النضال لا يحتاج الى اعلانات ومواقيت


جورج حزبون
2013 / 2 / 28 - 14:39     

يشجع الاسرائيليون ، الشعب الفلسطيني لاطلاق انتفاضة يسمونها ثالثة ، حتى توفر لهم فرضة للخروج من الازمة السياسية الراهنة ، التي سببتها سياسية الاستيطان المفرطة ، ومواصلة الاعتقالات ، والاسراف في قمع الاسرى ، الذين وصلت بهم الحال الى الاضراب عن الطعام حيث وصل سامر العيساوي الى حوالي 240 يوم والاقتراب من الموت ، واخيراً اعدام الجرادات بعد اعتقال ثلاثة ايام ، لم يصمد جسده على ما قاموا به من تعذيب ، فقضى على طريق عبرها الالاف من ابناء الشعب الفلسطيني .
اوصلت السياسية الاحتلالية القمعية للشعب الفلسطيني طيلة ستة واربعون عاماً ، الى عزلة متزايدة ، والى امتعاض حكام دول صديقة لاسرائيل من نهج الابرتهايد والاستعلاء ورفض للقوانين الدولية ، وملاحظات ( ميركيل ) واضحة باتجاه نتنياهو وسياسة حكومته ،وكذلك زعماء اخرين بينهم ( اوباما ) زعيم الدولة الحامية والمدافعة عن اسرائيل ، والمحرجة من ممارساتها الخارجة عن العرف الدولي والمتمكسة باحتلال اصبحت ممارسته ذكرى عابرة في التاريخ الانساني .
ان التغيرات الجارية في العالم المحيط باسرائيل ، وبغض النظر عن ايه موانئ يرسوبها ، لكنه بكل الاحوال معاد لاسرائيل رافضا لاحتلالها ، ومع ادراك اميركا لطبيعة المتغير الدولي والمحلي او الاقليمي ومحاولتها ، التلائم معه ، سواء بالاختراق او بالاتصال ، فان سياسية اسرائيل تعطل سعيها ، وهي مهتمة بردم هوة ازمتها الاقتصادية المالية الخانقة ، والتي اصبحتذا اهمية اولى للمواطن الاميركي،وعلى ذات الطريق تسير وتدرك اوروبا افاق المستقبل وترفض ان تظل سياساتها رهينة للمواقف الاسرائيلية .
منذ الساعات الاولى لاحتلال عام 67 والشعب الفلسطيني منتفض ساعياً الى الحرية والدولة المستقلة ونضالاته ليست موسمية !، قد تأخذ عمليات مقاومة الاحتلال اشكالاً وانماطاً عديدة ، يعلى منسوبها وينخفض حسب طبيعة الظروف والمرحلة ، لكنه مستمر في سعيه لانهاء احتلال وطنه وهو يدرك ان اسرائيل تريد الانتهاء من هذه المرحلة التي تمتاز بنهج المناوشة ، والارهاق والمقاومة الشعبية ، والتواصل العالمي ، وتوجيه خطاب جديد للشعوب المحبة للعدل والحرية ، مستفيدين من نجاح هذه التجربة التي حققت الكثير من التضامن الشبابي العالمي ، الذي اصبح محرجا لسياسية اسرائيل ويفاقم ازماتها المتعاقبة، من حروبها في القطاع الى هزيمتها المدوية امام العالم الذي رفض سياسيتها واعترف دولة فلسطين عضواً في الاسرة الدولية .
ومع بداية اوباما لمرحلة سياسية جديدة ، مع وزيرة خارجية ليس مبتدأ في معرفة السياسية الشرق اوسطية ، تدرك اسرائيل انها اصبحت مطالبة بما يتوافق مع الضرورات السياسية الراهنة لهذه المرحلة السياسية العالمية ، وتدرك ايضاً ان العالم لم يعد مقتنعاً بانها واحة الديمقراطية ، بل اكثر اصبحت عبئا على حلفائها الساعين الى التلائم مع مرحلة ما يطلق عليه الربيع العربي، والذي يستند في منظوره السياسي الى معادة اسرائيل والتضامن مع الشعب الفلسطيني ، ولن يكون المدخل للعلاقة مع ناتج ذلك الحراك السياسي العربي كان ربيعاً ام خريفاً ، اسلامياً ام علمانياً دون ان يكون الموقف متضامناً مع حقوق الشعب العربي الفلسطيني، موجه ادانة واضحة الى اسرائيل ، وهذا ما تقتضيه طبيعة الازمة المالية العالمية،و ضرورة الحصول على مواقع مع الانظمة العربية المتولدة حديثاً ، والتي ستكون انظمة في نهاية النهايات ، علمانية وديمقراطية ، رغماً عن كافة محاولات قطر ومن يسير في ركبها من السعودية وغيرها الداعمين لمشروع الاسلام السياسي الذي بدأ يظهر مدى ضحالة رؤيته وانفضاح سريرته وابتعاد الجماهير عنه ، متوجهة الى سياسات جبهوية عريضة يقودها الشباب العربي صاحب التضحية والتغير والثورة المغدورة .
وبقرأة لتلك اللوحة ، والتي عززتها الانتخابات الاسرائيلة التي اظهرت ، مدى تخوف الطبقة الوسطى في المجتمع الاسرائيلي من توجهات اليمين ، وخاصة الديني منه سياسيا او مجتمعيا ، تريد اسرائيل خلق مناخ يؤكد لحلفائها خطئ ما يسعون به ، وانها بلد مهدد ضعيف ، يتعرض لهجمة فلسطينية عاتية داخل حدوده يسميها الانتفاضة الثالثة ،وهو نهج ظلت نماسه بالحرب كل ما تعرضت لازمة داخلية لتغير الخارطة السياسية في اسرائيل ،ولا تستطيع اليوم العبث بذات النهج بحكم المتغيرات في عالم الحرب والسلاح ، والى استعداداً بالصواريخ في الشمال والجنوب من حزب الله الى حماس ، وان ثورات العرب تتهدده ، وان اسرائيل قوية هي ضمان بقائها وضمان مصالح حلفائها في المنطقة ، ذلك من حيث ان ( نتنياهو ) لا يريد ان يفهم كما فهمت مراكز الابحاث في اسرائيل ، ان العالم يتغير ، وظل هو اسير مفاهيم موروثه سجلها في كتابه ( الوثيقة العقائدية التي ينهل منها ) ،ولذلك اخذت وسائل اسرائيل وحكومتها بالتهويل ، بدل ادراك مدى ما هم فاعلون في الارض المحتلة، ووقف الاستيطان ولجم المستوطنين ، واخذوا يوجهون الانتباه المحلي والعالمي الى المخاطر التي تهددهم من الفلسطينين وتحركوا باتجاه جوائز (ترضية) باعادة الاموال المحتجزة والوعد باطلاق بعض الاسرى، وتخفيف بعض الحواجز وبذلك يستقبلون اوباما قائلين ، نسعى لارضاء الفلسطينين ولكنهم يواصلون طريق العنف ، كما يوجهون ذات الرسالة للعالم .
لم تعد السياسية المفضوحة لاسرائيل تمر على الشعب الفلسطيني، فالخبرة بين الطرفين طويلة ومتراكمة ، وتفرزنضالاً مستمراً يدرك متى وكيف يؤدي طريقه ، وهنا يجب ان نلاحظ ان حركة النضال اليومي للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، تقوم بها اجيال شابة لم تصل الى العشرين من العمر غالبيتها العظمى غير منتمية الى احزاب او فصائل ، مما يشير الى تواصل ارادة هذا الشعب من اجل الحرية ، ولا ينتظر هل تصالحت الفصائل او تقاسمت ، ولكنه يدرك مسؤوليته التاريخية لدحر الاحتلال، التي هي مسوؤلية الشعب ، الذي ظلت عبر تاريخه الكفاحي الطويل مواقف التنظيمات معيقة له متصارعة طبقيا وعائليا ومذهبيا ، وظلت خلف الشعب ولم تقف امامه نهائيا بل بقيت تفسر مواقفه، وهذه حكمة النضال الوطني الفلسطيني .