سرحان يْكولْ ..الى الصديق فواز فرحان


صباح كنجي
2013 / 2 / 15 - 23:52     

سرحان يْكولْ ..
اهداء ..
الى الصديق فواز فرحان الذي قاسمني ذات يوم قسوة العمل السري
ومخاطره بسبب سرحان متمنياً أنْ لا يكون حسن نصر الله الكوراني
سرحانا جديداً برداء الدين..


أيْ سرحان يقول ..
هذه العبارة ردَدَها الكثيرون من سكان بغداد ، في فترة التحولات المرافقة لتاريخ الـ 14 من تموز عام 1958 ، التي شهدت نشاطاً ثورياً يسارياً مازال يركز عليه الكتاب والمؤرخون ، لكنهم يتغافلون الأهم والأهم منها تلك التحولات التي جرت في المجالات الاقتصادية وبروز فئة من البرجوازية العراقية تمكنت من استغلال المتغيرات فاستثمرت الأموال ونشطت تجارياً في كافة المجالات كان من بينها ميدان العقارات في أطراف بغداد ، بحكم نزوح الكادحين اليها من مختلف المدن العراقية بحثاً عن العمل في العاصمة.
من الذين انتبهوا لهذه الظاهرة وسعوا لاستثمارها ، التاجر كاظم السعدي الذي كان يسكن فيما كان يعرف حينها بـ (عرفة كاظم) مقابل محسن السعدون .. حينما بدأ بإنشاء مساكن شيدت من الطين مدت ايها شبكة مياه وكهرباء وجعلها احياء سكنية لقاء بمبلغ دينار ونصف أو دينارين في الشهر سارع لاستئجارها الموظفون العاملون في مؤسسات الدولة ، الوافدين من المدن البعيدة وغالبيتهم من جنوب العراق وقد تجاوز عدد البيوت العائدة لكاظم السعدي اكثر من 700 بيت في حينها ..
كان سرحان العامل في معمل فتاح باشا الوحيد منحدراً من مدينة في شمال غرب بغداد على الحدود السورية ممن استأجروا داراً تعود لكاظم في ذلك الوقت الذي سعى لتمييز نفسه عن جمهور الكادحين في هذا الحي الجديد بحكم انتسابه الطائفي الذي اشعرهُ بالغربة في هذا المحيط الجديد ، فلجأ للغطرسة والتعالي وازدراء المتواجدين في حارته ، بمن فيهم جيرانه خاصة حينما شعر بميولهم اليسارية ، إذ سارع للانتماء لصفوف حزب البعث .
حينما اقدمت سلطات العهد الجمهوري على توزيع الأراضي على الكادحين من النازحين في الشعلة هرع سرحان ليسجل نفسه ، لكنه تفاجأ بعد أن استقر فيها بأنه المنتسب الوحيد لحزب البعث بينما الغالبية في محيطه من اليساريين لا بل بينهم نسبة غير مريحة له من الشيوعيين المحسوبين في عداد الشريحة المثقفة في المجتمع.
كان غيض سرحان وحقده الدفين على الناس يتجسدُ في تعامله الخشن مع من يحتك بهم مضطراً ولو بالصدفة ، وبقي يكظم ما يجول في نفسه من أحقاد تجاه المواطنين الذين ليسوا في أبعد تصوره عنهم سوى حشرات لا تستحق الاحترام. لكن ماذا يفعل فالوضع الثوري جعل من هؤلاء الكادحين ثواراً يتحكمون في الكثير من المواقع في الدولة والمجتمع ، بالرغم من حالة التوتر الناشئة من نمو ظاهرة العنف المرافقة للاغتيالات ومحاولات التآمر على الثورة بما فيها محاولات اغتيال رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم الذي كان يطلق عليه تسمية الزعيم من قبل الأحزاب والجماهير ..
بقي سرحان منبوذاً ومستهجناً من قبل سكان الحي الجديد أحتقرهُ المواطنون الذين تعرفوا عليه أو سمعوا به ، ونقلت عنه حكايات وقصص كانت تستهزئ به وتسخر منه ، بعضها صحيح وموثق والآخر من نسج الخيال ، اضيفت اليه البهارات والتفاصيل المضحكة الساخرة منه في العهد الجمهوري.
لكن المسخرة .. جاءت بعد أن أفلتْ ثورة تموز وحلّ عهد الانقلابيين من رهط سرحان شباط 1963 .. حينها تحول المنبوذ سرحان إلى قائد فعلي للمنطقة بعد أن أصبح المسئول الأول لحزب البعث في الشعلة ، أخذ يصول ويجول ويقرر ما يشاء .. استدعاء مواطن .. اعتقال شيوعي .. فصل طالب .. أصبحت الحارة لا بل الحي بكامله مِلكهُ يتحكم به ، ومع الأيام تشكلت بشتى الطرق منظمة لحزب البعث في الشعلة كان يترأسها سرحان ..
في مرحلة لاحقة بعد انقلاب 17 تموز عام 1968 كوفئ سرحان ليصبح مسئولا مدعوماً من السلطة الجديدة وحده من يقرر زمن وتاريخ الاجتماعات و مادتها وانهالت على الجمهور المقهور في حي الشعلة المنطلقات النظرية لميشيل عفلق وأقوال النائب لتحفظ وتسري بين الجمهور شيئاً فشيئاً مع بقية خزعبلات مرحلة البعث ..
مع الأيام أصبح المواطنون في الشعلة يكررون في أحاديثهم عبارة :
سرحان يْكول .. لم تتوقف المشكلة عند هذه الحدود بل اصبحت تغوص في التفاصيل لتنقل اقوال سرحان وما يهذي به كأنه مفكر وفيلسوف من سُلالة افلاطون و ديمقريس و كانط و هيجل وماركس الى حدٍ أن سرحان بات يقرر مصير الكون فسرحان يْكول : في شرحه للترابط العفلقي بين الوحدة والحرية والاشتراكية .. ما تصير الحرية إلا بالوحدة .. وما اتصير الاشتراكية إلا بعد الوحدة ..
منذ ذلك العهد .. منذ الكارثة الكبرى التي جلبت كل هذا العار والذل للعراقيين .. مازال الجمهور يرددُ :
سرحان يْكول ..
بالرغم من تغيير سَرحان لأسمه وشكله وإطلاقه لحية ً غير مهذبة ..
من منكم يعرفُ اسم سَرحان في العهد الجديد؟ ...
بل من منكم يعرف كم سَرحاناً بينا اليوم ؟ ..
لا تنسوا ان السَراحين مازالوا يَتوْقوْنَ ويحلمون بشباط أسود جديد ..

ـــــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
منتصف شباط 2013-02-15
ـ مصدر المعلومة التي استند عليها المقال عن سرحان من الصديق الدكتور علي هاشم شهيد الذي كان ابيه نائباً للفقيد عراك الزكم رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحيه في العهد الجمهوري.