الوَضع السِّياسِيّ تُونس وملامِح إنتِفاضَة مُقبِلَة


السموأل راجي
2013 / 3 / 5 - 22:46     

مِــثــلمَا كان الشّعب التُّونسِيّ بِــعامِلاتِـه وعُمَّالِـه بالفكر والسّاعِد مُنتفِضًا كُلّمَا تعلّق الأمر بِـــخُـبْــزَتِـــه وكرامتِه طِيلة فترة القمع البُورقِيـبـِيّ والنُّوفمبرِيّ ، ظلّ على حالِه ولعلّ نَـــسَــق التّواتُــر في تعاقُب الإعتِصامَات والإضرابات في كافّة أنحاء البِلاد والتِي شَــمِــلَت كافّة القِطاعات وفِي تصاعُدِها وتـجاوُزِها مرحلَة الـشّكل التّقلِيدِي للوُصُول إلى عِصياناتٍ مدنِيَّة وإغلاق مُدُن في بعض الأحيان وطرد مُــمَــثِّــلِي الحُكُومة الـمُؤقّـتَة ، إضافةً إلى أزمَة على مُستوى التّسيِير إقترنت بالفَشَل في إدارة الصِّراع الإجتِــمَاعِيّ والخُرُوج من وضعِيَّة الشّــلَل بِــمَا أدَّى إلى تصدُّع صُفُوف التّرويكا ذاتَـهَا ، يخلق الأرضِيَّة اللاّزِمَة لإندِلاع موجة عارِمَــة من الإحتِـجاجات تتراكَـم سرِيعًا لتَـتَـحوّل إلى إنتِفاضَة شامِلَة تستكمِل مهامّ ثَــوْرَةٍ يسعَى مُعسكَر الـيَـمِـين بكافّة فصائِلِه إلى إجــهاضِهَا وحصِيلَة الـحِراك الشّعبِيّ في تُونس لِــشهرَيْ جانفِي وفِيفرِي تضعُ حقائِق إقتراب اللّحظَة الثّورِيَّة نُــصْب الأعيُن بِــمَا يعنِيهِ ذلِك من إعدَاد الرّأي العامّ والإطارات ومُناضِلِي الـمُعسكَر الثّورِيّ وإستعداد القُوى الأكثَر تنظِيـمًا ودِينامِيكِيَّة ليس فقط لِتأطِير الـتحرُّكَات أو تأجِــيجِهَا وتوجِــيـهِــهَا وإنَّـمَا لإفتِكاك السُّلطَة ووضعها في خِدمَة الـجمَاهِير الشّعبِيَّة لِـتَضْمَن الشّرطَ السِّياسِيّ في إقامَة إقتِصادٍ وطنِيٍّ مُستقِلٍّ وشعبِيٍّ وغنِيُّ عن الــقول أنّ سيادة الشّعب على الدّولة (الدّيـمُقراطيّة الشّعبِيَّة) ينبغي أن تُرافِقها سيادتُــه على خَيرات البِلاد وثرواتِـهَا. ولا يُمكن لهذه السّيادة أن تَـتحقّق إذا تواصَلَ العمل بالسِّياسة الإقتصاديّة الحاليّة الـمُشَكِّلَة لأحد أوجُه إسـتِـمْـرارِيَّة الـمخلُوع ومن بعدهُ ذات الطّابع الرأسـمَاليّ التّابِـع والـمُتوحّش الذي يرهن مُستقبل البِلاد بِـيَـدِ حفنة من كبار الأثرياء الـمَحَلِّـيِّـين القائِمِين بدور الوسيط في التّفريط في خيرات البِلاد وثرواتِـها للشّركات والـمُؤسّسات والدُّوَل الأجـنَـبِـيّة.

حصِيلَة الـنِّضال الإجْـتِـمَاعِيّ كفِيلةٌ بالقطع مع النِّقاشَات حول 23 أكتُوبر والشّرعِيَّة الــمُنْــتَــهِــيَــة وحول إمكانِيَّة تحوِير في الـحُكُومة أو تنصِيب جدِيدَة بعد توالِي بوادِر إتِّفاق أوَّلِـيٌّ داخِل فصائِل الـيـمِـين من نهضَة ونِداء تُونِس ومُشتقّاتِـهِمَا حول تقاسُم لِجُزء من السُّلطَة عبر تحوِيرات وِزارِيَّة ومجلِس شكلِيّ يجمَع الأحزاب "الفاعِلَة" يُدَار فيه الـخِلاَف . ومِـثْـلَـمَا كانَت النُّقطَة الفاصِلَة التي أمدَّت الحركَة الشّعبِيَّة بِنَفَسٍ جدِيدٍ تظاهُرة "يوم التّحرِير" في سيدِي بُوزِيد في 9 أوت 2012 ؛ شكّلَت جرِيـمَة إغتِيال الرّفِيق عُضو مجلِس أُمَنَاء الجبـهة الشّعبِيَّة الشّـهِيد شُكرِي بالعِيد لحظَة إسـتِـنهاض مَفصلِيَّة وظّفَتها الجماهِير للإستِفتاء عىل الخِيارات السّياسِيّة والإقتِصادِيَّة للـيَــمِين الحاكِـم الذِي جعَل من البِلاد تعِيشُ "البلاد تعيش أزمة حادّة على جميع المستويات السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة والأمنيّة، في ظلّ تواصل تغييب لخارطة طريق سياسيّة واضحة لبقيّة المرحلة الانتقاليّة وعدم القيام بالإصلاحات الأساسيّة في القضاء والأمن والإدارة وفي تفعيل النصوص القانونيّة وتركيز الهيئات المستقلّة، وذلك بهدف فتح المجال لحركة النهضة الحاكمة لبسط سيطرتها على دواليب الدولة والمجتمع وإعادة انتاج الاستبداد بأغلفة جديدة. ويحمّل المجلس الوطني القائمين على الحكم مسؤوليّة ما آلت إليه الأوضاع في البلاد وفي ما يمكن أن تؤدّي له من مخاطر" كــــمَا وردَ في بَيَان الــمجلِس الوطنِيّ للحِزب الــمُنعقِد في دورتِـه الخامِسَة بتارِيخ 24 فِيفرِي 2013.
الحصِيلَة الإجـتِـمَاعِيَّة النِّضالِيَّة لا تزال في إزدِياد إذ تتفاقَم حالات الغليَان النّاتِجَة عن فشلٍ ذرِيعٍ لِقُوى اليَـمِين الـمُكوِّنَة للتّرُويكَا خاصّةً مع غلَاء الأسعَار إذ أقدمت الحكومة الــمُؤقّتَة على اتخاذ إجراءات اقتصادية خطيرة مُـتَـمَـثِّـلة أوَّلًا في التّـرفيع في سعر الـمحرُوقات عند البيع إضافةً للوعُود بالتّــرفِيع في سِعر الحلِيب والــبَيْض والطّمَاطِم الــمعجُونَة مرفُوقَة بزيادات مَــهُولَة في أسعار الــعَـلَـف، إضافة إلى التّلوِيح بِـــــالتّخفيض في قِـيـمَة الدِّينار والقَاء على التّعامُل مع الـمُوَظّفِين بـــتَــمَشِّي الدّفع الــمُسبَق (à compte ou rouge) ،وهُو ما جعَل وكالة التَّـرقِيـم الأمريكيّة ستاندار بورز (standar poors) مؤخرا تُراجِع الترقيم الخاصّ بالقطاع البنكيّ في تونس لِــتُدرِجَهُ ضِـمن الـمجموعة رقم 8 التي تضُمّ الدُّوَل ذات الـمَخَاطر العَالية جِدًّا وهو ما يُمثّل ناقُوس خَطر آخر يدُقّ بعد أن سَبَق لِمُؤسّسات ترقيم دُوَلِيّة أُخرى أن نَـبَّـهَت في السّابق من الـمَخاطِر الـمُحدِقة بالإقتصاد التُّونسيّ .

وحتّى القُضاة لَـم يسلمُوا مِن رَحَى الـحُكُومة الـمُؤقّتَة إذ تواصِل السُّلطات غلق الـموقع الرّسـمِيّ الخاصّ بجمعيّة القُضاة التّونسيين مُنذُ يوم الإثنين 23 سبتمبر 2012 ، إثر النّدوة التي عقدتْـها الـجمعيّة في 21 سبتمبر 2012 بِــسُكّرة، والتي أعربت خلالها عن رفضِها للقرارات الصّادرة من قبل وزير العدل ، في إطار حركة القضاة لسنة 2012، حيث تضمّنت الحركة أسْـمَاء العدِيد من رُمُوز نظام بن عليّ، مِمَّا اعتبرته الجمعيّة إعَادة إنتاجٍ لِنظام بن عليّ البائد .
الأزمَة في القاعِدَة (الـمُستوى الشّعبِيّ) بَـيِّنَة ومظاهِرها تتعدّد ، والأزمَة في القِمَّة جَـلِـيَّـة خاصّة مع تصدُّع العلاقَة بين الـمرزُوقِيّ والنّهضَة وتفكُّك أحزاب التكتُّل والـمُؤتمَر والنِّزاع الحاصِل بعد إفشَال مُبادرة الجبالِيّ التي أطلقها يوم 6 فيفرِي 2013 بِـقصد التّخفِيت في حِدّة الإحتِقان النّاتِج عن جرِيمَة إغتِيَال الرّفِيق ، و"من غير المستبعد أن يكون حمّادي الجبالي ورقة احتياطية لانتخابات رئاسية قادمة" كـمَا سَــتلجَأ النّهضَة إلى تشكِيل قُطب حُكُومِيّ جدِيد يضُمّ بقِيَّة مُكوّنات اليَمِـين لكنّ الأزمَة على حالِهَا مادام الشَّلَلُ السِّمَة الأبرَز لأيّ حُكُومَة لا تضَع التّشغِيل وإيقاف لَـهِيب الأسعَار أوْلَوِيَّةً لَهَا والـحرِيق الزِّراعِيّ والإشكالِيّات النّاتِـجَة عن التّراخِي في مُعالـجة ملفّ دُيُون الفلاّحِين الصِّغَار وتمكِين المُزارعِين الفُقراء من أراضِي الدَّوْلَة وقمع إحتجاجاتِـهِم مع "الاتفاقات الاقتصادية والمالية التي عقدتها الحكومة حتى بعد استقالتها مع جهات أجنبية مختلفة والتي ترهن مقدرات البلاد ومستقبل شعبها وسيادة قرارها" كُلّها مُؤشّرات جِـدّيّة تُحِيل إلى لحظة ثورِيَّة قد تُطلِق العِنان لإنتِفاضَة إستكمَال مهامّ الثّورة تحت أيّ حافِز أو تبرِير مَهْمَا كان صغِيرًا ،

وهُنا دور مُكوّنات الجبهة الشّعبِيَّة وفصِيلُهَا الرّئِيسِيّ حزب العُمّال وجاء في أرضِيّتِها السّياسِيَّة :" بلادنا تعيش أزمة حقيقية ولا مخرج لها إلا بمواصلة الشعب التونسي لمسيرته النضالية بأبعادها الوطنية والديمقراطية والاجتماعية والثقافية والبيئيّة حتى تحقيق أهداف الثورة كاملة وإرساء سلطة الشعب. ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالقطع مع تشتت القوى الثورية والوطنية والديمقراطية والتقدمية أحزابا وجمعيات ومنظمات وشبابا وشخصيات مستقلة وتحالفها معا صلب جبهة شعبية تشكل بديل حكم حقيقي وتتجاوز الاستقطاب الثنائي المغشوش الذي يقابل بين "قطبين" والحال أنهما يلتقيان في الحفاظ على نفس التوجهات الاقتصادية الليبرالية المرتهنة للدوائر الأجنبية وإن تغلف أحدهما بغلاف "ديني" والأخر بغلاف "حداثوي" ممّا يدفع باتجاه طمس التناقض الحقيقي بين القوى المتمسكة بتحقيق أهداف الثورة والقوى التي تعمل على الالتفاف عليها."
ولقَد جاء ردّ الجبهَة قوِيًّا بدُون الغَوص في تفاصِيل سيْر الأحداث مُنذ إغتِيال الشّهِيد ، إذ رفَضَت "تسمية علي العريّض رئيسًا للحكومة بوصفه أحد عناوين الفشل الذّريع للحكومة السّابقة والمسؤول المباشر عمّا آلت إليه الأوضاع الأمنيّة في البلاد من انتشار السّلاح على نطاق واسع واستفحال ظاهرة العنف السياسي المنظّم والاعتداء على النّشطاء ولمسؤوليّته السياسيّة في اغتيال شهيد الوطن شكري بلعيد.

- وجَــــــدَّدت تَــمسُّكَـهَـا بضرورة عقد مؤتمر وطني للإنقاذ يحدّد برنامج ما تبقّى من المرحلة المقبلة توافقيّا ويختار فريقا حكوميّا محدود العدد يتشكّل من كفاءات وطنيّة بعيدا عن الانتماءات الحزبيّة مع ضرورة التراجع عن التسميات الإداريّة التي تمّت على أساس الولاء الحزبي، لإدارة ما تبقّى من المرحلة الانتقاليّة على قاعدة البرنامج التوافقي الذي يضمن أجندة سياسيّة انتخابيّة ودستوريّة واضحة، وإنشاء الهيئات التعديليّة للقضاء والإعلام وللانتخابات، وخلق مناخ مساعد على اجراء انتخابات حرة وديمقراطيّة وفي مقدّمتها حلّ ما يسمّى رابطات حماية الثورة وميليشيات العنف المنظّم واتّخاذ اجراءات اقتصاديّة واجتماعيّة عاجلة وفي مقدّمتها الحدّ من المعاناة المعيشيّة ".
وقَد إعتبَرَت الجبهة أنّهُ ما مِن سبِيل لِتفعِيل الــمُبادرة التي قدّمَـتْــهَا وأمضَت عليها أطراف عدِيدة من أحزاب ومُنظّمَات إلاّ :" عبر عقد مُؤتمر وطني للإنقاذ يضمّ كل من يهمّه تجنيب البلاد مُنزلق الإرهاب والفوضى واستعادة الأمن وتنشيط الدورة الاقتصادية وتطوير الإنتاج والحفاظ على سُمعة الثورة والبلاد في الداخل والخارج وتوفير أفضل الشروط لانتخابات القادمة.
نَهيب بجماهير شعبنا أن تواصل التعبئة لإفشال كل المؤامرات والمناورات السياسية الداخلية والخارجية التي تستهدف امن واستقرار بلادنا ونهب ثرواته وتشويه ثورته. ونعبّر عن انخراطنا اللاّمشروط في النضال من أجل تحقيق أهداف الثورة والدفاع عن سيادتنا الوطنية ووحدة شعبنا".