هل استسلمت اليابان بسبب القنابل النووية الأميركية، أم إعلان الحرب السوفييتي؟


داود تلحمي
2013 / 2 / 17 - 19:29     

أبحاث تاريخية جديدة باتت تشكك في كون الإستسلام الياباني في أواسط آب/أغسطس 1945 جاء نتيجة إلقاء الولايات المتحدة القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي يومي 6 و9 آب/أغسطس من العام ذاته.
أحد الأبحاث الأهم قام بها المؤرخ الأميركي من أصل ياباني، تسويوشي هاسيغاوا، من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا. وميزة هاسيغاوا الأبرز انه يجيد ثلاث لغات أساسية في بحث من هذا النوع: اليابانية، والروسية، والإنكليزية. وقد اعتمد على مصادر أولية باللغات الثلاث، بما في ذلك أرشيف الإمبراطورية اليابانية المهزومة، ليخلص الى القول بأن لديه ما يكفي من الدعائم ليستنتج بأن قرار الإستسلام الياباني لم يكن نتيجة قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، وإنما بفعل دخول الإتحاد السوفييتي في حرب المحيط الهادئ، أي ضد اليابان.
ومعروف ان حرب المحيط الهادئ بدأت مع الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور الأميركي في جزر هاواي في أواخر العام 1941. وفيما كانت اليابان قد احتلت قبل الحرب أجزاء من الصين، وقامت بسرعة بعد ذلك باحتلال غينيا الجديدة وإندونيسيا (الهند الشرقية الهولندية) وبورما (ميانمار حالياً) وسنغافورة والفيليبين وبلدان أخرى، وحتى هاجمت أستراليا في مطلع العام 1942، لم يلبث رد الأميركيين وحلفائهم أن غيّر مسار هذه الحرب في صيف العام 1942 بعد معركة ميدواي، في وسط المحيط الهادئ. ولكن معارك احتلال الجزر في المحيط الهادئ كانت تتقدم بصعوبة الى أن اقتربت القوات المهاجمة من اليابان وأخذت بقصف طوكيو ومدن اليابان الأخرى. وإزاء استمرار اليابانيين في الحرب، كان الخيار المتبقي أمام الأميركيين هو التخطيط لاحتلال اليابان من قبل قواتهم، وهو ما كان سيكلفهم بالتأكيد خسائر هائلة في صفوف جنودهم، بالتأكيد في نطاق مئات الآلاف، كما أظهرت ذلك معارك أولية في أيوجيما وأوكيناوا. وهو ما دفع رأس مركز القرار في واشنطن الى اللجوء لاستخدام القنبلة النووية، التي كانت كانت سلاحاً مجهولاً حتى ذلك التاريخ.
بالمقابل، كان الإتحاد السوفييتي منشغلاً بالحرب ضد ألمانيا، التي اجتاحته في أواسط العام 1941، أي قبل الهجوم الياباني على بيرل هاربر، واحتلت أجزاء واسعة من أراضيه، بالإضافة الى بلدان عديدة أخرى في المحيط الأوروبي. ولكن الزحف الألماني توقف عند أبواب موسكو ولينينغراد (سانكت بيتيرزبورغ سابقاً، ولاحقاً) وستالينغراد (حالياً فولغاغراد). وفي المدينة الجنوبية الأخيرة، أي في ستالينغراد، تم كسر الهجوم وهزيمة الجيش الألماني المحاصر للمدينة وأسر معظم أفراده، بمن فيهم قائد الحصار المارشال فون باولوس. وانتقلت القوات السوفييتية، بعد هذه الواقعة المفصلية في مسار الحرب العالمية الثانية، الى الهجوم لتحرير الأراضي السوفييتية المحتلة ومن ثم للهجوم على معقل العدوان، ألمانيا النازية، لتنتهي بالوصول الى العاصمة برلين، وليتحقق استسلام ألمانيا في مطلع أيار/مايو 1945.
لكن اليابان، المتحالفة مع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، واصلت القتال بالرغم من انهيار حليفيها الأوروبيين. وبما ان الإتحاد السوفييتي كان قد تعهد للحلفاء في مؤتمري طهران (تشرين الثاني/نوفمبر 1943) ويالطا (شباط/فبراير 1945) بإعلان الحرب على اليابان بعد ثلاثة أشهر من هزيمة ألمانيا، فهو التزم بتعهده وأعلن الحرب فعلاً في هذه المهلة.
لكن المشكلة أن القيادة اليابانية كانت، في الزمن الذي كان فيه الإتحاد السوفييتي غير مشارك في الحرب معها، تراهن تحديداً، حسب المؤرخ هاسيغاوا، على وساطة سوفييتية مع الأميركيين، بحيث تحقق لهم القيادة السوفييتية، كما كانوا يأملون، شروطاً أفضل مقابل بعض الترضيات الإقليمية في آسيا.
وكل المعلومات المتوفرة لدى المؤرخ هاسيغاوا تذهب باتجاه التأكيد بأن القنبلة على هيروشيما في 6/8/1945 لم تغيّر رهانات اليابانيين وعزمهم على مواصلة الحرب، بالرغم من الثمن الباهظ على الصعيد البشري، والذي تجاوز المئة ألف ضحية. وفي اليوم التالي، أي في 7/8، بعث وزير الخارجية الياباني برقية مشفرة مستعجلة الى سفير اليابان في موسكو ليطلب رداً من القيادة السوفييتية على طلب الوساطة مع الأميركيين. لكن في يوم 8/8 فوجئ اليابانيون بإعلان الإتحاد السوفييتي الحرب عليهم وشن هجوم واسع مفاجئ على القوات اليابانية في منشوريا الصينية المحتلة. وهذا التطور هو الذي دفع القيادة اليابانية الى إقرار الإستسلام، وذلك قبل أن يتم إلقاء القنبلة النووية الأميركية الثانية على مدينة ناغازاكي اليابانية يوم 9 آب/أغسطس. فقد كانت القيادة اليابانية تناقش شروط الإستسلام قبل القنبلة الثانية، مفضلةً، بسبب التطورات الجديدة، خيار الإستسلام للقوات الأميركية، خوفاً من اجتياح الجيش السوفييتي لليابان نفسها. وهو الإستسلام الذي تم يوم 15 آب/أغسطس.
ويقول أحد المتابعين الأميركيين لهذا الشأن التاريخي ان الخسائر البشرية المدنية لم تكن لتؤثر على قرار القيادة العسكرية والسياسية اليابانية. فقد تعرضت العاصمة طوكيو نفسها لقصف جوي كثيف في مطلع آذار/مارس 1945 استخدمت فيه القنابل الحارقة، وأدى، حسب بعض التقديرات، الى خسائر بشرية في العاصمة لا تقل عن الخسائر في هيروشيما. كما ان زهاء الستين مدينة يابانية تعرضت للقصف في تلك الفترة، مما أحدث حجماً هائلاً من الخسائر البشرية والمادية. لكن ذلك كله لم يدفع اليابان الى الإستسلام. والأمر نفسه ينطبق على ألمانيا: فقد شهدت مدينة دريسدن الألمانية قصفاً رهيباً في شباط/فبراير 1945 أدى الى تدميرها، لكن القيادة النازية الألمانية لم تستسلم، بسبب هذه الخسائر البشرية والمادية، وإنما استسلمت عندما دخلت القوات السوفييتية الى برلين، وسلّم الزعيم أدولف هتلر وأقرب المقربين منه بالهزيمة فأقدموا على الإنتحار، في حين وقّع قادة الجيش صك الإستسلام.
كل هذه الأبحاث التأريخية الجديدة، وتلاقي العديد من المؤرخين المختصين حول القول بأن القنبلتين النوويتين الأميركيتين هما وراء الإستسلام الياباني هو قول لا تثبته الوقائع، تطرح تساؤلاً مشروعاً حول جدوى استخدام السلاح النووي بقرار من الرئيس الأميركي هاري ترومان في هذه الحرب. ويطرح حتى تساؤل حول مدى أخلاقية هذا القرار الذي تسبب بمقتل مئات الآلاف من المدنيين وتشويه أعداد كبيرة من المواطنين في المدينتين والتأثير على مستقبل نسلهم. طبعاً، باب التاريخ يبقى مفتوحاً لمزيد من التمحيص، ولتحديد المسؤوليات.