للبابا تحياتي


محمد باليزيد
2013 / 3 / 14 - 14:06     

في أي عصر نحن؟ سؤال الأجوبة عليه متعددة بتعدد المجيب. ذلك أن كلمة "نحن" لم تعد، أو بأدق تعبير، لم تصر بعد ما كان يرجى لها أن تصير بفضل ما ندعيه/نأمله من توحد العالم وانمحاء الحدود. لم تصر الإنسانية بعد "نحنا" واحدا موحدا للأسف الكبير.
قد يرى البعض في استقالة البابا حدثا مسيحيا لا يهم العالم الآخر، بالخصوص الإسلامي، في شيء. لكن للمسألة أوجه وأهم ما يهمنا منها هو أن نقرأها قراءة جيدة لتعرفنا على أنفسنا كما على الآخر.
الدمقرطة وفصل الدين عن الدولة هما مساران غير مفصولين بالنسبة للغرب. ففصل الدين عن الدولة وتخلي الكنيسة عن السلطة الدنيوية جاءا بهدف وضع السلطة الدنيوية بيد الشعب ونزع الشرعية المطلقة عن الحاكم المدعم من طرف الكنيسة. بهدف تخلي الكنيسة، وإن كان ذلك في البداية كرها منها لا طوعا، عن جميع الأمور الدنيوية وتركها إما بيد الفرد أو المؤسسات الدنيوية.
تأتي الدمقرطة، ككثير من التحولات الاجتماعية، عن طريق مسارين:
◄ الأول تراكم العوامل الموضوعية التي تجعل التحول الاجتماعي ضروريا فيدفع هذا التراكم الموضوعي بالعامل الذاتي نحو المغامرة/طلب التغيير والابتكار.
◄ الثاني سعي البشر نحو واقع جديد وهذا ما يحدث غالبا على شكل ثورات أقل أو أكثر عنفا بقدر تشبث ومقاومة الماضي للمستقبل. ولقد قاوم الماضي/الكنيسة المستقبل/الدمقرطة بشراسة كبيرة ثم تراجع، الماضي، تراجعا مشرفا إلى ركن يليق به سمح له به المستقبل/الديمقراطية الشيء الذي لم يكن ممكنا لولا أن الأخير كان، عكس الأول، متسامحا لا إقصائيا. في البداية فرض على الكنيسة التعايش والديمقراطية. لكن شيئا فشيئا، بدأت تتشرب الديمقراطية، لا كما يتشرب الطفل لغة أمه ولكن كما يتشرب تمثلات مجتمعه. فلغة الأم يتشربها الطفل في وقت وجيز لكن تمثلات المجتمع يتمثلها الإنسان من طفولته حتى كهولته تقريبا. بعد الكهولة، عشرات العقود من معايشة الديمقراطية، جاءت النتيجة ثملا ناضجا: فخامة البابا، بعد نضج الظروف ونضجه الشخصي، يساير تطور المجتمع الغربي عن طواعية وينزل عن عرشه "الإلهي" معترفا، بصفته ممثلا للكنيسة، بأن "التداول"، هذا الابتكار الدنيوي، شيء جيد على الإلهي أن يأخذه. يعترف الإلهي إذن بأن الدنيوي يمكن أن يكون على صواب، وأكثر من هذا، يعترف الإلهي بأن الدنيوي يمكن أن يصل من النضج مستوى يستفيد منه الإلهي. هذا في الغرب. الخلاصة أن الديمقراطية نبتت وعمقت جذورها في المجتمع الغربي بحيث لم تعد فقط معطى فرضته ثورة، وإنما شرطا من شروط الحياة لا حياة دونه.
مقابل هذا العالم، هناك عالمنا(1)، العالم العربي الإسلامي. فنطرح التساؤل؟ هل هو تاريخنا ولَّد عقليتنا أم عقليتنا أعطت تاريخها أم أن التصحر ملأ دماغنا رمالا بدل الأزهار والثمار؟ أم هي أسئلة واحتمالات أخرى علينا النظر فيها؟ فهناك رؤساء، دنيويون وليس لاهوتيون، لا يقبلون "التداول" وهم مستعدون للتضحية بشعوبهم مقابل بقاء عروشهم فوق سماء الصحراء وإن خلت حتى من البشر. وهنالك جماعات قامت من كهوفها ورغم أنها وجدت أن القوم غير قومها والزمن غير زمنها، رغم هذا بدل أن تقرر الرجوع إلى كهفها بسلام أصرت على أن تصنع من أولئك القوم قومها وترجع الزمن إلى زمنها. وبين هنا وهنالك ربيع عربي نتمنى أن لا يكون ثورة من أجل الرجوع إلى الوراء رغم محاولات الثورة المضادة والثورة "المتربصة".
بيننا وبين الغرب إذن سنوات ضوئية، (بلغة الغرب أو ظلامية بلغتنا). فهنا رؤساء دنيويون يصيرون لاهوتيين وهناك قديسون لاهوتيون يخلعون قدسيتهم اعترافا بصوابية الدنيوي.
يبقى أنه علينا أن نشير آسفين أنه على الديمقراطية الغربية أن تعي أنها بدأت تتأسرل، أي تنحو منحى الديمقراطية الإسرائيلية، وحادث دهس قارب المهاجرين غير الشرعيين عمدا هو آخر دليل على ذلك وليس الوحيد.
1) طبعا هناك عوالم أخرى بآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، لكنها لا تهم مقالنا.