النشاط الاقتصادي الصيني في أفريقيا: أهو استعمار جديد أم منهج يعكس مصالح مشتركة؟


عدنان عباس علي
2013 / 3 / 10 - 14:00     

عندما يجري الحديث عن أفريقيا، تتراءى للمرء، في أغلب الأحيان، صور ملايين الجياع وويلات الحروب ووباء الأيدز والملاريا. بيد أن هذه الكوارث تعكس نصف الحقيقة. فواقع الحال يشهد، أيضاً، على أن أفريقيا ما عادت تقنع بلعب دور المتفرج في الاقتصاد العالمي. فهذه القارة أفاقت، أيضاً، من سباتها. فمن بين الدول العشرة ، التي حققت، في السنوات المنصرمة، أعلى معدلات نمو اقتصادي، تقع ست دول جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى. وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فإن "من المتوقع أن يتراوح متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المنطقة بين 5,25 بالمائة و5,75 بالمائة خلال الفترة 2011-2012." أما بالنسبة للاقتصاديات الأفريقية المصدرة للنفط، فإنه يتوقع لها تحقيق معدل النمو يبلغ 6 بالمائة تقريباً في عام 2011 و7,25 بالمائة في عام 2012.1 ومعنى هذا هو أن أفريقيا ستحقق معدلات نمو تفوق معدلات النمو التي يتوقعها الصندوق للدول الصناعية وللاقتصاد العالمي. ويتكهن بعض الخبراء بأن إجمالي الإنتاج في أفريقيا سيواصل ارتفاعه ليبلغ عام 2020 ثلاثة تريليون دولار أمريكي، أي سيصل إلى ضعف القيمة المتحققة حالياً.

ولا تجافي هذه التوقعات الحقيقة أبداً، لا سيما إذا أخذنا بالاعتبار الطاقات العظيمة الكامنة في القارة السوداء. فمن حيث ثروتها المعدنية، فإن أفريقيا ينبوع لا ينضب: ففيها البترول (حوالي 10 بالمائة من أجمالي ما في المعمورة من بترول) والماس ( 50 بالمائة من الاحتياطي العالمي) والكوبالت (Cobalt) (ثلث ما في العالم من احتياطي) والذهب (في جنوب أفريقيا فقط يوجد 40 بالمائة من مخزون الذهب في العالمي) والتنتال (Tantal)، الخام الضروري لإنتاج الهواتف المحمولة وأجهزة النوت بوك والكاميرات الإلكترونية وما سوى ذلك من سلع حديثة، (ففي عام 2009 بلغ إنتاج أفريقيا أكثر من 50 بالمائة من مجمل الإنتاج العالمي).2 وبقدر تعلق الأمر بالمعادن الأخرى، أعني معادن من قبيل البلاتين والمنغنيز، فإن أفريقيا تكاد أن تكون المحتكر الفعلي لإنتاج هذه الخامات. وعلى خلفية هذه الحقائق لا مندوحة للمرء من الاعتراف بأن القارة السوداء ستلعب في الاقتصاد العالمي دوراً لن يستهان به مستقبلاً.

إلا أن تزايد هذه الأهمية لا يتأتى من تزايد أهمية ثروتها المعدنية فقط. فأفريقيا أمست، بسبب النمو الكبير في عدد سكانها، تجذب أنظار الكثير من الشركات العالمية. فإذا كان حجم سكان القارة يبلغ حوالي مليار مواطن في اليوم الحاضر، إلا أن كافة التوقعات تشير إلى أن عدد سكان أفريقيا سيتضاعف حتى عام 2050. ومعنى هذا، هو أن لدى هذه القارة ت أسواق واعدة

لتصريف الكثير من السلع المصنعة: بدءاً من أواني الطهي وانتهاءً بأحدث جيل من أجيال الهاتف النقال، لا سيما أن الدول الأفريقية تتميز بأن الشباب يشكلون نسبة كبيرة في هرمها السكاني، أي تتميز بأن نسبة كبيرة ومهمة من سكانها مولعون ولعاً شديداً بحيازة السلع الاستهلاكية: فنسبة السكان، الذين هم دون الخامسة عشرة من العمر تزيد، على 40 بالمائة. وللمقارنة: تبلغ هذه النسبة في أوربا 15 بالمائة وفي أمريكا الشمالية 20 بالمائة تقريباً.

على صعيد آخر، تفيد تقديرات البنك العالمي بأن قيمة الاستثمارات الأجنبية سترتفع في غضون أربعة أعوام من 36 مليار دولار في عام 2009 إلى أكثر من 70 مليار دولار في عام 2013. ولهذه الأسباب مجتمعة، يرى الكثير من المراقبين المهتمين بالشئون الاقتصادية أن أفريقيا ستكون، مستقبلاً، إحدى القاطرات المهمة بالنسبة لنمو الاقتصاد العالمي.3

وهكذا، فإن من حق المرء أن يسأل عما إذا كانت القارة السوداء قد أمست تقف على حافة حقبة ازدهار اقتصادي مستديم؟ عما إذا لاحت في الأفق تباشير ازدهار اقتصادي يحقق للأفريقيين فرص الحياة الكريمة؟ وعما إذا ستصبح عيشة الفاقة والحرمان في ذمة التاريخ؟

وعلى ما يبدو ثمة مؤشرات عديدة تبشر بالتحول نحو الأفضل. فمن ناحية، يزداد من يوم لآخر عدد الدول الأفريقية المهتمة بتنفيذ متطلبات الحوكمة الجيدة والعازمة على وضع أسس الاستقرار السياسي، إدراكاً منها أن هذه الإجراءات من جملة الشروط الضرورية لإحراز التقدم الاقتصادي المنشود. ومن ناحية أخرى، اتفقت 26 دولة أفريقية، في حزيران/يونيو من العام المنصرم، على مشروع إقامة منطقة تجارة حرة، تتكفل بكسر القيود، التي تشل، حتى الآن، التجارة البينية في أفريقيا. وبحسب ما أعلنه قادة هذه الدول، سيشهد عام 2013 انطلاقة هذا المشروع الشجاع.

وكان للصين دور مهم في ارتقاء أفريقيا إلى المصافي التي ارتقت إليها في اليوم الحاضر. فالصينيون يدعمون، بقوة، التنمية الاقتصادية في أفريقيا، فهم مهتمون بشق الطرقات وبناء الموانئ وتشييد السكك الحديدية وإنشاء محطات الطاقة الكهربائية وإقامة البنية التحتية الضرورية لتطوير القطاع الصناعي عامة وقطاع البترول بنحو مخصوص. فبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، استثمرت الشركات التابعة للحكومة الصينية العديد من مليارات الدولارات واستخدمت الكثير من الموارد الهندسية والإنشائية الصينية لتطوير موارد النفط والغاز والمعادن وغيرها من المصادر الطبيعية في عشرات البلدان الأفريقية، ومنها الجزائر وانجولا والجابون ونيجيريا والسودان وزمبابوي.

وليس ثمة شك في أن للمصالح الاقتصادية الصينية دوراً مهماً في هذه النشاطات أيضاً. فالصين تسعى إلى تكملة وارداتها النفطية من الشرق الأوسط أيضاً. وهكذا، وانسجاماً مع هذا المسعى، حظي السودان، الذي يمد الصين بنسبة 7 بالمائة من إجمالي وارداتها البترولية، بنصيب كبير من الاستثمارات الصينية في القارة السوداء. وتعتبر الشركة الوطنية الصينية للبترول أكبر مساهم

في شركة النيل الكبرى للبترول، التي تسيطر على حقول النفط السودانية. كما استثمرت 3 مليارات دولار في إنشاء مصافي النفط وخطوط الأنابيب في السودان منذ عام 1999. من ناحية أخرى، منحت الصين أنجولا في عام 2004 قرضاً قيمته مليار دولار أمريكي مقابل إبرام عقد معها لإمدادها بمائة ألف برميل من النفط الخام يومياً. على صعيد آخر، أبرمت شركة البترول الصينية (بتروتشاينا) فقة قيمتها 800 مليون دولار مع شركة النفط الوطنية النيجيرية لشراء 30 ألف برميل من النفط يومياً. وقامت شركة صينية أخرى، بشراء حصة بلغت 45 بالمائة في حقل النفط والغاز البحري في نيجيريا لقاء 2,27 مليار دولار، ووعدت باستثمار 2,25 مليار دولار أخرى في تطوير الحقل. وكانت الشركة الصينية للبتروكيماويات قد استثمرت مبالغ كبيرة في صناعة النفط في الجابون أيضاً، وعكفت على التنقيب عما لدى الجابون من احتياطيات نفطية برية وبحرية.

وغني عن البيان أن هذا النشاط الصيني في أفريقيا قد أخل بموازين القوى من وجهة النظر الأمريكية. فالولايات المتحدة الأمريكية صارت تخشى أن تشوش الصين عليها، في الأمد الطويل، الوصول إلى مصادر المواد الخام والطاقة في أفريقيا، لا سيما أن الصين تكرس هذه الموارد للسوق المحلية الصينية.

وهكذا، أصبحت الصين أكبر شريك اقتصادي بالنسبة للقارة السوداء. فبين العامين 2000 و2008 ارتفع مستوى التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا من 10,6 مليار دولار إلى 106,8 مليار دولار أمريكي.4 فالنمو الكبير، الذي حققه الاقتصاد الصيني خلال هذه الفترة الزمنية، كان قد أدى إلى مضاعفة حاجة البلاد للمواد الخام. ومن خلال نظرة سريعة على "سلة السلع"، التي تستوردها الصين من أفريقيا، يتبين بجلاء ماهية المصالح، التي تحظى بالأهمية الإستراتيجية من وجهة النظر الصينية. ففي عام 2008 بلغت حصة البترول والغاز الطبيعي ما نسبته 62 بالمائة وحصة الموارد المعدنية، الشبيهة بخامات الحديد والألومنيوم، ما نسبته 17 بالمائة من قيمة السلع التي استوردتها الصين من أفريقيا. هذا في حين توزع باقي الاستيراد على سلع زراعية من قبيل التبغ والقطن والأخشاب. وبالمقابل تصدر الصين إلى الدول الأفريقية بضائع مصنعة بالدرجة الأولى. من هنا، فما خلا أربع عشرة دولة أفريقية، سجلت كافة الدول الأفريقية الأخرى عجزاً معتبراً في موازينها التجارية مع الصين. وتجدر الإشارة إلى أن الصين قد غدت في اليوم الحاضر ثاني أكبر شريك تجاري في أفريقيا بعد الاتحاد الأوربي، أي أنها أصبحت أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان أهمية بالنسبة للتجارة مع القارة السوداء.

ورسمياً، تؤكد الصين، بلا انقطاع، أن سياستها الاقتصادية تحترم مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأفريقية. من هنا، فإن المسائل المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وموضوعات سلامة البيئة في أفريقيا لا تحظى باهتمامات الحكومة الصينية. وإذا ما صادف وأن رفض البنك

الدولي منح قرض إلى هذه الدول الأفريقية أو تلك، بحجة أنها لم تبذل الجهد المطلوب لمحاربة الرشوة والفساد الإداري، فإن الصين لا ترى غضاضة في قيامها بمنح القرض المطلوب. وترى الصين أن مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لا يسمح لها محاسبة الحكومات الأفريقية على مدى نجاحها في محاربة الرشوة. وغني عن البيان، أن هذا التبرير لا يفسر الحقيقة بالكامل. فهناك مصالح اقتصادية، لا مندوحة للصين من مراعاتها. فإنّى للصين محاسبة حكومة أنجولا على انتشار الفساد الإداري في صفوفها، إذا كانت أنجولا تحتل، بعد السعودية، الترتيب الثاني في قائمة الدول التي تزود الصين بالبترول.

ومهما كانت الحال، فإن المرء لا يشط كثيراً إذا زعم أن الصين قد غدت، بالنسبة للكثير من الأفريقيين، قدوة حسنة، يقتدون بها في المسائل الخاصة بتكثيف دور الأيدي العاملة في التغلب على التخلف الاقتصادي. أضف إلى هذا، أن الصين، بما لديها من موارد مالية عظيمة، تستطيع بيسر تمويل المشروعات التنموية، التي يعجز العالم الغربي عن تمويلها على خلفية مشاكله المالية والاقتصادية الراهنة.

ويكمن السبب الآخر لاهتمام الصين بأفريقيا في أن هذه القارة تشكل سوقاً مهمة لتصريف المنتجات الصينية وينبوعاً غزيراً لحصول المصانع الصينية العاملة في أفريقيا، على أيدي عاملة زهيدة الأجور. وتشير بعض المصادر إلى أن حوالي مليون مواطن صيني يقيمون في أفريقيا حالياً. وبهذا العدد تكون الصين قد فاقت كافة دول العالم من حيث عدد مواطنيها المقيمين في أفريقيا. ويعمل هؤلاء الصينيون، أو لنقل يعمل الكثيرون منهم، في المصانع الصينية، التي لا تحصل من بين قوى العمل المحلية على التخصصات المطلوبة.

وبرغم أن الصين ركزت، في سابق الزمن، على التعاقد مع الدول الأفريقية لإنشاء مشروعات "تعليمية" تدرب المواطنين المحليين على فنون الزراعة العصرية، ورفضت محاكاة المصارف العملاقة وصناديق التحوط المختلفة والشركات الكبرى، فأبت أن تستأجر أراضي صالحة للزراعة في أفريقيا (land grabbing)، للوفاء بمتطلبات أمنها الغذائي، إلا أنها تخلت عن موقفها هذا فيما بعد على ما يبدو. فإذا كانت بضعة من شركات القطاع الخاص الصينية هي التي خطت الخطوات الأولى على درب الاستثمار في القطاع الزراعي الأفريقي، إلا أن الملاحظ هو أن الشركات الصينية الحكومية سارت في هذا الدرب أيضاً، وراحت تعزز استثماراتها في هذا القطاع، لا سيما بعدما بدا واضحاً أن القطاع الزراعي الصيني، بمساحته البالغة 7 بالمائة من إجمالي ما في المعمورة من أراضي صالحة للزراعة، قد بات عاجزاً عن إنتاج كميات الأرز والقمح، الضرورية لسد حاجة سكان يبلغ تعدادهم 1,3 مليار نسمة، أو ما يعادل 20 بالمائة، تقريباً، من سكان المعمورة.

ومهما كانت الحال، فبحسب ما يقوله خبير أفريقي متخصص في مسائل التنمية، يحقق الأفارقة، في الحساب الختامي، ربحاً معتبراً من الشراكة الأفريقية الصينية. فهم يبادلون البترول بمشروعات البنية التحتية، بمشروعات من قبيل الشوارع والطرقات، والمدارس والجامعات، أي مشروعات تحقق النفع لمجموع المواطنين، وليس للحكام المستبدين، الذين كان الغرب يدعمهم بكل ما أوتي من قوة وسلطان، والذين ما كان لهم هم غير إيداع جزء معتبر من العوائد البترولية فيما لديهم من حسابات في المصارف السويسرية. ويواصل هذا الخبير حديثه عن الأسباب التي تدفع الدول الأفريقية إلى التوجه نحو الصين لتمويل مشروعاتها في مجال البنية التحتية، فيؤكد على أن البنك العالمي، يفرض على الدول الأفريقية الراغبة بالحصول على قرض لتمويل مشروع من مشاريع البنية التحتية أن تقوم هذه الدول بعرض المناقصة في السوق العالمية، متجاهلاً أن هذه العملية تسترق زمناً طويلا. أما الصين، فإنها تتحرك بسرعة فائقة، بحسب وجهة نظره، وتنفذ المشروع المعني بتكاليف أدنى من التكاليف التي تطلبها الشركات الغربية عادة.

ومهما كانت الحال، فمقارنة بحجم استثماراتها المباشرة في قارات العالم الأخرى، ليس ثمة شك في أن الصين تخصص، نسبياً، أي مقارنة بإمكانياتها المالية الهائلة وباستثماراتها في مناطق العالم الأخرى، مبالغ متواضعة للاستثمار المباشر في أفريقيا. ففي عام 2008، على سبيل المثال، لم يبلغ الاستثمار الصيني المباشر في أفريقيا أكثر من 5 بالمائة من مجموع الاستثمار الصيني المباشر في العالم. وللمقارنة، استقطبت أمريكا الشمالية 32 بالمائة، والمنطقة الآسيوية 56 بالمائة من أجمالي الموارد المالية التي خصصتها الصين لأغراض الاستثمار المباشر في العام المشار إليه.

ومن حقائق الأمور، أن العون الذي تقدمه الصين لتنمية أفريقيا، لم يفرز نتائج إيجابية فقط. فبفضل ما انتهجت من سياسة في مجال سعر صرف الليوان، استطاعت الصين أن تغرق الأسواق الأفريقية بالسلع الاستهلاكية زهيدة الثمن. ولعل السلع النسيجية مثال صارخ على النتائج السلبية، الناجمة عن السياسة، التي تنتهجها الصين في مجال التجارة الخارجية. فلأن الصناعة الأفريقية ما كانت قادرة على منافسة الصناعة الصينية، لذا تسببت الأخيرة في تدمير عشرات الآلاف من فرص العمل، في السنوات الأخيرة، ليس في جنوب أفريقيا فحسب، بل وفي الدول الواقعة في شمال القارة أيضاً.5 من هنا، لا عجب أن يحتج العديد من مواطني السنغال وجنوب أفريقيا والكاميرون على النشاط الصيني في أفريقيا بعبارات انطوت، في بعض الأحيان، على عداء عنصري واضح. وخلال الانتخابيات الرئاسية في زامبيا عام 2008، رفع أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية شعاراً ينادي حرفياً "Chinesse go home!". وهكذا، ما عاد بمستطاع المستثمرين الصينيين وشركائهم الأفارقة غض الطرف عن توترات وخصومات عنصرية، تندلع بين السكان المحليين والمقيمين الصينيين في كثير من الأحيان. وعلى ما يبدو، كانت هذه

التوترات والخصومات هي العامل الذي دفع الصين لأن توقع، في عام 2008، على مذكرة تفاهم مع حكومة أنجولا، تتعهد الحكومة الصينية بموجبها بأن تحصل شركات البناء المحلية على 30 بالمائة من قيمة الاستثمارات الصينية في مجال مشاريع البنية التحتية.

إلا أن هذه الحقائق تظل هامشية مقارنة بالتحديات الأخرى، التي تواجهها التنمية الاقتصادية في القارة الأفريقية على خلفية النشاط الصيني. فطالما واصلت الصين استخراج الموارد الطبيعية برأسمال صيني، وبأيدي عاملة صينية أولاً وأخيراً، وطالما واظب الصينيون على تصنيع الموارد الأولية في الصين فقط، لن تحصل أفريقيا، والحالة هذه، على نفع يُذكر من ثرواتها الطبيعية. فالقيمة المضافة ستكون من حصة الصين أولاً وأخيراً.

ولكن، وإذا ما قارنا سياسات الصين بسياسات الدول الغربية حيال أفريقيا، فلا مندوحة لنا من أن نعترف بأن السياسات الصينية ليست أسوأ حالاً من السياسات الغربية بأي حال من الأحوال، ناهيك عن الحديث عن الاستغلال البشع، الذي مارسته الدول الغربية في القارة الأفريقية على مدى مئات السنين، وعن الدمار الذي تتعرض له، حالياً، البيئة في العديد من الدول الأفريقية في سياق مساعي الشركات الغربية للعثور على الموارد الطبيعية. وهكذا، إن كل ما في الأمر هو أن وسائل الإعلام الغربية تتحدث، في أغلب الأحيان، بإسهاب عن سلبيات السياسات الصينية، وتتجاهل، في كثير من الأحيان، النتائج السلبية، التي تخلفها، على سبيل المثال، شركة شيل في الكونغو برازافيل ونيجيريا.

وملخص القول، هو أن المرء يجافي الحقيقة كثيراً حين يطلق على النشاط الصيني في أفريقيا مصطلح "الاستعمار الجديد"، لا سيما حين يأخذ بالاعتبار هياكل التبعية التي يفرضها الاستعمار، عادة، على البلدان المُستَعْمَرة. فحجم التجارة البينية لم يزد في عام 2008 على 5 بالمائة من إجمالي التجارة الخارجية الصينية. وفي المنظور العام، تضمر الغالبية العظمى من الأفارقة الإعجاب لارتقاء الصين، في غضون بضعة عقود من الزمن، من بلد نام إلى قوة اقتصادية عظمى.61 صندوق النقد الدولي: آفاق الاقتصاد العالمي، سبتمبر 2011، صفحة 94.