كيف نبدأ لننهي هذه المأساة


جمال احمد
2013 / 2 / 25 - 02:48     

لقد كُتِبَ كثيرا عن موضوع المرأة وبالاخص في مناسبة 8 اذار . واود ان اشارككم هذه السنة بأرأئي عن ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية.
ان نربط التحرش الجنسي ، بالكبت الجنسي (وعادة ما يقصد الكبت الجنسي للرجل) لهو تبسيط للمشكلة،والابقاء في العمومية. لكن لم يُبحث في امر الكبت الجنسي عند المراة ، إذ لم يحصل التحرش الجنسي كظاهرة نسوية تجاه الرجل!!
لنرجع قليلا ونتأمل من مسيرة حياة الانسان ومن الطفولة. هذا الكائن الجديد قد اُتيت به الى هذا العالم الغريب بالامتياز في كل شئ ، فيبدأ بفضول لاكتشاف جميع ما حوله قدر استطاعته و نموه ، فبغريزته الحيوانية (كاي حيوان اخر) وباستعمال حواسه المباشرة يجرب كل شئ دون خوف ، ويعيد هذه العملية مرات عديدة حتى يبدأ في قبول بعضها ورفض الاخر منها، ومن خلال هذا تبدا عملية تكوين الوعي البدائي بتبديل القبول للحب والرفض للكره ، تعمل هذا دون ان يتوقف عن العملية المستمرة من اجل تجربة محيطه طالما هو يقظ. ان هذه العملية لها كيرف(ميل) متصاعد باستمرار الى ان تبلغ سنين العمر منه مرحلة او نقطة للاستسلام ويبدأ معها هذا الميل بالهبوط.
في مرحلة ما(تتغير حسب المجتمعات المتغيرة)، يبدأ المجتمع بجميع مكوناته ، بتوجيه الطفل في افساح لبعض الامور واعاقةالبعض الاخر ، حسب الوعي الاجتماعي ، من العادات والتقاليد والقيم الارضية او المسماة سماوية والقانونية، اي نقل الوعي المكتسب للجيل الجديد ، بايجابياته و سلبياته، لكي ينشئ الجيل الجديد على صورته .
في الدول العربية عامة ، كما في دول عديدة اخرى، حيث سلطة المجتمع الذكوري العلني ، العرفي ، القانوني . تبدا هذه التنشئة (تكون على اوجها هنا)للجيل الجديد باسلوبين مختلفين لتكوين الرجل من الطفل والمرأة من الطفلة، انهما لم يبدأ بمعرفة بعضهما البعض ، وقد عزلا عن الاخر ، في المرحلة المبكرة. ولكنهما لم يستسلمان لذلك ، ومن هنا تكون البداية ،لان يتعرف على بعضهما ، ولكن ليست بطريقة مباشرة ،وانما بتكوين افكار عن الاخر من خلال الوساطات. فتكون هذه الافكار كالخرافات باشكال مختلفة.
عندما يصلان الى مرحلة النضج الجنسي ، تبدا المشكلة (معرفة الكائن الاخر) بالظهور بشكل اقوى. حيث الغريزةالجنسية تدفع بهما لحاجة الاقتراب من بعضهما ضروريا وملحاً اكثر من حاجتهم للمأكل والملبس والمسكن. لكنهما قد اُبتعدا عن بعضهما بشكل يصعب الوصول(مع استمرار هذا العزل). هنا يبدأ الكبت الجنسي بالتكوين. ويبدا هذا الكبت بالنمو تحت تحريم الجنس وتنجيسها ومنعها. وعندما تدفعهما الحاجة الجنسية ، يعرفان كم من القيود قد غزلت حولهما مسبقا. الفتاة قد سجنت وحرسها يراقبها دوما،والفتى ، قد اخليت الساحة من عشيقة ليغازلها. ان هذاالحال قد خلقت وضع لايطاق . الغريزة الجنسية والحاجة الحياتية والمحاكاة الروحية تدفع بهما لقاء، والمجتمع تقف بوجهما. فاما ان يثورا فيعاقبان ، واما ان يستسلما فيعذبان انفسهما.
ان الرجال طليقين اكثر من المرأة ، لذا هم من يبحثون ويطاردون ، كي يصلوا الى مأربهم، والنساء سلبين منتظرات قدوم الرجال. الى هنا ، في حمى البحث عن الاخر والوصول للاخر والتعويض عن الفراق ، باشكالها المختلفة ، لهو حق انساني بديع.
اما التحرش باشكالها المختلفة من المضايقة والازعاج في الشارع بالكلام والى محاولة اللمس والاحتكاك وصولا للاعتداء الجنسي ، فهو الهمجية والبربرية والاستسلام للغريزة الحيوانية، فهو مادون الانسانية للمتحرش . انه مسؤولية فردية، كونت لنفسها مجتمعا ودينا وقانونا وتغني وتتفاخر بها. لكن في الواقع ان ظاهرة التحرش ، ظاهرة جانبية ،و تضخيمها هو من اجل تكريس اضطهاد المراة(ليكون بعبع لتخويف المرأة للقبول بدونيتها).
اما التحرش الذي يحدث الان ، في الدول الثائرة على حكامها كما الان واضحة في مصر وتستعمل في دول اخرى لهو ذو بعد سياسي منظم يستخدم لعزل قسم كبير من الشعب في المطالبة بتحسين حياتهم، حثالات منظمة كقسم من المنظمات السياسية (كشكل من اساليب نشاطاتهم) او كاحتياطي للبوليس( كما تسمى بالبلطجية او الشبيحة او ماشابه). ان محاولة عزل المراة عن ساحة النضال والمطالبة بالحقوق الديموقراطية ، ليس فقط ابعاد كم معين من الشعب، فهواضعاف للرجال الباقين في الساحة ، الذين كانوا يخلقون العجائب معا ، انه ضربة في منطقة حساسة جداً.
ان هذه المجتمعات عامة ، بمؤسساتها وحكوماتها وتشريعاتها واساليبها في التربية والتعليم (وقاعدة الفصل بين الجنسين احدى الوسائل)، تعمل على ابقاء المراة في دونيتها وتجديدها دوما ، وتحاول النيل مما حصلت عليه المراة ، كما في تونس.
ان حشد طاقات الرجال المتنورين ، والكتابة ، وابدا الاعتراض على هذه الاوضاع ، لهو اضعف الايمان ، مقارنة بهول مايجري ويقترف . ان ما نحتاج اليه اليوم هو الاقدام على خطوات عملية ملموسة لحماية المراة ، بمشاركة الاثنين وبقسط اكبر للرجال ، لاجل وقف الهجمات الهمجية والشروع بتحسين اوضاع المراة ، فهذا يحتاج لعمل منظم وليس فردي . عندما تكون هناك مشكلة مع فرد لايفهم ، يمكن للنقاش والاقناع ان يحل الاشكال ، لكن هذه الوحوش المنظمة(الحثالات) الذين يعتاشون على هذا العمل ويمتهنونه ، لهو من الغباء النقاش معهم ، يجب على العصى ان تجيب على لكماتهم والسلاح على عصاهم والالوف على عشراتهم . يجب التفكير في حشد طاقات لهذه المهمة حسب الامكانيات المتاحة في كل بلد.