هل من مستقبل لليسار في مصر؟

غادة طنطاوي
2013 / 3 / 2 - 21:47     

فتحت الثورة الباب أمام فيض من أشكال المقاومة الاجتماعية، حيث دخلت قطاعات واسعة من العمال والعاطلين وسكان القرى المحرومة من الخدمات وغيرهم معترك النضال من أجل الدفاع عن حقوقهم. وسعت أقسام من العمال إلى أنشاء تنظيم نقابي مستقل للتخلص من سيطرة الدولة على النقابات العمالية. وبالتوازي مع ذلك تشكلت قاعدة جديدة من الشباب المؤمنين بالثورة والمستعدين للنضال من أجل تحقيق أهدافها. ورفع هؤلاء الشباب مطالب القصاص والعدالة الاجتماعية وإعادة هيكلة وزارة الداخلية ومصادرة ثروات الفاسدين وغيرها من المطالب الرامية إلى استكمال أهداف الثورة.



قد يتفق البعض على أن أنعزال هذه القوى عن بعضها البعض وافتقارها إلى التنظيم من شأنهما إضعاف حركتها وجعل تحقيق أهدافها أمرًا بالغ الصعوبة. وقد أثبتت أحداث العامين الماضيين هذه الحقيقة. فبالرغم من ازدياد وتيرة الإضرابات العمالية والحركات الاجتماعية، فأن العزلة وتجنب الخوض في أمور السياسية أضعفا كثيرًا من الحركة العمالية. وبالرغم من بسالة المعارك السياسة التي يخوضها شباب الثورة بخلفياتهم المتنوعة، فأن الافتقار إلى التنظيم قد اضعف حركة الكثيرين منهم وأصابهم باليأس في إمكانية التغيير.



من هناك تبرز الحاجة إلى وجود حزب لليسار من أجل تنظيم قوى الثورة من حركات اجتماعية وشباب ونقابات عمالية وغيرها، والنضال معها مع أجل تحقيق مطالبها، أي أن يمثل هذا الحزب المظلة التي ينضوي تحتها كل من يريد النضال بهدف تحقيق المطالب الاجتماعية والديمقراطية للثورة.



لكنه حتى هذه اللحظة، وبعد مرور عامين على الثورة، لم يستطع أي من الجماعات أو الأحزاب اليسارية الموجودة لعب هذا

الدور.



وربما يمكن استلهام تجارب أحزاب اليسار العريض التي ظهرت في العديد من دول أوروبا وأمريكا اللاتينية في العقد الماضي، لتعكس التغيرات التي شهدها الصراع الاجتماعي في العالم في ظل سياسات الليبرالية الجديدة.



لماذا أحزاب اليسار العريض؟



مع بدء تطبيق الليبرالية الجديدة في الثمانينيات، شهد توازن القوى بين الطبقات الحاكمة من جهة وبين الطبقات الفقيرة والعامل من جهة أخرى اختلالاً كبيرًا لصالح الأولى. فقد تم التراجع عن الكثير من المكتسبات الاجتماعية مثل حقوق الصحة والتعليم وإعانات البطالة، وتعرضت التنظيمات النقابية لضربات قاصمة حدت من قدرتها على التفاوض والدفاع عن حقوق العمال، وتمتع أصحاب الأعمال بحقوق واسعة في تشغيل العمال وفصلهم، واتخذت حكومات الكثير من الدول سياسات تقشف واسعة النطاق كان ضحيتها في الأساس الفقراء.



وبالرغم من اختلاف الخبرات وتفاوت مستوى التقدم الاقتصادي، كانت الخطوط العريضة لليبرالية الجديدة واحدة على مستوى العالم. وفي ظل هذه السياسة، انتقلت الطبقات العاملة من الهجوم إلى الدفاع. ذلك أنها تحولت من خوض المعارك الرامية إلى الحصول على المزيد من المكاسب، إلى الدفاع عن المكاسب الموجودة في مواجهة الهجوم المتواصل لليبرالية الجديدة على هذه المكاسب. وكثيرًا ما خسرت الطبقات العاملة هذه المعارك، وهو ما يشير إليه فقدانها العديد من مكتسباتها خلال العقود الأخيرة.



وفي هذا السياق، تقلصت القاعدة الجماهيرية للأفكار والحركات الاشتراكية، وتضاءل تأثير هذه الأفكار على الجماهير. لكنه في الوقت نفسه، أصبح المجال مفتوحًا لبروز الحركات الجماهيرية التي تقاوم الليبرالية الجديدة، وهي حركات وإن كانت لا تضع الاشتراكية على أجندتها، فأنها على استعداد لخوض مقاومة ضارية ضد الليبرالية الجديدة. وكان طبيعيًا أن يصاحب هذه التغيرات في الصراع الطبقي تحول في طبيعة أحزاب اليسار حيث لم تعد الأحزاب الشيوعية أو الاشتراكية الثورية بتنويعاتها المختلفة هي الصيغة الملائمة لتطورات الصراع في عهد الليبرالية الجديدة. وبرزت أهمية قيام قوى اليسار بتنظيم قواها للعمل بشكل مسترك عبر التفاعل مع النضالات الاجتماعية المقاومة لليبرالية الجديدة. ومن هنا نشأت صيغة أحزاب اليسار العريض التي ضمت جماعات يسارية مختلفة المشارب تتحد على هدف الوقوف في وجه أجراءات الليبرالية الجديدة وطرح بدائل لها.



أي حزب تحتاجه الثورة المصرية؟



وإذا كان لحزب يسار ما أن يستوعب قوى الثورة، فمن الضرورة أن يكون حزبًا كفاحيًا وليس عقائديًا. أي أن الأساس الذي يقوم عليه يجب أن يرتكز إلى دعم النضالات من أجل المطالب الاجتماعية والديمقراطية من دون تبني منظور أيديولوجي أو طرح شعارات تتجاوز حركة الجماهير وتشعرهم بالاغتراب.



من ناحية أخرى، فأن الانفتاح والديمقراطية يمثلان سمتين لا غنى عنهما بالنسبة لأي حزب لليسار يرغب في التحول إلى حزب جماهيري. فمن جهة، من الضروري الانفتاح على مختلفة أشكال المقاومة التي تدافع عن الحقوق الاجتماعية والديمقراطية، من أجل الالتحام بها والمشاركة في معاركها. ومن جهة أخرى، فأن الديمقراطية تعد أمرًا حيويًا إذا كان لهذا الحزب أن ينمو ويحقق الهدف من إنشائه. ولا تعني الديمقراطية مجرد التصويت لاتخاذ القرارات بالأغلبية، وإنما تمتد لتشمل إعطاء الفرصة لجميع الآراء للتعبير عن نفسها، وإجراء مناقشات مستفيضة قبل طرح أي قرار حيوي للتصويت، والحذر من سيطرة المركز على المحافظات، وإدراك أن تنوع الحزب يمثل مصدر قوة وليس ضعفًا.