية والاجتماعية والسياسية عن الحياة والتاريخ والواقع، وعن الماركسية وأسسها الكلاسيكية، والنواقص الأولى والتوقفات والتشوهات اللاحقة التي اعترتها، في المجالين النظري والتطبيقي، والقضايا الجديدة والكثيرة المطروحة الآن على الماركسية والماركسيين، وأسئلة الحياة الكثيرة والمعقدة والمتجددة، من أجل ماركسية للقرن الحادي والعشرين، وما بعده، ماركسية نقدية تستوعب التطورات الكونية، الاجتماعية والعلمية الهائلة، التي طرأت على الحياة منذ أطروحة ماركس الأساسية في القرن التاسع عشر(وما سيأتي لاحقاً)، لمعرفة حالة وخصائص الماركسية الأصلية (ماركسية ماركس)، ووضع وإمكانيات الماركسية الحالية، وما تبقى منها وما أضيف إليها من اجتهادات ومراجعات هامة، وقدرتها الفعلية على استيعاب كل هذه التحولات المستمرة، وهذا هو المهم، وليس ما كتب في بداية المشروع على يد ماركس فقط، أو التوقف عنده وتكراره بإيمانية جامدة تتعارض مع جوهر الماركسية، بينما الحياة والتاريخ يواصلان سيرهما الدائم والحثيث نحو أفق مفتوح بلا نهاية. إننا بحاجة الى ماركسية ترتبط بالحياة وبالواقع المتحوّل، مما يحقق ماركسية المستقبل. ومثلما نجد الحاجة المستمرة للماركسية الى الآن، كمنهج نقدي، فأننا نرى الحاجة الدائمة لمراجعتها ونقدها وتطويرها وتغذيتها بالأسئلة والمساهمات الجديدة والدائمة. إن توقف الاجتهاد والنقد الماركسيين والعقليين يعدّ موتاً حتمياً للماركسية، باعتبارها نشاط عقلي دائم. الماركسية أطروحة معرفية، ليست كلية ولا مغلقة ونهائية أو منجزة سلفاً، وهي نظرية اجتماعية وإنسانية هامة ومتقدمة في تاريخ العقل البشري، بحثت مصالح وقضايا وحاجات الإنسان والطبقات الاجتماعية، اليومية والمستقبلية، ودرست التاريخ وقضايا الفلسفة والاقتصاد والثقافة والأدب والفنون، وأنتجت علم اجتماع سياسي حديث ومختلف عما قبله، وهي بهذا المعنى المعرفي، المحدد والعميق، حلقة لامعة وباهرة في (السلسلة الذهبية للفكر الإنساني الراقي)، لكنها النظرية الأولى من حيث العمق والجذرية، التي درست وفككت طبيعة الرأسمالية، (باعتبارها نظرية نقد الرأسمالية) وآليات عملها، وأشكال الاستغلال الطبقي، الشامل والسريع والبشع، الذي تمارسه بحق الطبقات والفئات الأخرى، وما ينتج عنه من صراع طبقي، كمحرك وحاكم للحراك الاجتماعي، وكقضية موضوعية، لم تكن من اختراع أو مبالغة الماركسية، كما يدّعي البعض، وباعتبار الرأسمالية المرحلة التاريخية التي لازالت تعيشها البشرية الى الآن، وطرحت كيفية التصدي لها، وكيفية تجاوزها، وتحقيق حلم البشرية الكبير في الحرية والعدالة الاجتماعية، من خلال تطبيق النظام الاشتراكي، كإمكانية فعلية يمكن تحقيقها بشروط معينة. وهنا تمكن القيمة الأساسية والاستثنائية، النظرية والعملية للماركسية، في جانبها السياسي والاجتماعي والتاريخي المباشر، الى جانب القضايا الاستشرافية الكبرى، حول وجود ومصير الإنسان ككائن معرفي، صاحب دور مركزي، وحول طبيعة الحياة والتاريخ. وعلى صعيد آخر لم يتم تجاوز الماركسية الى الآن (قد يحصل هذا في المستقبل بأطروحة إنسانية جديدة) والتخلي عنها ودفنها كما يشتهي ويتمنى خصومها. وقد جرت محاولات تطورية وتطبيقية هامة وكبيرة، (بُعيد ماركس) على أيدي زملائه وأجيال من الماركسيين الألمان والروس، وخاصة محاولات وتجربة لينين وعموم التجربة الروسية، على الرغم من خصائصها المحلية البارزة والمعروفة. كما تعرضت الماركسية للتخريب والتشويه والتفريغ بعد السيطرة والتجربة الستالينية المتخلفة من الناحية النظرية والتطبيقية المتعارضة مع جوهر الماركسية الإنساني والحداثي في جميع مجالاتها ونواحيها، وما نتج عنها مما يمكن تسميته تجاوزاً أو مؤقتاً ب(الماركسية السوفيتية) وهي ماركسية بائسة ورثة، كما كانت تجربة الأحزاب الشيوعية العربية فقيرة بل محدودة وبائسة في المجال النظري والنقدي، إلاّ في حالات نادرة وفردية ومتباعدة، جاءت من داخلها ومن خارجها، والتجربة هنا صدى باهت للماركسية السوفيتية المتخلفة، كانت تستلم تعليمات وأوامر (نظرية وسياسية) جاهزة من المركز السوفيتي، البعيد بل الغريب عن الواقع العربي وشروطه ومتطلباته! وكانت النتائج مروّعة في أغلب المراحل والتجارب والنهايات التي وصلت إليها حركتنا الشيوعية العربية، على الرغم من وجود محاولات نقدية جريئة ومؤثرة، على قلتها، قام بها سليم خياطة والياس مرقص وغيرهما للخروج على النمطية الرسمية التقليدية. وعن بداية ابتذال وتحنيط الماركسية، فقد جرت المحاولات الأولى أيام ماركس وبوجوده، وقد قال عنها أنه ليس بماركسي (بهذا المعنى)، وتعرضت قضية الاجتهاد والتطوير الحيوية والضرورية للماركسية الى تعثر ربما يصل الى درجة التوقف ولم تجر الاستفادة من إمكانيات الدول والأنظمة التي أعلنت تبنيها للماركسية، ولم تنشأ المراكز الأكاديمية والبحثية الرصينة، لدراسة القضايا الحياتية والعلمية المعاصرة، وتآكلت تدريجياً المدارس التي تصدت لهذه المهمة الصعبة، بسبب البيروقراطية والترهل وحتى الفساد الإداري والتساهل والإهمال المقصود وغير المقصود. أنها دعوة جادة ومتجددة لدراسة ونقد الماركسية، لإنتاج الماركسية (الجديدة) ماركسية الحياة والمستقبل في ظل سيطرة الرأسمالية وازدياد استغلالها المتنوع، وفي ظل التراجع الإنساني والردة الرجعية العامة!